نشكر لدائرة الإحصاءات العامة المسح الذي أجرته وقدمته لجمهرة الشعب الأردني بشفافية. وقد قدمت لنا جداول عن معدلات الفقر في الأردن في مُختلف المحافظات، وتبين أن المحافظات التي نعرفها بالأكثر فقراً بقيت هي الأكثر فقراً.
وبالمقارنة مع دراسة الفقر لعام 2006، يتبين أن نسبة الفقر ارتفعت من 13 % إلى 13.3 %.
وكتب وقيل عن هذه الدراسة الكثير منذ نشرها. وأقول أن هنالك بعض الجوانب الإيجابية، وأخرى سلبية يجب أن نبرزها حتى نضع الدراسة ضمن إطارها الصحيح، وحتى تكون أكثر توضيحاً لواقع الفقر في الأردن.
لقد تبين أن معدل دخل الفرد الذي يمثل خط الفقر في الأردن حوالي 680 ديناراً، أو حوالي 960 دولاراً، أو ما يساوي 2.6 دولار في اليوم الواحد. وهو رقم يزيد بحوالي 30 % على رقم الـ 2 دولار الذي وضعته الأمم المتحدة معياراً لخط الفقر على المستوى العالمي. وإذا حسبنا هذا الرقم بموجب ما يسمى بالقوة الشرائية للدولار في الولايات المتحدة، فهو يساوي حوالي 3.5 دولار في اليوم. وهذا رقم معقول في بلد كالأردن ليفصل بين الفقراء وغيرهم. وبالطبع، فإن أي فرد يحقق دخلاً في حدود هذا الرقم يومياً، حتى ولو أعلى قليلاً. فهو في حكم الفقير، ولكنه ليس كذلك بحكم دكتاتورية خط الفقر الذي نستعمله كخط الاستواء، لا خط السواء.
ومن إيجابيات الدراسة أنها بينت أن نسبة الفقر ارتفعت قليلاً بحوالي نصف نقطة مئوية عن عام 2006. وهذا اعتراف ليس صحيحاً بفعل الدراسة ونتائجها، ولكنه صحيح بسبب اختلاف الظروف عما كانت عليه في ذلك الحين، حيث نشط الاقتصاد آنذاك، وجرت الأموال في عروقه وشرايينه.
ولكن لا بد أن نثير هنا بعض الأسئلة والاستفهامات، وأولها أن الناس في الأردن يتفاوتون في درجة شكواهم من الفقر والتعبير عنه. فهنالك في أريافنا أناس تعودوا أن تقف الحكومة معهم وتسعى لنيل رضاهم. وهؤلاء يشعرون أن دخلاً في حدود 2.6 دولار في اليوم لا يكفيهم على الإطلاق، وآخرون في المدن ممن هم منسيون من الخدمات لا يعترفون بسهولة بالفقر، وذلك لأن توقعاتهم بأن تجاب مطالبهم لو اشتكوا ستكون ضئيلة جداً. وهم لذلك لا يشتكون. وأثبتت دراسة قام بها فريق الفافو من النرويج مع فريق أردني خلال الفترة 1997 - 1998، ونشرت نتائجها عام 1999، هذا الأمر.
ولذلك، فإن الاستنتاج أن الفقر في الريف أكثر منه في المدن لا يعكس الواقع المنتظر تماماً. وبالطبع هذا لا يعني أن الفقر ليس موجوداً في المفرق ومعان والطفيلة، ولكنه لا يمكن أن تكون نسبته ثلاثة أضعاف نسبة الفقر في المدن الكبيرة مثل عمان وإربد والزرقاء.
والنقطة الثانية هي ما ذكرته دائرة الإحصاءات أن النسبة كانت ستصل 21 % لولا سياسات الحكومة لمواجهة الفقر، أي أن سياسات الحكومة، ولا ندري أي حكومة تستحق الفضل الأكبر، هي التي منعت استفحال الفقر. وهذا ادعاء قد يكون فيه بعض الصحة، ولكنه لا يجوز أن يغطي على الحقيقة أن الفقر قد ارتفع، وأن واقعه أسوأ مما بينته الدراسات الإحصائية.
ولكن ماذا سيحصل لنسبة الفقر بسبب خطة الحكومة لتقليل العجز في الموازنة، والتي أعلنت منذ أقل من شهرين؟ هذا أمر يجب أن ندرسه الآن، لأن تلك الخطة تهدد برفع نسبة الفقر، خاصة في ضوء ارتفاع الأسعار أكثر من 5 % خلال النصف الأول.