إلى أين يذهب البلد؟!

إلى أين يذهب البلد؟!
الرابط المختصر

الوضع الذي نمر فيه،غير مسبوق في تاريخ المملكة،ولم نشهد له مثيلا، في أي عقد من العقود الفائتة، والناس تقف على قدم واحدة، من شدة الذعر،لان لا أحد يجيبها على السؤال الذي يغلي في صدرها.

دعونا نتأمل المشهد التالي الذي كان لدينا، بلد بناه التحتية مكتملة، من جامعات ومستشفيات، تعليم وصحة، سياحة وتنوع جغرافي وثروات، وشعب لايمكن الا وصفه بكونه شعباً محترماً ونسبة التعليم فيه من أعلى النسب في العالم مقارنة بعدد السكان.

مع هذا شعب يعمل ليل نهار، في الداخل والخارج، ومليارات الدنانير تم صبها في بيوت ومشاريع وأراضٍ، ووحدة داخلية،لم تكن تعرف الاقليمية ولا الجهوية ولاالتفتيت الاجتماعي،على أساس العائلة أو العشيرة،لا بسبب انتخابات،ولا صراعات.

الوضع الاقتصادي كان جيداً إلى حد كبير، والأردن لم يكن يترك علاقاته الاقليمية والدولية، إلا وسّخرها لبقائه،ولمصلحة البلد، والناس،وللاستمرار تحت شمس اقليم يتقلب كل ليلة، ويحفل بالغدر والمفاجآت.

الدولة مرت في امتحانات كثيرة، وخرجت سالمة، لان الجميع يفهم ان مصلحته الفردية هي في سلامة البلد، وعدم المقامرة به، وتسليمه إلى المجهول، ولاننا نعرف ان الذئاب المفترسة تنتظر هذه اللحظة لتقطيع أوصال البلد.

أيضا هيبة الدولة كانت تطغى على الجميع، ليس بالتخويف ولا بالارهاب، بل بالمضمون والعنوان، والرفق والعدالة والبرنامج.

نتأمل المشهد الآخر الحالي، دون سلبية مسبقة، فالبنى التحتية كلها تتعرض للاهتراء، من الشارع الذي يتشقق مروراً بالكهرباء التي تنقطع، وصولا الى مستوى التعليم الذي يتراجع، والعلاج الذي بات تجارة.

مع هذا وضع اقتصادي سيىء جداً، والديون تخنق البلد، والعجز يذبحنا، والحياة باتت شبه مستحيلة لاغلب الناس،وفرص العمل منعدمة في الداخل والخارج، والوحدة الاجتماعية تكسرت، والكل يحمل خنجراً للآخر.

فوق هذا تفشت أمراض الجهوية والاقليمية، وهي أمراض الكراهية، وقد تجد عائلة واحدة في قرية واحدة، تغرق في الصراعات، والثآرات والدم، والتنافس الدموي على مقعد بلدي او نيابي، واعراض الكراهية بتنا نراها بين الأب وابنه.

الدول العربية الثرية في اغلبها باتت ُتنقط علينا المال بالقطارة، والازمات السياسية تعصف بنا، والفوضى السياسية الداخلية عنوان للمرحلة، من الحكومات المتصدعة التي لاتصمد، مروراً بالمجالس النيابية المزورة أو غير المقبولة،أو المحقود عليها شعبياً.

الشارع الأردني لم يبق كما كان، فالظرف الاقليمي يضغط، مشاكل الداخل تضغط، وكل جمعة مسيرات ومظاهرات وعناوين حادة وغير مسبوقة، ضد الحكومات والنواب، وضد الفساد وعدم العدالة، من وسط البلد وصولا الى معان،مروراً بإربد وسهل حوران.

الاحزاب والقوى السياسية تضغط ايضاً، ما بين من يطرح شعاراً سياسياً، وذاك الذي يريد ان ُيخرّب على غيره،او ُيسبب الفوضى انتقاماً لسبب شخصي،او لاي سبب كان،وهكذا تلتقي كل العناصر مع بعضها البعض،في توقيت تراجعت فيه هيبة الدولة.

هذا وضع خطير جداً.وضع لابد من التعامل معه بطريقة اسرع، وأكثر حكمة، وأكثر جدوى، هذا وضع لايمكن تبسيطه،وعنونته تحت عنوان ان «التشاؤم» هو من صاغ هذه الرؤية،أو اننا نرى النصف الفارغ من الكأس.

مايحّير في كل هذا الوضع، اننا ننحدر بسرعة هائلة، دون بوصلة، ودون حلول، ودون افكار أو ابداع، للتعامل مع كل هذا الوضع الداخلي المأزوم والمحزن على حد سواء،لانك ترى سفينة بلدك، تتخاطفها الريح والامواج، وتجرها باتجاه الصخور التي لاترحم.

لم يعد كافياً شعار الاصلاح السياسي، ولم يعد كافياً ان نجدول المشاكل، وان المستقبل واعد، اذ ان هناك حالة انحدار عامة خطيرة للغاية،على كل الاصعدة، يتم التعامل معها، بالقطعة، بدلا من الانتباه الى الحزمة، وتفكيك كل هذه الاوضاع.

قد ترى الحياة طبيعية في مرور السيارات،وانشغال الناس بحياتهم،لكنك لو استفتيت كل واحد على حدة، لسمعت ذات الكلام، من هبوط الروح المعنوية، الى الخوف من المستقبل، مررواً بالذعر من هذا الواقع.

آن الاوان ،ان يتم تقدير كل الكلف بشكل صحيح،بدلا من التبسيط، والجدولة، وان تتم مراجعة كل المشهد، حتى لا نصحو جميعاً،ذات صباح،وقد فقدنا أغلى مالدينا، وطن لايستحق ان يذوب كالثلج.

إذا بقينا هكذا، فان المضاعفات ستزيد، لاننا مازلنا نعالج طفح الحمى، بوضع»الكريمات» على هذا الطفح، بدلا من تنظير الباطن، ومعالجة كل أسباب المشاكل جذرياً.

إلى أين يذهب البلد؟! والسؤال يقودك إلى امنية واحدة تقول: اللهم جنبنا عثرات الليل، وسوء الادارة ايضاً!

الدستور