إلا ليلة الزفاف

إلا ليلة الزفاف
الرابط المختصر

ظاهرة فصل الذكور عن الإناث في محافل مختلفة ليست ظاهرةً إسلاميةً كما يظن البعض لكنها عقائدية المنبت والأساس مشتركة بين الديانات المختلفة. كثير من المدارس ذات الطابع الديني –بصرف النظر عن الدين- تمارس الفصل على مقاعد الدراسة بين الأولاد والبنات غير مدركةٍ ما يساهم به هذا المسلك المتخلف من عزلة وغربة بين أفراد المجتمع الواحد التي سرعان ما تتحول مع سن البلوغ إلى ظواهر وممارسات اجتماعية سلبية يصعب تدارك عواقبها الخطيرة.

اللافت هو اتخاذ بعض المدارس من ممارسة الفصل بين الذكور والإناث حتى في مراحل التعليم الأساسي عاملاً للتسويق وجذب الزبائن المتشددين بل المتطرفين فكرياً ومسلكياً، وهذا كله يتم بتقنين ومباركة من الجهات القائمة على التعليم في بلدي دونما توقف أو مراجعة عند هذه الظاهرة الكارثية العواقب، وقد يبدو مفهوماً إحجام أي جهة عن تناول هذه الظاهرة بالدراسة واتخاذ إجراءات فعالة للقضاء عليها، إذ سوف تنهال اللعنات والاتهامات بحياكة “المؤامرات وتنفيذ الأجندات”، على كل من يحاول “نبش هذا الجحر العفن".

 من غير المتصور أن أحداً من المنادين بعزل الذكور عن الإناث قد سأل نفسه أمام مرآة: “لماذا فصل الأولاد عن البنات؟ ما الضير في اختلاطهم؟”، ذلك أن الجواب المنطقي الوحيد سوف لن يخرج عن؛ “الميل الفطري الغريزي للانحراف وخشية شيوع الفاحشة والخلاعة...”، والإشكال التحليلي هنا يكمن في كون دعاة الانعزال يقيسون الأمور بميزانهم الشخصي وبميلهم الغريزي الذي شابه أصلاً خلل كبير لكونهم نشأوا في بيئة انعزالية وتكونت نظرتهم عن الآخر من خلال “الفاحشة المفترضة” التي آمنوا بها عين اليقين عبر قراءاتهم وتتلمذهم على أيدي أساتذة ومشايخ ورهبان وأحبار متطرفين متزمتين ومتشددين بالفطرة والغريزة ومفتقرين بدورهم إلى منظومة القيم التي تستوعب الختلاف وتقبل الآخر بوصفه من المظاهر الحتمية للتنوع البشري الطبيعي.

لست متأكداً بماذا يجيب الآباء والأمهات أطفالهم حينما يتساءلون عن سبب عزلهم عن زميلاتهم أو زملائهم في المدرسة. أنا شخصياً واجهت هذه المشكلة، وكان جوابي أن ما يحدث هو خطأ وسوف يتم تصويبه وذلك بناءً على خطة وضعتها المدرسة المعنية للتحول من الانعزال إلى الاختلاط في كافة مراحل الدراسة.

 يترحم بعض الأجداد على أيام “لم يكن الرجل يرى زوجته فيها إلا حينما تدخل بيته يوم عرسها”، والرحمة غير جائزة على تلك الأيام التي ليست غابرةً بل ما تزال حاضرةً وإن كانت بصيغ وسياقات مختلفة ومتخلفة في آن، فالفرق ليس كبير من الناحية “الفلسفية والقيمية” –إن جاز التعبير- بين تلك الأيام غير الخوالي وأيامنا هذه التي يدرس فيها الأولاد والبنات المناهج ذاتها وفي المدرسة عينها وتحت إشراف الإدارة نفسها؛ ثم لا يعرف بعضهم بعضاً إلا في الجامعة أو ربما إذا جمعتهم الصدف في مكان عمل واحد.

كيف ندعو إلى محاربة التطرف والإقصاء ونحن نزرع ونربي آفة التطرف المتمثلة في تغريب أبناء وبنات المجتمع الواحد منذ سن الطفولة ونزرع فيهم بالممارسة أخطر ما يمكن أن يهدد السلام الداخلي لأمة ما؛ ألا وهو الفصل والإقصاء على أساس الجنس؟

معظم الأفراح التي يتم أعلانها بأنها غير مختلطة تنقلب إلى أفراح مختلطة من الدرجة الأولى في النصف الثاني منها حينما يتقاطر "المعازيم" للسلام على العروسين وكثير من العرائس تتخلى عن لباسها الديني وعدم مصافحتها الرجال ليلة عرسها لكي لا “تُحرِج أحداً أو تُحرَج من أحد”، ثم تمضي ليلها في استغفار وابتهال إلى الله ليغفر لها خطيأتها هي وزوجها لما ارتكباه من آثام الاختلاط ومخالطة “الغرباء"! لم يكن لمثل هذا السيناريو المتكرر يومياً في مجتمعاتنا ليحدث لولا النشأة الانعزالية الاستئصالية التي كرستها ممارسة فصل الذكور عن الإناث في المدارس وبعض الجامعات.

لم نرَ أو نسمع في الدول الأخرى التي تتبنى نظام الاختلاط وترفض أشكال الفصل بين الذكور والإناث في مضمار التعليم رفضاً باتّاً؛ عن أطفال يتحرشون بعضهم ببعض نتيجة الاختلاط ولم ترد تقارير تقول أن الجامعات في تلك الدول تشهد ظاهرةً من الاستغراب أو الاقتراب المشوب بالتطرف بين الجنسين، في المقابل لم يفسر لنا أحد من قادة الفكر المتطرف من عرّابي الفصل الجندري في دولنا عدم نجاعة الفصل بين الجنسين على مقاعد الدراسة للحيلولة دون شيوع ظاهرة التحرش بالفتيات أمام مدارسهن وحولها وممارسة الزواج العرفي أو العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج في الجامعات وأماكن العمل وغيرها؟

قد يكون الحل من وجهة نظر هؤلاء هو؛ مزيد من الانعزال ليطال الجامعات والمواصلات وأماكن التنزه ودور السينمة والمسارح والمتاحف والأماكن السياحية وأماكن العمل، لتعود الأيام التي يترحم عليها أشد الناس بصبصة وشبقاً وتوقاً للجنس الآخر، فلا يرى الشريك شريكه إلا ليلة الزفاف، والعاقبة عندكم بالمسرات.

 

مهند العزة: خبير دولي في التحليل القانوني وحقوق الإنسان، وكاتب في حقل الإصلاح الديني.