إعلان حالة الطوارئ لا يعطي الحكومة حق تعديل قانون الانتخاب !!!
في ظل الأوضاع الأمنية الاستثنائية التي تمر بها الدولة الأردنية جراء تنامي الغضب الشعبي على قرار رفع الدعم المادي عن المشتقات النفطية ، والتي أخطأت الحكومة في تقدير عواقبه ونتائجه، تتعالى الأصوات من غير العقلاء إلى مواجهة هذا الظرف الاستثنائي من خلال إعلان حالة الطوارئ وتفعيل العمل بقانون الدفاع تطبيقا لأحكام المادة "21" من الدستور التي تعطي الحق للملك بناء على قرار من مجلس الوزراء بإعلان العمل بقانون الدفاع في حال حدوث ما يستدعي الدفاع عن الوطن وسلامة أراضيه، حيث يعطي قانون الدفاع رئيس الوزراء صلاحيات استثائنية لاتخاذ تدابير ضرورية لتأمين الدفاع عن الوطن في حالة الطوارئ بما في ذلك صلاحية وقف العمل بقوانين الدولة العادية.
إن الحق في إعلان حالة الطوارئ وتطبيق قانون الدفاع قد قرره المشرع الدستوري للسلطة التنفيذية وحدها من دون أية مشاركة لها في ذلك من السلطة التشريعية، ومبرر ذلك أن الدستور الأردني قد أخذ بالنظام الفرنسي الذي يقوم على وضع قانون خاص لمواجهة الظروف الاستثنائية مقدما قبل حدوثها يبين الصلاحيات الاستثنائية التي يمكن منحها للسلطة التنفيذية لمواجهة تلك الظروف غير العادية فور حدوثها، ذلك على خلاف النظام الدستوري البريطاني الذي يلزم الحكومة باللجوء إلى البرلمان وإصدار قانون خاص يسمى "قانون الظروف" لمواجهة كل حالة استثنائية على حدة، بحيث يتولى البرلمان البريطاني فحص كل ظرف استئثنائي وإصدار قانون خاص لمواجهة كل حالة بعينها.
وفي الأردن، فقد صدر قانون الدفاع الأردني رقم "13" لسنة 1992 كأي قانون عادي عن السلطة التشريعية والذي يحدد اختصاصات السلطة التنفيذية في الظروف الاستثنائية لتشمل وضع القيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والتنقل والإقامة، وإلقاء القبض على المشتبه بهم والخطرين على الأمن الوطني والنظام العام، وتنظيم وسائل النقل والمواصلات وتحديدها، ومراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والنشرات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن إعدادها.
إلا أنه وإن كانت السلطة التشريعية قد انفردت في وضع قانون الدفاع، فإن ذلك لا يعطي الحق للسلطة التنفيذية في التفرد في اتخاذ القرار بإعلان حالة الطوارئ والعمل بقانون الدفاع على اعتبار أن السلطة التشريعية قد مارست حقها الدستوري في الولاية العامة على التشريع، وبالتالي فإن ذلك يجب أن لا يكون مبررا لحرمانها من الرقابة على مدى توافر حالة الطوارئ من عدمه. فمثل هذه الصلاحية بإعلان العمل بقانون الدفاع في الدستور الأردني هي صلاحية مطلقة للسلطة التنفيذية لا تخضع لأية رقابة برلمانية أو قضائية عليها. فقد سبق وأن قرر القضاء الأردني أن إعلان العمل بقانون الدفاع والأسباب والظروف الموجبة لذلك يعد من قبيل أعمال السيادة التي لا تخضع لرقابة المحاكم، وهو الأمر الذي يخالف ما استقر عليه القضاء الإداري المصري الذي أعطى المحاكم الإدارية الحق في أن تبحث فيما إذا كانت الإدارة قد واجهت ظرفا استثنائيا لا يمكنها معه أن تؤدي واجبها كاملا ضمن حدود القانون ما يبرر توسيع حدود المشروعية العادية وتعطيل بعض نصوص وأحكام القوانين العادية.
إن الأصوات المنادية بإعلان حالة الطوارئ تربط بين العمل بقانون الدفاع وتعديل قانون الانتخاب الحالي كمخرج دستوري لضمان مشاركة الأحزاب السياسية المقاطعة في الانتخابات النيابية المقبلة المنوي إجراؤها في شهر كانون الثاني من العام المقبل. إن الأثر الدستوري على إعلان حالة الطوارئ يتمثل وفقا للتعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 بتفعيل أحكام المادة "94" من الدستور والتي تعطي الحق للسلطة التنفيذية في إصدار قوانين مؤقتة، فقد تم تعديل حالة الضرورة كشرط من شروط إصدار القوانين المؤقتة بأن تم تحديدها على سبيل الحصر لتشمل حالة الكوارث الطبيعية وحالة الحرب والطوارئ والحاجة إلى نفقات ضرورية ومستعجلة لا تحتمل التأجيل. فالتساؤل الذي يثور في حال إعلان حالة الطوارئ هو مدى حق الحكومة في إصدار قانون مؤقت لتعديل قانون الانتخاب الحالي.
إن إعلان حالة الطوارئ – لا قدر الله - لن يكون له أي اثر دستوري على قانون الانتخاب، إذ أنه لا يمكن للحكومة أن تقوم بتعديله من خلال إصدار قانون مؤقت خلال تلك الفترة مستندة إلى أحكام المادة "94" من الدستور ذلك أن ما قصده المشرع من تقرير حق السلطة التنفيذية في إصدار قوانين مؤقتة في حالة الطوارئ يقتصر فقط على إصدار التشريعات اللازمة والضرورية لمواجهة حالة الطوارئ فقط، فإصدار قانون مؤقت لتعديل قانون الانتخاب الحالي أثناء حالة الطوارئ لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد في التعامل مع تلك الحالة ومواجهة الظروف الاستثنائية التي ترافقها.
إن الحكومة أثناء إعلان حالة الطوارئ وإن كانت تسترد حقها الدستوري في إصدار قوانين مؤقتة، إلا أن مثل هذا الحق يجب أن لا يتم التوسع في تفسيره، وأن يقتصر فقط على إصدار قوانين مؤقتة لمواجهة حالة الطوارئ والتعامل معها على اعتبار أن مثل هذا الحق الدستوري هو استثناء على الأصل العام المتمثل في الولاية العامة للسلطة التشريعية في سن القوانين وتشريعها.
كما أنه من الجدير ذكره أن حق السلطة التنفيذية في إصدار قوانين مؤقتة لمواجهة حالة الطوارئ مشروط أيضا بأن يكون مجلس النواب منحلا، فإعلان حالة الطوارئ والعمل بقانون الدفاع لا يعني بأي حال من الأحوال تغييب البرلمان أو تعطيله وذلك لعدم وجود سند دستوري أو قانوني بذلك. فالمادة "124" من الدستور الأردني التي تعالج حالة وقوع الطوارئ والعمل بقانون الدفاع لا تشير بأي حال من الأحوال إلى تعطيل أعمال البرلمان أو حله، وكذلك الحال بالنسبة لقانون الدفاع الحالي الذي لا يتضمن ما يفيد ضرورة تعطيل الحياة البرلمانية أثناء فترة تطبيقه، فمجلس النواب قائم وموجود أثناء العمل بقانون الدفاع ما لم يكن قد حل قبل ذلك، وهو ما من شأنه أن يعطي أعضاءه حق فرض رقابة سياسية على كيفية تطبيق السلطة التنفيذية لأحكام قانون الدفاع، بحيث يثبت للسادة النواب حق مناقشة رئيس الوزراء وسؤاله والتحقيق معه عن الأعمال التي يقوم بها لغايات تنفيذ أحكام قانون الدفاع، وحق حجب الثقة عنه إذا ثبت تعسفه في استخدام سلطاته الاستثنائية وتعديه على حقوق الأفراد بشكل غير قانوني، أو إذا ما استمر العمل بقانون الدفاع رغم انتهاء الظروف الاستثنائية وحالة الطوارئ التي أوجبت العمل به وتطبيقه.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
العرب اليوم