إصلاح النظام.. جلسة اليوم نموذجا!

إصلاح النظام.. جلسة اليوم نموذجا!
الرابط المختصر

التعديلات الدستورية المقدمة لنا هي لمسات إيجابية أكيدة لتطوير وتحسين الضمانات للحقوق والحريات، لكنها قطعا ليست الإصلاح الدستوري للنظام السياسي؛ فلا شيء تغيّر على هذا الصعيد، وكمثال على ذلك السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمّة المكون من غرفتي النواب والأعيان.
لا نستطيع أن نتخيل إصلاحا دستوريا فعليا للنظام السياسي لا يطرح أسئلة حول صلاحية الصيغة القديمة القائمة لمجلس الأمّة بغرفتيه الأعيان والنواب. ولن أقفز مباشرة إلى قضية انتخاب مجلس الأعيان، فلا حاجة لتكرار انتخاب غرفتين، وأقبل تماما بمجلس معين لكن ضمن أسس، ومن أجل دور مقنع ومختلف هو في الواقع أفضل وأكثر عملية، لكن في الوقت نفسه لا يضرّ بالديمقراطية ولا يقيدها.

عندما يلزم الأمر نكتشف أن مجلس النواب مكبّل ولا يملك قرارا. وسنعود لاحقا إلى آليات التكبيل التي تثلم مصداقية الديمقراطية وقيمة التمثيل الشعبي، لكن لنأخذ مثالا جلسة اليوم بين الأعيان والنواب. فإزاء إصرار مجلس الأعيان مرّة ثانية على موقفه المخالف لقرار النواب، ستُعقد جلسة مشتركة يجب أن تقرر بأغلبية الثلثين، وهو شرط تعجيزي تقريبا. فإذا كان القرار يؤخذ في كل غرفة بالأغلبية البسيطة بالنسبة للقوانين العادية، فلم لا يكون بنفس الأغلبية في الجلسة المشتركة؟! 

في القانون المعدّل لقانون مكافحة الفساد ألغى النواب مادّة عقابية يعتقدون أنها تبطن خطرا على الحريات وعلى مكافحة الفساد. وقد قرر الأعيان بقاءها بأغلبية صوت أو صوتين. وهكذا ستعود لمجلس النواب الذي نرجح أن يصرّ على موقفه، فيذهب الطرفان إلى جلسة مشتركة يجب توفير أغلبية الثلثين فيها للتغلب على قرار الأعيان الذي اتخذ بأغلبية بسيطة! واليوم، نحن أمام جلسة مشتركة لقانوني البلديات والعفو العام، وقد علقت بما فيه الكفاية على مشروع النواب الذي سينقذ الانتخابات البلدية، فهل نتمكن من أغلبية الثلثين لإنقاذ المشروع؟!

نفهم دور مجلس الأعيان كبيت الخبرة الأعلى للدولة، ويمكن لهذا الدور أن يأخذ مداه كاملا لكن بدون أن يتعارض مع الديمقراطية أو يلغيها. لذلك، كان يتوجب إعادة النظر في بنية المجلس ودوره والآلية القائمة للعلاقة بين المجلسين. إن مجلس الأعيان يمكن أن يكون المحطّة التالية بعد ديوان التشريع في الرئاسة، فيتسلم هو القانون أولا ليراجعه ويضع ملاحظاته وتوصياته إلى مجلس النواب. ولا بأس هنا من أن تعقد الجلسات المشتركة المختصّة بين لجان النواب والأعيان، حيث يتنور النواب بالآراء والملاحظات المقدمة من الأعيان والتي قد تصل إلى اقتراح ردّ القانون، أو العكس، أي قبوله كما جاء من الحكومة. بهذا يلعب مجلس الأعيان في بنية الدولة دور الخبرة العليا المستقلّة الوسيطة بين الحكومة والنواب، وهو يملك كل السلطة المعنوية التي تدعم رأيه وقراره، لكن سلطة القرار الأخير تبقى للممثلين المنتخبين من الشعب.

الصيغة الراهنة للرقابة العينية اللاحقة على النواب لا تلائم نظاما ديمقراطيا. وفي الحقيقة، أنا أراها مهينة للطرفين.

الغد

أضف تعليقك