إصلاح الإدارة المحلية

إصلاح الإدارة المحلية
الرابط المختصر

هل يوجد إدراك حقيقي لدى دوائر صنع القرار بحجم أزمة الإدارة المحلية وانعكاساتها المتعددة؟ فعلى مدى العقدين الماضيين لم تكن ثمة إرادة سياسية واضحة للنظر نحو الداخل بعمق لمعرفة حجم هذه الأزمة، وما تركته من آثار في زيادة الهوة الاقتصادية والفجوة التنموية، فيما أكثر ما يلفت الانتباه في التعديل الوزاري الأخير قدوم شخصية مختلفة على رأس وزارة الداخلية التي طالما احتكرت من قبل أعضاء ناد سياسي لهم خصائص اجتماعية وسياسية وبيروقراطية محددة بدقة.
وعلى الرغم من الميل للأخذ بأن التحولات الحقيقية تقودها السياسات التي تنضج بفعل وعي النخب والكتل التاريخية وليس الأفراد، فإن أمام الوزير الجديد فرصة حقيقية على أقل تقدير لأن يقرع جدار الخزان بقوة، ويعلم الناس حجم الفارغ والممتلئ منه.
لن يتمكن الوزير الجديد من إخراج وزارته من ذهنية المحافظ التقليدي، ولا من رهبة أخلاق المتصرف كما عرفها الأردنيون في الأرياف وأشباه المدن على مدى عقود. ولكن مهمته الجليلة فيما تبقى من عمر الحكومة هي تشخيص ملامح أزمة الإدارة المحلية والاعتراف بوجود الأزمة، وربما البدء العملي في اقتراح الحلول.
تعالوا للتوافق على أن الحراك الشعبي في المحافظات الأردنية، الذي أخذ بتصعيد تعبيراته المباشرة منذ عامين وتمتد جذوره على مدى أكثر من عقدين، يمارس نمطاً من السياسة المتحررة من قيود الأيديولوجيا والنخب والبرامج المعدة مسبقاً، ويمثل حالة من الصدق المجتمعي في التعبير عن اختلال العلاقة بين الدولة والمجتمع من جهة وبين الدولة والسوق من جهة أخرى؛ وإحدى تعبيرات الحالة الأولى وأكثرها وضوحاً تعكسها أزمة الإدارة المحلية.
لقد كشفت الأزمات المتتالية منذ صيف 2009 أوجها متعددة من اختلالات الحكم المحلي وضعف إدارة الأزمات المحلية وسوء تقدير الموقف، بل واضطراب العلاقة بين المحليات والأطر المؤسسية المركزية في العاصمة، وكأن كلا منهما تحيا في عالم خاص بها، ما يجعل المرء يتساءل: هل تصلح هذه البنية بالفعل للتحول نحو اللامركزية؟ كل ذلك يهون عن سيطرة النمط الإداري التقليدي الذي أبقى آليات التهميش الاقتصادي والتنموي مستمرة، بل تتراكم، فيما كانت مشاعر النقمة والرفض والاحتجاج تنمو بسرعة وقوة.
لقد فشلت فكرة الدور التنموي للمحافظ التي أطلقت منذ سنوات، وانسحب ذلك الفشل على الأدوار التي يفترض أنها منحت لمساعدي المحافظين لشؤون التنمية، كما هو الأمر في وحدات التنمية المحلية وأنظمة المعلومات التي صممت لأجلها، ليس لأن الفكرة تعاني من الخلل أو أن مجتمعاتنا تجاوزتها أو لم تنضج لهذه الأدوار بعد، بل لأنها ركبت على بنية إدارية تحتاج إلى إصلاح في الأصل، وهو الأمر الذي لم يحدث للأسف.
الإدارة العامة، وعلى رأسها الإدارة المحلية، هي التي أسست الدولة. والأخيرة كانت لها اليد الطولى في تكوين هذا المجتمع، والسوق أحد عناصرها، وستبقى كل منجزات الدولة بما فيها السوق في مهب الريح تحركها الطوارئ من حولها أكثر من إرادة مواطنيها؛ إذا ما دخل الإصلاح إلى مستويات أعمق من الإدارة والحكم.
فالطموح بالعبور الاقتصادي يعد اليوم السمة البارزة للاقتصادات الصغيرة في العالم. وإذا كانت هذه السمة تجعل العديد من الدول تقع في شرك الاندماج السريع ومحاكاة النموذج النظري غير الموجود واقعيا، فإن الحقيقة التي لا بد منها تتأكد بالحاجة إلى النموذج المستقل في التنمية والإدارة المحلية والاندماج معا، أي النموذج الذي يبدع أفكاره وسياساته حسب حاجاته وقدراته وفق منظوري الاقتصاد السياسي والسياسات الاجتماعية والأمن، باعتبار الأخير، أي الأمن، هو نتيجة الأدوار الأخرى وليس بديلا عنها أو متقدما عليها. وهو في المحصلة يعني ما تتطلبه الإدارة المحلية من إعادة التفكير مجددا بمفهوم الأمن كمفتاح أساسي للإصلاح.

الغد