"إسقاط النظام".. الشعار المفضل للدولة والإسلاميين

"إسقاط النظام".. الشعار المفضل للدولة والإسلاميين
الرابط المختصر

عقب كل مسيرة أو اعتصام تشارك فيهما الحركة الإسلامية، ويشهدان ارتفاعا في سقف الشعارات المرفوعة؛ كالمناداة بإسقاط النظام أو ما شابه من هتافات تتجاوز الدستور والقانون، يخرج قادة في "الجماعة" و"الحزب" لوسائل الإعلام ليعلنوا براءتهم من هذه الشعارات، و"تطمين" الرأي العام بأن هدف الحركة الإسلامية ما يزال "إصلاح النظام" وليس إسقاطه.

مؤسسات الدولة ووسائل إعلامها، وما إن تسمع عن مسيرة للإسلاميين رُفع فيها شعار "إسقاط النظام"، حتى تسارع إلى شن حملة شعواء على الإسلاميين، بوصفهم تنظيما يسعى إلى تقويض النظام السياسي الأردني والسيطرة على الحكم، وتخويف الرأي العام من مغبة أفعال الإسلاميين.

الطرفان؛ الإسلاميون والدولة، يمارسان الكذب على بعضهما، وينخرطان في لعبة مفتعلة، لكنها مفضلة ومرغوبة لكليهما.

يعرف الإسلاميون أن الحركات الحزبية على العموم لا تختار شعاراتها من "بوفيه مفتوح" تأخذ ما ترغب منه، لأن الواقع السياسي، إضافة إلى جملة من المعطيات المعقدة والمتداخلة، هي التي تفرض على الحزب شعاراته وبرنامجه؛ فالمسألة ليست اختيارية أبدا.

مع موجة التغيير التي اجتاحات العالم العربي، بدا شعار "إسقاط النظام" الذي رفعه ملايين العرب في أكثر من بلد، مغريا وجذابا. ولا شك في أنه داعب مخيلة بعض أصحاب المواقف الراديكالية من التيارات الصاعدة في الحراك الأردني، ومن بينهم إسلاميون. لكن الاتجاه العام والغالب في الحراك الحزبي والشبابي تمسّك بشعار "إصلاح النظام".

الإسلاميون لم يرفعوا شعار "إسقاط النظام"؛ ليس لأنهم زاهدون بالحكم، بل لكونه شعارا غير قابل للتحقيق. إلا أنهم استثمروا بذكاء لعبة التكاذب مع الدولة. فعندما توجه لهم أصابع الاتهام، يسارعون إلى بعث رسائل التطمين، ليحققوا بذلك هدفين بالمجان: الأول، أنهم يملكون من القوة ما يؤهلهم لتحقيق هذا الشعار، لكنهم يتنازلون طوعا عنه. والثاني، الظهور بمظهر التيار العاقل والراشد الذي لا يغامر باستقرار البلاد وأهلها من أجل تحقيق أهدافه.

الدولة من جهتها تدرك أن الإسلاميين الذين خبرتهم لعقود لن يرفعوا شعار "إسقاط النظام" في الأردن. كانت أشهر "الربيع الأولى" لحظة تاريخية لهكذا شعار، ومع ذلك لم "يجرؤ" الإسلاميون على تبنّيه، فكيف يمكنهم التفكير فيه اليوم بعد الانتكاسة الكبيرة التي شهدتها ثورات الربيع العربي، ومشروع الإسلاميين في الحكم؟!

كل ما تريده الدولة هو إبقاء الإسلاميين تحت الضغط باستمرار، وتصويرهم أمام الرأي العام باعتبارهم خطراً على أمن واستقرار البلاد، وليس دعاة إصلاح كما يقولون.

وفي اعتقادي أن أوساطا في الدولة تبتهج لكل مسيرة يرتفع فيها شعار "إسقاط النظام"، لأن ذلك يدعم روايتها عن "خطر الإسلاميين"، ويمنح حملاتها ضدهم مشروعية شعبية.

عدم رفع شعار "إسقاط النظام" ليس "مِنّة" من الإسلاميين، ولا خطرا تدفعه مؤسسات الدولة عبر سياسة الضغط عليهم؛ إنه ببساطة شعار غير واقعي، تعارضه الأغلبية الساحقة من الأردنيين، والتي ترى في الإصلاح الشامل والعميق والمبرمج الطريق الفضلى، بدلا من طريق الدم والفوضى التي أخذت دولا شقيقة نحو المجهول.

شعار "إصلاح النظام" لم يعد يجمع للإسلاميين سوى بضعة آلاف في الشارع، فكيف تكون الحال لو رفعوا "إسقاط النظام"؟! دعونا من هذا الصراع المفتعل على شعار وهمي، الخاسر الأكبر فيه هو الإصلاح الحقيقي

الغد

أضف تعليقك