إرضاع الكبير في "العقل الصغير"

إرضاع الكبير في "العقل الصغير"
الرابط المختصر

لم يتغير شيء فمن ذاك الذي يسأل عن حكم قتل الذبابة في مسجد ، خلال شهر رمضان ، الى اولئك الذين يفتون بجواز ارضاع الكبير ، شريطة ايجاد وسيلة مناسبة ، وليس عبر الثدي مباشرة ، فإن التنوير فشل فشلا ذريعا في ايصال اصواته الى هذه الجماهير.

تتصفح المنتديات الدينية الالكترونية ، والصحف والمجلات والكتب ، فتجد أن الجنس عند العرب يأخذ مساحة مضاعفة مقارنة ببقية الامم ، والاسئلة تنهمر حول قبلة الفم في رمضان ، وانواع الزواج ، المحللة والمحرمة ، ومازلنا نختلف حتى اليوم ، حول زواج المتعة والمسيار ، وتأخذنا الاسئلة الى العادات والممارسات الجنسية ، ومن هناك الى الأسئلة التافهة ، التي ليست بحاجة اساسا الى فتوى ، وبحاجة فقط الى العقل والغريزة البشرية الطبيعية السوية للإفتاء فيها.

اذا كان الجمهور يحمل بعض تفاهة في اسئلته ، فلماذا تأتي الفتاوى في بعضها اكثر تفاهة ، ولماذا ايضا يتم استدراج علماء محترمين وافاضل الى الرد على كل سؤال.ليس مهما احيانا السؤال.لا بد من معايير للاجابة واصدار الفتوى ، اذ لا يصح ان يكون كل جواب هو فتوى ، ولماذا يتم تأجير العقل للغير ، وايقاف ملكة التفكير في قضايا عديدة ، ليست بحاجة الى فتاوى اساسا ، وكيف يمكن ان يتحرر العقل العربي من هكذا قوالب تم صبها على رأسه فلا يستطيع صهرها ولا رفعها ، لأنه خائف من الاثم والعدوان ، والذهاب الى جهنم ، إذا تجرأ وانتقد وتحدث بما يجول في صدره.

اين المنطق في هذه الفتاوى التي يتم طرحها ، واين المنطق في تناقض الفتاوى بين رجل وآخر ، فهذا يسمح وذاك يمنع ، ثم ما جدوى المذهبية اليوم ، في اطار المذهب الاكبر الواحد ، ولماذا تم حشر المسلمين في اطار المذاهب الاربعة الكبرى ، وكأنها قوالب لايجوز الخروج عليها ، ولا الاجتهاد ، مع حفظ كرامة اصحاب المذاهب ، لان المقصود ليس طعنهم ، لاسمح الله ، انما الاشارة الى ان المذهب او تفسيرات الدين والنصوص تصلح لكل علامة وعالم من هؤلاء في زمنه ، وقد لا يكون مناسبا استمراره في زمن آخر ، ليأتي السؤال اين التنوير واين الاجتهاد المناسب لهذا العصر ، وقد سمعنا ان علماء اجلاء يحرمون قيادة المرأة للسيارة لأن في ذلك إفكا وعملا من عمل الشيطان ، وإخراج المرأة من منزلها ، لكنه يصمت - اي المفتي - حين تقول له وهل استيراد سائق اجنبي وسيم ليقود السيارة ويختلي بالمرأة أمر من الشرع ، وهل هو الحل ، وأيهما أصون للدين ، خلوة رجل بامرأة في سيارة واحدة ، ام قيادتها هي لسيارتها وحيدة.

كما هي فتوى الجدار العازل ، بين مصر وغزة ، وفتوى ارضاع الكبير ، وفتوى قتل ميكي ماوس ، وفتوى حرمة متابعة افلام البيكمون ، وغير ذلك من فتاوى ، فإن الجمهور يتم تصغير عقله على يد وكلاء يدعون النطق باسم رب العالمين ، ومقابلهم يأتي اولئك الذين يريدون الفتوى بطريقة متنورة فتتم محاربتهم ايضا من الفريق الآخر ، كفتوى السماح للاعبين بالافطار في رمضان اذا جرت الالعاب دوليا خلال شهر رمضان ، فيتم التعريض ايضا بهؤلاء لفتواهم التي تسمح بالافطار وهذا يعني ان هناك اكثر من جمهور واكثر من خط في الفتاوى ، واكثر من اتجاه ، فيما المشترك ان المسلمين منقسمون ، وهي اكبر خدمة تقدمها هذه الطريقة في ادارة حياتنا لمن يستهدفنا.

لابد من ضبط الفتاوى ، ومصادرها ومرجعياتها ، وانهاء القوالب الجاهزة ، لان الاسلام العظيم لايجوز تصغيره وتحويله الى منتج للخلاف على يد من يدعون نصرته.هذا الدين الالهي الرباني الذي سعى وتعب لاجله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وادى امانته ورسالته ، يتم اغتياله اليوم ، على يد كثرة ، ما بين متطرف او متساهل ، وما بين من يعتبر الرد على كل سؤال ، عملا دينيا يؤجر عليه ، ومن هذا السؤال الذي سمعته من جزائري يريد الحج عن والده الذي مات ولم يحج ولم يكن يصلي ، فرد عليه الشيخ ان والده مات كافرا ولن يقبل الله الحج عنه ، فيا حسرة على هذا الحال.

الاسلام بحاجة الى ثورة عقلية فكرية تنويرية ، وهي ثورة لم يذهب وقتها بعد ، دون ان يعني ذلك هدم اسسه ، انما يعني ببساطة ان نعيش الاسلام كما هو حقا ، لا وفقا لما يفهمه اصحاب الوكالات.

علماء الحق عليهم ان لايقبلوا جر الدين الى هذه الهوامش.