إدارات تتشابه في فشلها

إدارات تتشابه في فشلها
الرابط المختصر

بعد ثلاث سنوات من الشعارات والمطالبات والحراكات، يبدو أننا نراوح في المربع الأول لعلاقة مشوهة بين إدارات الشركات والمؤسسات وبين الموظفين والعمال والمهنيين. والقاسم المشترك بين كل التطورات التي تشهدها الحقوق المطلبية، هو استخدام الإدارات لذات الأدوات البالية والأساليب العرفية لكبح جماح كل من يطالب بحقه.

ما هي الملامح التي تجعل ظروف وعوامل الاحتجاج متشابهة في الفاعليات التي شهدناها ونشهدها؟

يتمثل الملمح الأول في أن احتجاجات العاملين في أي مؤسسة تبدأ بحقوق ذات صلة بالرواتب التي قد تتأخر أو تتآكل. كما تتأتى عادة نتيجة المساس بالعلاوات أو بحقوق التأمين الصحي.

الملمح الثاني هو أن كثيراً من الإدارات تتصرف بذات التشدد الذي من المفترض أن يكون من ذاكرة الماضي؛ فتنكر على العمال والموظفين حقوقهم. فيما تنصرف أخرى إلى مسلسل أكثر تكررا، هو إطلاق الوعود والخداع لشراء الوقت. كما تلجأ معظم الادارات إلى تشويه صورة القياديين في أي احتجاج عمالي، واتخاذ العقوبات بحقهم، ومحاولة إيقاع الضرر بهم وبعائلاتهم بأي شكل ممكن.

ثمة تشابه في مسألة طول أمد الاحتجاج. إذ تلجأ معظم الإدارات عادة إلى انتهاج مسار الإطالة، بإبقاء أبناء الشركة أو المؤسسة ببابها لعدة أيام، تتحول إلى أسابيع، وقد تصل أحيانا إلى أشهر. والتشابه أكثر في ارتفاع سقوف المطالب، لتخسر الإدارات هنا بحق. فالمطلب الذي كان بالإمكان التفاوض حوله في اليوم الأول أو الثاني، لن يكون هو ذات المطلب حتما في اليوم العشرين؛ فتصاعد لهجة الانتقاد تعني بالضرورة رفع سقف المطالب والارتقاء بالحقوق.

ثمة ملمح اقتصادي في غاية الخطورة، هو أن معظم المحتجين في فعالياتهم التي تكاثرت منذ مطلع العام الحالي، يؤكدون أن لديهم وثائق وبراهين على وجود فساد في الإدارات التي رفضت حقوق العاملين، وتعاملت معهم وكأنهم خانوا مؤسساتهم لكونهم احتجوا فقط! أما الوجه الآخر المظلم، والمتشابه أيضا في هذه الاحتجاجات، فهو الخسارات التي تترتب على الإضرابات والاعتصامات، وقد تصل في بعض المؤسسات إلى ملايين الدنانير في اليوم الواحد. وقد رأينا كيف أمست البلاد عقب إضراب موظفي دائرة الجمارك في الأشهر الأخيرة.

خليط من إنكار وسوء تقدير، وعدم احترام لحقوق العاملين، وخسارات اقتصادية، وثقة منعدمة بين المدير والموظف، ينجم عنها مشهد اقتصادي مرتبك وسلبي، يدفع إلى تأجيج تلك الاحتجاجات في أي لحظة. والمقلق في كل هذا المشهد أن قيادات الشركات والمؤسسات، وحتى مسؤولين في الحكومة، لم يتعلموا من درس الاحتجاجات التي مضت في السنوات الثلاث الأخيرة، فهم يعيدون إنتاج سلطتهم بطريقة لا تخدم الأفراد ولا الاقتصاد، وتستمر الاحتجاجات!

بقي سؤال: هل تقوم الإدارات في بلادنا بواجباتها، أو تتحمل مسؤولياتها كما ينبغي؟ أشك في أن الإجابة هي نعم، وإلا لما تفاقمت الاحتجاجات وتشابهت في معظم تفاصيلها

الغد