الأعصاب متوترة، صحيح، والأجواء السياسية مُغْبَرّة إلى درجة تصيب بالعمى والغثيان، أيضا صحيح، والبلاد فاقدة "حجابها" والكل بات لا يحتمل الآخر مهما كان حجم الاختلاف معه، حتى لو كان الخلاف في مصلحة البلاد، أيضا صحيح، لكن، هل هذه هي الحياة السياسية التي نطمح أن تقودنا إلى بر الأمان في مرحلة حرجة، و"بنت كلب".
فوضى عارمة في مجلس النواب امس، طبعا لنتذكر جيدا، أنه مضى شهران من عمر المجلس، و"أخو أخته" من يتذكر فِعْلاً برلمانيا يَعْلَق في الذاكرة قام به المجلس، سوى جلسة المسدسات التي تحولت إلى حلبة مناوشات، حتى سال الدم فيها إثر مشاجرة، قيل يومها ظلما إن رئاسة المجلس بإدارتها للجلسة تتحمل المسؤولية.
من يتذكر جلسات أخرى، نعم جلسة الكمامات، حيث دخل نواب تحت القبة، وهم يرتدون كمامات احتجاجا على مشكلة مجاري في عمان الشرقية، وجلسة النائب الملثم، احتجاجا على سلوك الحكومة والإعلام الرسمي ضد نائب، وجلسة الشتائم على الأوضاع السورية، حتى جدفت الخطابات على مكونات في الشعب الاردني، من يتذكر أيضا، نعم، جلسة الاعتذار من قبل نائب أساء لزميلته...
ما حدث في إربد الجمعة شيء كبير وفيه تجاوزات لا يمكن ان يقبل بها أحد، ومناقشتها تحت القبة ضرورة وطنية، لكن لِمَ الفوضى والصراخ والخروج إلى الشرفات والتهديد بعقد مؤتمرات صحافية، ومنع المتحدث من إكمال مداخلته، هل بهذا السلوك نحقق شيئا، ونصل إلى تفاهمات تمنع تكرار الأخطاء، أم انها فرصة للتكسب الشعبي؟.
مثلما كان يقول المرحوم ابو السعيد خالد الحسن في الزمن الماضي "ضبو الكلاشينات شوي خلينا نحكي سياسة"، علينا في المرحلة الحالية أن نعزز دور العقلاء، ونستمع لهم جيدا، ونبعد المتوترين الذين يصبون زيتا على النار، ويتحولون في المشاجرات من "حجيزة" إلى مشاركين وعلى قاعدة أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، من دون ان يدري "..أصل الحكاية".
مجلس النواب، هو مصنع الفعل السياسي الحقيقي، هو الحكم الفعلي في البلاد، ومن دون تطوره وتعزيزه سوف تبقى الحياة السياسية عرجاء، ومستوى النظر فيها يعتمد على الأعين الحولاء، لهذا جاء نظام الحكم في الدستور نيابي ملكي.
البرلمان الحالي هو بداية العمل البرلماني المؤسسي الذي جاء بعد التعديلات الدستورية، وجاء بقانون انتخاب دائم، وبكامل المواصفات الدستورية بمعنى قانون غير مؤقت كالبرلمانات السابقة، رغم الملاحظات الجوهرية على القانون وضرورة تعديله باتجاه العصرنة والأكثر عدالة.
البرلمان بحاجة إلى تعزيز عمل الكتل البرلمانية، وتطوير عمل اللجان النيابية، والانتقال بالممارسة البرلمانية من نظام الفزعة إلى العمل المؤسسي.
من مصلحة البلاد، أن يكون البرلمان معارضا، ومراقبا حقيقيا على السلطة التنفيذية، ومشرِّعا لقوانين تحتاجها البلاد في هذه الظروف الصعبة.
أيها النواب، عارضوا كيفما شئتم، لكن إهدأوا قليلا.. حتى نفهم عليكم ونفهم ماذا تريدون بالضبط؟
العرب اليوم