أهمية الانتخابات المقبلة

أهمية الانتخابات المقبلة

أما وقد حُسم موضوع الانتخابات مرتين، الأولى عندما قال الشعب الأردني كلمته من خلال قيام أكثر من مليونين ونصف المليون ناخب بالتسجيل لها، والثانية عندما تم التأكيد بشكل قاطع على أن الانتخابات ستجرى في موعدها، فيجب أن ينصب الجهد الآن من قبل جميع المعنيين على إنجاحها.

الانتخابات المقبلة مهمة لعدة أسباب

لن تفرز الانتخابات المرشح المرجو، كما يظن بعضهم. ولن يكون البرلمانُ القادم البرلمانَ الذي يريده الشعب. ومن يفترض غير ذلك فهو مخطئ. يجب أن يعي الناس تماماً ما سوف يتم تحقيقه من خلال الانتخابات المقبلة حتى لا يفوق حجم التوقعات ما سوف يتحقق بالفعل فتكون هنالك ردة فعل عكسية ويفقد الناس ثقتهم في البرلمان مجدداً وفي العملية الانتخابية برمتها.

عندما يُقابَل المواطنون في وسائل الإعلام يرددون مثل هذه الافتراضات بتلقائية وكأنها حقائق، فهم يعتقدون أن البرلمان سيحسّن من أوضاعهم المعيشية، وأنه سيعالج الأزمات والمشاكل التي تراكمت عبر السنين، وأنه سيكون مثالاً للكفاءة والنزاهة، وأنّه سيكون البرلمان المنتظر منذ عقود. إلى غير ذلك من التوقعات والأحلام الوردية.

وحقيقة الأمر أن البرلمان المقبل لا يمكنه تحقيق ذلك كلّه أو حتى جزء كبير منه، وذلك لسببين. الأول، وذكرناه مراراً، وهو أن الأحزاب الموجودة على الساحة الأردنية الآن – المُقاطِعة منها والمُشارِكة – ليس لها قواعد شعبية عريضة وبالتالي ليست ممثلة لعموم الناس. لا بل إن معظم الأحزاب الموجودة هي أحزاب نخبوية لا تعرف الناس ولا الناس يعرفونها. وكثيراً ما نشاهد على التلفاز هذه الأيام عدداً من ممثلي أحزاب نرى وجوههم ونسمع بأحزابهم لأول مرة، كأنهم جاؤونا من عطارد. إلى أن ينخرط الناس في أحزاب وتستمد الأحزاب مبادئها وبرامجها من طموحات الناس وآمالهم لن يكون البرلمان ممثلاً للناس تمثيلاً حقيقياً.

والسبب الثاني أن البرلمان المقبل هو برلمان انتقالي تأسيسي تحضيري أمامه مهام ومشروعات محددة، لا يستطيع الخروج عليها إن أراد أن يكون له إسهام حقيقي في معالجة الملفات والقوانين والقضايا التي ستكون على جدول أعماله، ومن أهمها تعديل قانون الانتخاب على نحو يرضي معظم الأطياف وتحديد الأسس والبنى التي ستقوم عليها الحكومات البرلمانية ومتابعة ملف الإصلاح بتفاصيله وقضاياه المختلفة والتعامل مع موضوع الفساد على نحو أكثر حرفية وموضوعية، وما إلى ذلك من قضايا مفصلية من المؤمل أن تحدث نقلة نوعية في الحياة السياسية الأردنية.

للسبب الأخير هذا المشاركة في الانتخابات مهمة

من الواضح أننا في الأردن والعالم العربي دخلنا مرحلة جديدة تختلف اختلافاً جوهرياً عن كل ما سبقها من مراحل. هي أولاً مرحلة ثورة المعلومات وثورة الإعلام، مرحلة العولمة القائمة على الانفتاح اللامحدود والتعبير غير المقيّد. بسبب كثرة وسائل الإعلام ووسائل التعبير والتواصل لا يمكن إخفاء أي شيء عن الناس، كما أن الناس يتواصلون ويتبادلون المعلومات والآراء، ويشكّلون المواقف، ويتكتّلون بسرعة فائقة وبطرق لم تكن متاحة من قبل.

وهي ثانياً مرحلة جيل جديد من نوع مختلف تماماً عن جيلنا وجيل آبائنا، وهذا أمر جد مهم. فهو جيل معبّر عمّا يريد، معتدّ بنفسه، أكثر استقلالاً منّا بكثير وأكثر متطلبات، أجرأ، أقلّ طاعة وأكثر تمرّداً، يحترم بحدود ويستمع بحدود، السلطة لا تعني له الكثير، لا يعرف التقشف ولا يصبر كثيراً، سريع التفكير والفعل ويتوقع السرعة في الإنجاز.

وهي ثالثاً، مرحلة الشعوب. من أهم دروس الربيع العربي أن من يصنع التغيير الآن هي الشعوب. لأكثر من نصف قرن مضى كان العهد عهد الزعماء والقادة، أما الآن وبالذات منذ أقل من عامين فقد دخلنا عهد الشعوب. وهي شعوب، مثل الجيل الذي تحدثنا عنه للتو، لم تعد تصبر على الظلم والإهمال أو تصمت أو تتقوقع على نفسها أو تشكو أمرها للمولى. هي شعوب تأخذ بزمام الأمور وتفعل ما تريد ومستعدة للتضحية بنفسها في سبيل ذلك. انظروا إلى ما يحدث في مصر!

من هنا، فما صلح قبل عامين لم يعد يصلح الآن. وحتى يُستَوعَب الناس وتُدار أمورهم بسلام ويتم تحقيق الحد الأدنى من رغباتهم وطموحاتهم، لا بدّ من إحداث نقلة في مجتمعنا في المجالات والصّعد كافة، تعليمياً وصحياً وتكنولوجياً وزراعياً وتجارياً واستثمارياً، إلخ. ومن أهم ما يجب أن يتم نقله في الحياة السياسية المقبلة، وهذا موضوعنا. سيُطلب من البرلمان المقبل ويطلب من الحكومة البرلمانية التي ستُشكَّل أن يؤسسا للتغيير القادم على نحو مقنع للناس.

ومن هنا وجب حث الناس على المشاركة، ليس لاختيار النائب المثالي بل النائب الأمثل وليس النائب الكفؤ بل النائب الأكفأ وليس الصادق بل الأصدق وليس الخبير بل الأخبر وليس الصالح بل الأصلح.

معظم من سيرشحون أنفسهم هم الوجوه إياها، ولعلهم سيرفعون الشعارات نفسها التي عهدناها. لكن الزمن مختلف والسياق مختلف، ويمكن للمواطن اختيار الأفضل والأصلح والأصدق والأقدر على المهام المقبلة من بينهم. ليس سيّئاً بالضرورة أن نرى الوجوه نفسها تُرشح. فالمواطن، بسبب خبرته معها في برلمانات سابقة، يستطيع أن يميّز من هم أفضل من الآخر وأقدر على حمل المسؤولية.

مهمة الهيئة المستقلة للانتخاب ومهمة الحكومة الأولى ضمان حِرَفيّة الانتخابات المقبلة وصدقيتها ودقتها وموضوعيتها المطلقة. ومهمتها إلى أن يتم ذلك أن تتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمؤسسات الشبابية جميعها لحث الناس على الانتخاب ولشرح المطلوب من البرلمان المقبل حتى يفهم الناس فهماً تاماً المتوقع تحقيقه.

المطلوب الآن ناخب جاد وبرلمان جاد قادر على التأسيس للمرحلة المقبلة حتى يجني مجتمعنا ثمار الفرصة التي أتى بها الربيع العربي، وحتى يبقى المجتمع الأردني يسير في الخط المستقيم الصحيح، ولا ينزلق أو يحيد عنه كما حدث ويحدث في بعض الدول الشقيقة، وحتى ينخرط الناشطون في عمل منظم يتم من خلال المؤسسات والهيئات المعنية بالتغيير لا من خلال الشوارع والساحات والميادين

العرب اليوم

أضف تعليقك