أمام "الشبح" وجهاً لوجه
يعكس تلويح الملك (في خطاب العرش) بأنّ الأردن سيتخذ من الخطوات ما يحمي مصالحه، إذا لم يتخذ المجتمع الدولي خطوات لمساعدة الأردن على صعيد ملف اللاجئين السوريين، حجم القلق الرسمي من العبء الاقتصادي والسياسي، وما ينجبه ذلك من ضغوط شديدة على الموارد والبنية التحتية والمزاج الاجتماعي العام، وبحيث أصبح ذلك يمثّل بالفعل أحد أهم التحدّيات للأمن الوطني بأبعاده المختلفة!
بالرغم من ذلك، يدرك "مطبخ القرار" تماماً أنّ خياراتنا في التعامل مع هذه "المعضلة" محدودة؛ إذ إننا نقع بين اعتبارات قانونية وإنسانية ودولية من جهة، وأخرى اقتصادية وسياسية وأمنية وديمغرافية من جهة ثانية!
القلق لا يساور المسؤولين فقط فيما يتعلّق بإدارة ملف اللاجئين الموجودين حالياً، والذين يقدّر عددهم بقرابة 600 ألف شخص، بل الخشية هي من احتمال متوقع، وكبير، بأن تشهد الفترة القادمة تطورات جديدة على هذا الملف، بسبب امتداد الأزمة السورية، وتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، ما قد يصل إلى الماء والكهرباء، في المناطق الجنوبية من سورية، ويؤدي إلى مضاعفة أعداد المتدفقين على الحدود الأردنية.
وبالرغم من نفي المسؤولين المتكرر، فإنّ الأردن قام بالفعل باتخاذ قرارٍ بعدم السماح بعبور اللاجئين الرجال، قبل أشهر قليلة، لكنّه سمح للمرضى والأطفال والنساء بالدخول. وهو قرار لم يُجد كثيراً في الحدّ من حجم المعضلة، بل ربما فاقم من خطورة مخرجاتها، ولا يجيب عن السؤال المهم غداً، والذي يؤرق المسؤولين، فيما لو تفاقمت الظروف السيئة هناك ووجد الأردن على حدوده عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين المتدفقين؛ إذ ماذا يمكن أن يفعل؟!
المجتمع الدولي اعترف مؤخراً بأنّه تباطأ وتراخى في دعم الأردن. إذ قدّرت الأمم المتحدة ما وصل إلينا من مساعدات بحدود 777 مليون دولار، بينما الكلفة السنوية تصل إلى 2.1 مليار دولار، ويُتوقع أن تصل إلى 3.2 مليار دولار في العام 2014!
معضلة الأشقاء السوريين تتجاوز ذلك إلى التداعيات والأبعاد الاقتصادية-الاجتماعية. إذ إنّ أغلبهم (77 %) يقيمون خارج مخيمات اللاجئين، ويقدّر عدد الطلبة السوريين بـ80 ألف طالب وطالبة في المدارس، وأغلبهم يستفيدون من البنية التحتية والخدمات الأساسية الحكومية، التي تقع تحت ضغوط غير مسبوقة.
اليوم، هنالك عشرات الآلاف من الأشقاء السوريين، المعروفين بمهاراتهم الحرفية والمهنية، في سوق العمل، وأغلبهم -بالضرورة- لا يمتلكون تصريحاً للعمل. لكن قرار ملاحقتهم وإغلاق سوق العمل عليهم ليس بالقرار البسيط؛ فالعاملون يعيلون اليوم عشرات الآلاف من الأسر السورية التي تعيش في بيوت مستأجرة، وتعتمد على ما يجنيه هؤلاء العمّال والحرفيون، ما يهدد مصير هذه العائلات، ويؤدي إلى تداعيات اجتماعية وأمنية كبيرة!
يعترف وزير التخطيط، د. إبراهيم سيف، على هامش المؤتمر الذي عقدته الأمم المتحدة مؤخراً في عمان، بأنّ الأردن لم يقدّر -في البداية- المدى الحقيقي والأبعاد المتعددة لإقامة الأشقاء في الأردن؛ إذ لم تكن معالم ولا مدة الأزمة واضحة تماماً، وحُسبت الكلفة بمنطق استهلاك البنية التحتية والخدمات والمساعدات المباشرة. أمّا اليوم، فإنّ تحديد طبيعة الموارد المطلوبة تختلف؛ إذ إنّها تأخذ في الاعتبار احتمالا كبيرا بإقامة ممتدة للأشقاء، ما يعني أنّ الحديث يتحول إلى تعزيز الاستثمار والمشروعات الرأسمالية والبنية التحتية بصورة عامة، وخطط تنموية لمواجهة هذا التحدي الكبير!
بالضرورة، ما نأمله هو أن تنتهي المأساة السورية، ويعود الأشقاء إلى وطنهم معزّزين مكرّمين. لكن القراءة الموضوعية لما يحدث، وتوقعات المسؤولين الغربيين، لا تؤشر إلى أمل حقيقي بذلك. وحتى لو عقد مؤتمر "جنيف2"، فإنّنا أمام عملية سياسية ستأخذ سنوات في أحسن الأحوال، وإن فشلت فسنكون أمام كارثة إنسانية وإقليمية، وحينها يصبح الأردن وجهاً لوجه أمام الشبح الذي كان يخشاه، بعد أن أصبح واقعاً جديداً!
الغد