ألا ليت التوجيهي لا يعود يوما!

ألا ليت التوجيهي لا يعود يوما!
الرابط المختصر

كل ذكرياتي عن ذلك العام سيئة من أول أيام الصيف الذي سبقه والتحضيرات غير المسبوقة، معاهد وصفوف خاصة ومدرسين خصوصيين، داخلين خارجين محملين بأوراق مكدسة مكررة، صعبة الحل والفهم، ومجهزين بعبارة مشؤومة واحدة وحيدة، وكأنهم متفقون عليها معا في ليلة التآمر علي: "هي جيدة لكنها بحاجة إلى تركيز أكثر"!

هذه التفاصيل الكئيبة الثقيلة، انسحبت طبعا طوال عام دراسة السنة النهائية، صاحبها قلق الأهل الظاهر والباطن، أو بالأحرى المبطن بالهدوء والابتسامات والتصريحات غير الصريحة، بأنه عام ككل الأعوام!

لهذا، وعندما أصادف الأهالي الذين يشبهون أهالينا، أو أتحدث معهم عبر الهاتف هذه الأيام، بصراحة لا أصدقهم، ولا أصدق الهدوء والسكينة التي تغلف وجوههم وأصواتهم.سحقا لهذا البعبع الذي لا يريد أن يتضاءل، مثل بقية "البعابع" التي كانت تخيفنا إلى حد الموت!

 متى تكتب نهاية لهذا النظام الذي لا يحاول أن يغير من نفسه، وكأنه "تابوه" من الحرام أو من العيب أن يخدش جلاله وهيبته. هذا النظام الذي نتفق كلنا، وبعد مرور السنين، أنه أسوأ نظام تعليمي على الاطلاق، ما دام يعتمد على خاصية الحفظ والنسخ، وكأن عقول الطلاب مجرد دلاء تعبأ من فوق، ثم يتم سكبها في حفر الأسئلة، لتعود فارغة تماما وعلى استعداد للتعبئة من جديد.

السؤال اليوم والذي لم يخطر لواضع امتحان على وجه أرضنا العربية، أن يضعه يوما ضمن الامتحات النهائي: ماذا ستحمل معك من هذه المادة، لحياتك القادمة؟ وبالتالي لو افترضنا جدلا وجود هذا السؤال، أعتقد أن الإجابة الموحدة للمستجوبين هي: لا أعرف!

بالنسبة لنا نحن الذين أكلناها في أزمان مختلفة جوابنا هو بالتأكيد: لا شيء..لا شيء البتة!الوضع يزداد سوءا وتعقيدا وذلا للطلاب والأهالي معا. الوضع النفسي والاجتماعي والاقتصادي لهم جميعا، في انهيار متسارع؛ فالمجتمع المحلي يتعامل مع التوجيهي كقضية، وشأن عام يطال الجميع: الهيئات التدريسية المترهلة المنكوبة من جهة، والبيوت القلقة المحشورة من جهة، والمحللين والاستشاريين والاعلاميين وأخيرا وليس آخرا الجهات الأمنية!!

لا أريد أن أخوض في مقولات نرددها اليوم، ونحن مرتاحو البال، أي بعد أن تجاوزنا محنة التوجيهي شخصيا بأعوام، والتي تعتمد على تجارب ناجحة بل ومتألقة لأشخاص كانوا بمفهوم الدرجات والعلامات فاشلين، ثم فاجاؤونا بقصص نجاحاتهم العملية والمهنية.

المقام الآن لا يتسع لهذه الفلسفة، مع أهال مأزومين ومضطرين لنصف درجة زيادة، طالما أصبحنا مأسورين بمعدلات علمية خرافية، صرنا نسمع بها وأصبحت للأسف الشديد المعيار الذي يتم عليه القبول.

ولمن يتبجح بالقول إنه ليس من الضروري أن ننتج مجتمعا كله أطباء ومهندسون وصيادلة، أقول له إن الكليات العلمية والانسانية الأقل رتبة من تلك، أصبحت تطلب تسعينات أيضا! زمان، كان معدل 99 بالمائة ضربا من الخيال.

أما اليوم فالمنافسة صارت بين الطلاب على 99 على أشدها بين أكثر من ربع المتقدمين للامتحان، طبعا بسبب المعايير العلاماتية التي تضعها الوزارة، بناء على الدرجات المتحققة في الأعوام السابقة، والتي نعرف جميعا كيف تحققت! إذن هي لعبة "دوخيني يا لمونة" تلعبها الوزارة مع الطلاب والأهالي والمدارس، بدون أن يبدي مسؤول تربوي وتعليمي واحد، اقتراحا حاسما وجريئا ينقذنا وينقذ البلد من هذه الدوامة.

وطبعا ولأن الحلقة مكتملة ما شاء الله، وجامعاتنا لا تطلب امتحانات قبول للمتقدمين وتكتفي بمعدلات الحفظ والنسخ، نفاجأ بعد سنوات بمخرجات تعليم جامعي ولا أسوأ من قبل أولاد وبنات، رحلوا واياهم طرقهم الخاصة في التدريس إلى مقاعد الجامعة، وفرضوها على المؤسسة التعليمية الجامعية، المعنية بالبحث العلمي، وبراءات الاختراعات.

في العالم الذي يحترم نفسه، وهذا على سبيل المثال، حين يتقدم طالب لكلية الطب، وبعد حصوله على المعدلات المطلوبة في المواد الأساسية مثل الأحياء والكيمياء والرياضيات، يخضع لفترة دراسية تجريبية مدتها ثلاث سنوات، ربما ينجح في اجتيازها فيدخل كلية الطب، وربما يفشل فيكمل في مساق آخر.

 لأنهم حريصون على إمكانات واستعداد من سيتسلم أرواح البشر. عندنا ابتهجوا قبل سنوات قليلة، لأن كلية الطب أصبحت ستة أعوام، بدل سبعة.

أضف تعليقك