ألا تستحق الصحافة ما يتجاوز الحرية النسبية؟

ألا تستحق الصحافة ما يتجاوز الحرية النسبية؟

الصحافة الأردنية ما زالت تراوح مكانها ضمن درجة الحرية النسبية في حدودها الدنيا التي أوصلتها إلى حال لا تحسد عليه، حينما تجاوزها الإعلام المرئي والمسموع بعد ترخيص المحطات الإذاعية والتلفزيونية الخاصة ليسجل درجة الحرية العالية، رغم أنه لم يمارس حضوره الفعلي سوى مع الألفية الثالثة تقريبا، في الوقت الذي ظلت فيه الصحافة المطبوعة مواكبة لمسيرة الأردن منذ بدايات التأسيس الأولى لتؤرخ لها يوما بيوم حتى اللحظة، دون أن تحظى بالرعاية التي تقدر لها دورها ومواقفها في الدفاع عن الوطن وخدمة أهدافه، بل لتواجه "ضربات تحت الحزام" بين فترة وأخرى من خلال تقييد الحريات وتغليظ العقوبات.

التقرير الأول الذي أصدرته نقابة الصحافيين الأردنيين قبل يومين لمقياس الحريات الصحافية والإعلامية في الأردن وغطى آراء الصحافيين والإعلاميين بها خلال العام الماضي، خلص إلى أن الإعلام المرئي والمسموع جاء ضمن فئة الحرية العالية وذلك بما نسبته 67.16%، علما بأنها تقع بين "59.7% - 79.8% "، أما فيما يتعلق بالصحافة المطبوعة والتي شملت الصحف اليومية والأسبوعية ووكالة الأنباء الأردنية "بترا" والصحافة الإلكترونية، فقد جاءت ضمن الحرية النسبية بما نسبته 54.85% والتي تقع بين "39.5% - 59.6%"، أما المؤسسات الصحافية والإعلامية المطبوعة والمرئية والمسموعة فهي أيضا ضمن الحرية النسبية، لكنها سجلت ما نسبته 64.92%.

تستحق نقابة الصحافيين كل التقدير في مبادرتها إلى إصدار تقرير سنوي لمقياس الحريات الصحافية والإعلامية في محاولة منها لسد الفراغ الذي أحدثه غياب المجلس الأعلى للإعلام والتقارير الصادرة عنه في هذا الشأن قبل حوالي خمس سنوات، ما دعا نقيب الصحافيين أن لا يتردد في وصف إلغاء قانون هذا المجلس الإعلامي الهام وإنهاء دوره تماما بأنه عبارة عن عملية "وأد" بكل معنى الكلمة، لا تزال خلفياتها محاطة بغموض يفرض نفسه مع أن واقع الأوضاع الصحافية والإعلامية يتطلب حضوره لا الإطاحة به مع سبق الإصرار والترصد.

ما يميز تقرير الحريات هذا أنه صادر عن جهة نقابية معتمدة في تمثيل الصحافيين والإعلاميين، من واجبها نقل وجهات نظرهم فيما يواجهونه من ممارسات تحد من حريتهم في أداء دورهم والتأثير على الجهات التي تتحمل المسؤولية عنها، وهو بذلك يختلف تماما عن تقارير أخرى ربما تكون مماثلة من حيث الشكل لا المضمون على وجه التقريب، قد تصدرها منظمات وهيئات أجنبية أو حتى محلية تعتمد على التمويل الخارجي لأنها تعمل على تدارس البيئة الناظمة للإعلام عموما والعوامل المؤثرة عليها داخل المجتمع ذاته، كما لا يخفى أن أمثال هؤلاء يتدخلون عادة في مجريات الاستبيانات وطبيعة الأسئلة الواردة فيها من أجل الخروج بنتائج تتناسب مع الأغراض الموضوعة مسبقا.

لسنا في معرض ايراد التفاصيل التي تضمنها أحدث تقرير لمقياس الحريات الصحافية والإعلامية لأن فيه الكثير من الحقائق الدامغة التي تشخص الواقع، وكذلك التوصيات التي خرج بها ومنها تعديل التشريعات ووقف أشكال الرقابة وتسهيل انسياب المعلومات وتعزيز استقلالية المؤسسات وتنمية القدرات المهنية وغيرها من حيثيات أخرى، يفترض أن تجد الاهتمام الجدي على أرفع المستويات الرسمية ما دامت تتماشى مع التوجهات المعلنة بأن "حرية الصحافة سقفها السماء"، لأن قوى الشد العكسي ربما لها رأي آخر قادر على إبقاء الصحافة الأردنية في حالة مراوحة مزمنة حول الحرية النسبية في زمن تتعاظم فيه القوى المطالبة بالمزيد من الحريات والإصلاح الديمقراطي.

أضف تعليقك