أفراح وأتراح
كل المجتمعات الحية ، التي تتمتع برصيد ثقافي ومنظومات من قيم حضارية ، تسعى للاستقرار ، وتتمتع بروح من الابتكار والقدرة على استيعاب مستجدات أكثر حداثة ، وتحتوي وتتجاوز تحديات مختلفة ، لتستمر متميزة وقادرة على البقاء والاستمرار ، وتحافظ على هويتها الحضارية.
في مجتمعنا العربي عموما والأردني: كجزء من هذا المجتمع الكبير ، نواجه مشكلات الحداثة ، وتحديات طبيعية تفرضها الظروف المختلفة ، ولعل من أكبر ما يواجهنا على الصعيد الاجتماعي ، هو المتعلق بعاداتنا وتقاليدنا الموروثة من مجتمعاتنا العربية النابعة من عروبة وبداوة أصيلتين جميلتين ، وفي الوقت الذي يتعامل كثير منا مع الأحداث الاجتماعية الخاصة ، تعاملا "طقوسيا" ، يرسو في ثقافتنا وينال مقدارا من قداسة ، ويعتبره البعض "تابو" لا يمكن تجاوزه ، نجد وجهة نظر أخرى عند كثيرين منا ، وهي منطقية وواقعية ومعبرة الى حد كبير عن مدى قدرتنا على التكيف مع المستجدات ، ومرونة منظومة قيمنا في التعامل مع الظروف الجديدة.
تحت عنوان "كثر عدد الناس".. بمن فيهم الأقارب والأصدقاء ، وتحت عنوان "تغيرت شبكة العلاقات الاجتماعية واتسعت وتطورت"..نحتاج لإعادة النظر في بعض عاداتنا الاجتماعية ، وهي ضرورة ، بل تحدّ جديد يتطلب منا موقفا جديدا ، واتفاقا عاما على "التغيير".
الأمثلة كثيرة على العادات التي أصبحت لا منطقية ، ولا تنسجم مع طبيعة الحياة الحديثة ، الغارقة في الحسابات والأعمال والالتزامات ، فمثلا: لدينا عادة عربية قديمة ، نعتبرها رئيسة في الزواج ، في مرحلة الخطوبة ، وهي "الجاهة" ، ويكفينا القول أن الشخص الواحد فينا في مجتمع مثل مجتمع مدينة عمان ، لن يكفيه الوقت لتلبية دعوات الحضور والمشاركة في"الجاهات" ، وقد تتم دعوة الشخص ذاته إلى أكثر من "جاهة" في نفس الموعد ، الأمر الذي يؤدي الى حيرة ثم الى "زعل" من قبل أحد الداعين أو أكثر.
لو فكرنا قليلا في هذه الظاهرة ، سنجد أنها زائدة ، وليس لها من داع ، و"طقوسية" تكلفنا وقتا وجهدا نحن بحاجة لهما في أمور أخرى.. يقوم ولي و"ولية" أمر الشاب العريس بالذهاب الى أهل العروس وطلب يدها ، وتتم الموافقة ، وربما يتم كتب الكتاب ، وبعد هذا بأسبوع أو بشهر ، يقوم والد العروس بطلب "جاهة" ، لتبييض الوجه "قدّام الناس" ، وتتم دعوة مئات وربما آلاف الناس ، ويقومون "بطقوسية" ، تتلخص بقيام أحد الوجهاء بترتيل كلمات يحفظها الحضور عن ظهر قلب ، ثم يرد عليه الوجيه الآخر من طرف العروس ، ويكمل الصورة الطقوسية ، علما أن العروس والعريس ، أصبحوا أزواجا "شرعا" و"اهترأ" عقد زواجهما قبل موعد الجاهة "التمثيلية" بزمن..فلم كل هذا الاستنزاف للوقت وللجهد؟.
يستعرض بعضهم على حساب الناس ويقوم بابتزازهم ، لحضور "مهرجان" استعراضي ، عندما يدعوهم لحضور "جاهة" ما ، ومن المقاييس "الطريفة" الجديدة التي وردت على لسان أحد الكبار المشاركين في جاهة من هذا النوع ، مقياس يعبر عن عدد المشاركين ، حيث سألته كم تتوقع عدد من حضروا هذا المهرجان؟، فقال كثيرين والله ، غطّوا حوالي (4 دونمات) ( 4 دونمات من الناس)،،.
"كثر عدد الناس"..ولم يعد منطقيا أن نقوم بكل تلك التمثيليات والطقوسيات الزائدة ، في أفراحنا وأتراحنا.
الدستور