أطفال السكري

أطفال السكري

حقائق صادمة تقف عندها الزميلة نادين النمري في تقريرها المنشور اليوم حول "أطفال السكري"، حيث يروي أهلهم حالات التمييز ضدّ أبنائهم في عدد من المدارس الأردنية ضمن سياسة "تطفيش" متبعة بغرض التخلّص من عبء التعامل معهم.

يشير التقرير إلى تذرّع إدارات تلك المدارس الخاصة بمحدودية الطاقة الاستيعابية لـ"مشاريعهم الاستثمارية باسم التعليم"، حال اكتشافهم طلبة مصابين بداء السكر، غير آبهين بتفوقّهم الدراسي أو بتميزّهم في نشاطات لامنهجية.

كما يعرض أشكالاً لهذا التمييز مثل رفض الممرضة في المدرسة إعطاء إبرة الأنسولين لهؤلاء التلاميذ المرضى، ما يضطّر بعض الأمهات إلى مرافقتهم خلال فترات الدوام، إضافة إلى عدم توفّر أطعمة مناسبة في كثير من المقاصف التي لا تلتزم بتعليمات وزارة التربية والتعليم التي تنصّ على توفير منتجات صحية.

6 آلاف طفل مصاب بالسكري في مدارس المملكة، وهو رقم قد يزيد قليلاً حيث لا يوجد إحصائيات دقيقة، وهو ما يحيل إلى ندرة الدراسات العلمية المحكّمة، وبالتالي إلى عدم وجود قاعدة بيانات وطنية تحتوي أرقاماً ونسباً ومعلومات محدّثة (تتوافر لدى شركات التأمين التي تتبادل بياناتها من أجل التهرّب من تحمّل تكاليف علاج المشتركين فيها)، مقابل إلقاء اللوم الرسمي على تقارير إعلامية تنشر دراسات يراها بعض أهل الاختصاص غير دقيقة وتبعث على التهويل.

تلفت بعض المسوحات والأطروحات الجامعية غير المنشورة إلى مشاكل عديدة تعترض "أطفال السكري"، تبدأ من زيادة أعباء الرعاية الصحية المترتبة على الأهل وتكاليفها المادية، وصعوبة تعاملهم مع سلوكيات أولادهم بسبب ميل الكثير منهم إلى العصيبة والاكتئاب، مع إشارات غير معمّقة إلى الصعوبات التي يعانيها هؤلاء في مدارسهم ولاحقاً في الحياة العامة وسوق العمل.

تختلف كذلك التقديرات التي توضّح الكلفة النهائية لعلاج الأمراض المزمنة ومنها السكري، إذ جاوزت بحسب وزارة الصحة مليار دينار، ومن المرجّح أن تتضاعف الفاتورة في السنوات المقبلة، نتيجة ما يسببه "السكر" من اختلالات في الكوليسترول وانسداد الأوعية الدموي واحتشاء القلب وحتى الضعف الجنسي وأمراض نفسية.

وتشير إحصائيات سابقة لمنظّمة الصحة العالمية إلى تصدّر معظم البلدان العربية (فقيرة أو ثرية) نسبة وفاة مصابي الأمراض المزمنة دولياً، حيث تشكّل في الأردن 74% من إجمالي الوفيات، وهي في ازدياد مضطرد رغم استنزاف قيمة علاجها حوالي نصف موازنة وزارات الصحة العربية.

ازدهار القطاع الصحي في الأردن في فترة مضت كان أحد أبرز روافع تشكّل طبقة وسطى لم تستطع الدولة الحفاظ عليها (كما حدث في قطاع التعليم الذي انكشفت إخفاقاته في وقت أسرع)، فهاجرت أغلب كفاءاته إلى المستشفيات الخاصة أو دول الخليج وتراجعت موازنته الحكومية قياساً بحجم الإنفاق على قطاعات أخرى وفي مقدّمتها المؤسستين العسكرية والأمنية، وبالطبع لا يؤمّن القطاع الطبي الخاص الخدمة إلّا لمن لديه القدرة على دفع أضعاف قيمتها الحقيقية.

التمييز ضدّ أطفال السكري في مدارسنا هو أحد وجوه أزمة مفتوحة، بالنظر إلى عجز رسمي وسوء تخطيط وفساد متراكم بعد إهدار عشرات المليارات وأكثر منذ تأسيس الأردن الحديث، وسنواجه مستقبلاً مظلماً مع ارتفاع تكاليف الرعاية الاجتماعية والصحية للمسنين والأمراض المزمنة وذوي الأعاقة والأمراض النفسية والأيتام والأطفال مجهولي النسب وغيرهم في ظلّ غياب العدالة الاجتماعية.

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.

أضف تعليقك