أزمات وديون وقرارات!
يمر الأردنيون في هذه الأيام بظروف اقتصادية عصيبة، تستوجب وقفة تأمل من قبل الحكومة لصالح معالجة ملفات متناثرة تشكل في مجملها حال الأردني وواقعه المعيشي.
وشكلت مواسم رمضان والأعياد والمدارس اختبارات صعبة لم يمر منها بسلام الا عدد قليل، فيما غرق آخرون في مديونيات جانبية تسهم في تعقيد الأوضاع أكثر وأكثر.
وتطالعنا في ظل هذه الظروف الخانقة للمستهلكين دراسات تفيد بأن 30 % من المرضى الأردنيين يستدينون لشراء الأدوية، علما بأن فاتورة العلاج تستنزف من كثيرين، خارج إطار التغطيات التأمينية، مبالغ كبيرة وتستحوذ في بعض الأحيان على أكثر من نصف دخل الأسرة التي تعاني من مرض مزمن لأحد أفرادها.
ثمة تشوه في إنفاق الأسرعموما، فمعدل إنفاق الاسرة الاردنية على الغذاء يشكل 39 % من الدخل، وفي ذات الوقت تغيب عناصر ومعادن وفيتامينات رئيسة عن هذا الغذاء، بما يكشف ضعفا في النظام الغذائي المحلي، كما كشف ذلك مسح الفقر الأخير الذي أعلنته الحكومة.
فقد أشار المسح الى أن متوسط احتياجات الفرد الفعلي من السعرات الحرارية بلغ 3000 سعر حراري، في حين ان هنالك 32 جيبا للفقر على امتداد الجغرافيا الاردنية، ويعاني أبناء تلك الجيوب من نقص في الغذاء والدواء والمياه والتعليم وباقي أشكال العيش الطبيعي.
بعض المناطق مضى عليها خمسة أشهر ولم تصلها المياه، وفي مناطق أخرى أصبح السكان يعتمدون على مياه الصهاريج ويدفعون مبالغ، لا قدرة لهم على تأمينها، لغرض التعامل مع انقطاع المياه بشكل مؤقت وشبه دائم في بعض الأحيان في عدد من المدن والقرى لا سيما في عمان والزرقاء.
في الاثناء، رفعت هيئة تنظيم قطاع الكهرباء توصيتها لمجلس الوزراء لرفع أسعار الكهرباء بعد اضافة بند "بدل فرق أسعار الوقود" إلى الفاتورة.
ومن المعلوم أن أي زيادة مقبلة على أسعار الكهرباء ستزيد من الأعباء الملقاة على اكتاف أرباب الأسر وهم الذين يبحثون عن مخرج لأوضاعهم القاسية لا عن زيادات جديدة لخدمات تصلهم أحيانا وتغيب في أحيان أخرى.
كل تلك الملفات الثقيلة التي يحملها أرباب نحو نصف مليون أسرة تستحق لحظة دراسة وتأمل من قبل المخططين الاقتصاديين، ولا يمكن الأخذ بملف وتجاهل غيره.
ويجب أن تكون الوقفة صادقة بهدف إنعاش الاقتصاد ككل ومساعدة الأفراد في محنتهم، وحري بالتخطيط الاقتصادي أن يقف عند أحوال المواطنين ومعاناتهم، ومعرفة تفاصيل المعاناة ويساعد في عدم إحراج الأفراد في أوضاع أكثر صعوبة.
ليس جدلا اشتراكيا، ولكن الصورة العامة ومستوى العدالة الاجتماعية وغيرها من الامور التي تساعد في فهم الواقع تجعل الحكم على الاشياء واتخاذ القرارات أكثر واقعية وأقرب الى صورة الاقتصاد الحقيقية، ويجب ان تكون المرجعية في كل ذلك هي للانسان الذي هو هدف التنمية وأداتها في ذات الوقت، أما ان تتخذ القرارات حيال فرض الضرائب او رفع اسعار الخدمات وزيادة اعباء الحياة على المواطنين وفق قرارات معزولة عن محيطها، فهو ما ليس منطقيا ويعود بالضرر على شكل الحياة.
ثمة اضطرابات نفسية تطاول اكثر من ثلاثين في المائة من الاردنيين، كما يؤكد متخصصون، ولعل ارباب الأسر الذين يجدون صعوبة في تأمين رغيف الخبز وكتاب المدرسة او الجامعة وأجرة الحافلة والغذاء والدواء وغيرها من مستلزمات الحياة هم على رأس قائمة المصابين بتلك الاضطرابات، ويكفي الإنصات اليهم في اي محفل لمعرفة حجم العذابات التي يرزحون تحتها. فرفقا بهم، ولتتأنَ الحكومة قليلا قبل إقرار أي عبء مالي جديد.
الغد