«آيا صوفيا».. عود ثقاب في يد أردوغان

في زيارته الأولى إلى الفاتيكان في فبراير من عام 2018، لم يفوِّت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفرصة دون استفزاز البابا فرنسيس في حاضرة المسيحية الأكبر في العالم.

 

لم يتخلَّ سيد الباب العالي عن عجرفته فتأخر، وهو الضيف، عن موعد لقائه مع مضيفه في روما، وترك البابا ينتظر، وجعل بداية اللقاء كما صورتها الكاميرات بداية متجهمة لم يكن من السهل إخفاء التبرم على الوجوه فيها، إلى أن حانت لحظة تبادل الهدايا ضمن بروتوكول معروف، فقدم البابا فرنسيس لسيد الباب العالي، والذي كانت قواته تخوض حروبها القاتلة تلك الأيام في عفرين السورية، ميدالية برونزية تصور ملاك سلام يحارب تنين الشر، وعلق البابا لحظتها بقوله: «أنَّ ملاك السلام هذا يخنق شيطان الحرب».

 

أردوغان، المضمر سوء النية إلى أقصى مدى، قدم بدوره إلى الحبر الأعظم لوحة خزفية كبرى عن إسطنبول، تظهر فيها بوضوح «قبة كاتدرائيّة القديسة صوفيا»، التي حولها العثمانيون مسجداً في القرن الخامس عشر، وقد كانت تحفة هندسية بيزنطية من القرن السادس الميلادي، وحاضرة العالم المسيحي وقلب مدينة القسطنطينية، (بحساب بسيط فالمبنى كان كتدرائية لمدة 917 عاماً وحوَّله الأتراك إلى مسجد لمدة 481 عاماً).

وبعد تولي مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك السلطة، حوَّل المسجد وبقيَّة الكنيسة الباقية إلى متحف بعد إهماله فترة من الزمن، وبقي المبنى متحفاً، خصوصاً كنيسته التي كانت محجّاً ومزاراً له خصوصيته عند المسيحيين من كل الطوائف، ولكن بنفس الوقت وفي العهد الأردوغاني، حيث الفجور في الخصومة والعداء، صار الصرح ورقة تهديد بيد أنقرة تلوح بها لتستفز العالم المسيحي كله.

 

فكرة تحويل «آيا صوفيا» إلى مسجد، كانت دوماً مطالبة لجمعية دينية سلفيّة متطرفة في إسطنبول، اسمها جمعية شباب الأناضول الإسلامية، والتي نادت منذ صيف عام 2014 بتحويل الكنيسة إلى جامع بإعلان رسمي من الدولة.

 

أردوغان تبنى حينها موقف الجمعية ضمنيّاً، والتي قامت بحملة شرسة تحت شعار «أحضر سجادتك وتعال» مع جمعها 15 مليون توقيع لترسيخ مطلبها، الذي لا تجد له معنى في مدينة ممتلئة بالمساجد في كل حارة وكل حي.

 

تم تأجيل التنفيذ إلى اليوم، ليعلن أردوغان الذي يتقن إثارة الأزمات للهروب من أزماته الداخلية، حرباً دينية وعقائدية ضمن حروبه غير المنطقية على كل جيرانه من حوله بكل الاتجاهات.. أردوغان ماهر بإشعال النيران، التي لا يعرف أحد منتهاها في عالم ضجر من العبث. الرؤية

أضف تعليقك