منازل الأتارب.. من سلمت من الهدم لم تسلم من الاحراق
حلب - علي محمد أديب - مضمون جديد
مصطفى الحاج ابراهيم مواطن سوري يعيش في بلدة الأتارب غربي حلب, هرب وأسرته المؤلفة من خمسة أشخاص بعد أن قام عناصر الجيش السوري النظامي بحرق منزله عند اقتحامهم البلدة كونه من الناشطين الذين يقومون بالتظاهر ضد النظام.
محمد العيسى المدرس في إحدى مدارس البلدة ناشط أيضا، وهو كذلك أحرق الجيش النظامي بيته. وكذلك الامر جرى مع عبدالله الحمود، ومحمد خالد الصالح. الاسماء كثيرة تلك التي تعرضت لتجربة احراق بيوتها لمواقفها السياسية او لان صاروخا ما سقط على رأس اصحابها، فإن هم نجو لا ينجو المنزل.
الاتارب بلدة صغيرة تقع غرب حلب على مسافة 40 كم عن حلب, عدد سكانها يقدر بــ 25 ألف نسمة, أسوة برفيقاتها في الريف الحلبي, تعرضت الأتارب لقصف عنيف من دبابات وطائرات ومدافع الجيش السوري مما أدى إلى دمار هائل في بيوتها.
يقول مصطفى الحاج ابراهيم لـ "مضمون جديد": "عملت ليل نهار وشيدت المنزل على مدار عشر سنوات حتى حصلت اكتمل بشكله فلما اكتمل هدموه".
ويضيف الحاج ابراهيم، عندما قصفت قوات الجيش بلدة الأتارب هدمت الكثير من البيوت وأحرقت منازل أخرى.
هكذا تمت الامور في الأتارب ومدن اخرى يتم التمهيد بالقصف، فتهدم بعض المنازل يقتحمون المدينة ويخربونها على رأس أصحابها.
"
في العادة يكون لدى المقتحمون من الشبيحة والامن والجيش قائمة باسماء مطلوبين وهؤلاء لن يسلمون ان وجدوهم، وتسلم منازلهم في كل الاحوال حيث يجري احراقها بمواد لا زالت غريبة عن السكان" يقول الحاج ابراهيم.
عند اقتحام عناصر الامن والجيش والشبيحة لمدينة الأتارب حرقوا ما لم يحرق من بيوت الناشطين، وبعد ان خرجوا كان ما نسبته 90 بالمئة من منازل المدينة قد حرقت او هدمت.
وما زال اهل البلدة يجهلون المواد التي استخدمت لحرق منازلهم. فوفق الحاج ابراهيم فإن منازلهم أحرقت بمواد مجهولة لدى الجميع, لها قدرة سريعة على الاشتعال والحرق بشكل غريب لم يشهده أحد من قبل.
بعد اطلاق القذيفة على البيت تخرج منه سحابات سوداء تملأ المكان وتغطيه, وأدخنة تكاد تخنق الحيوانات قبل البشر وتكاد تعمي العيون وتخفي اشعة الشمس.
وأضاف، الدخان ينطلق في كل مكان بالمدينة عند إحراق المنازل بعد طرد سكانها, بل إن العصافير والطيور التي كانت تسكن البلدة لم تعد تحتمل المكوث فيها، مشيرا الى ان معظم الحيوانات المنزلية تعرضت للحرق أو الاختناق كالقطط والكلاب والعصافير.
ويصف الحاج ابراهيم اليوم الذي هاجر فيه سكان البلدة منازلهم باليوم المخيف. ويقولك كانت هجرة جماعية للجميع فارين بأطفالهم من الحرق والغازات الناتجة عنه باحثين عن أماكن آمنة يقيمون فيها وذويهم .
ويتذكر الرجل صباح ذلك اليوم فيقول: كان صباحاً مفجعاً بعد ان أرسلنا النساء والاطفال إلى القرى المجاورة لنا حيث استقبلوا من قبل أهلها بحفاوة وترحيب لكن المشكلة عدم استيعاب منازلهم لمدينة كاملة هجرت، من أجل ذلك سكنا المدارس.
ولا تبتعد تجربة محمد العيسى المدرس في إحدى مدارس البلدة عن تجربة ابن بلدته الحاج ابراهيم. يقول لـ "مضمون جديد": الأمر أكبر من حرق بيوت أو تهجير سكان, فنحن جميعا كشعب سوري مكافح عاني ما عاناه خلال عشرات السنوات نعمل بجد ونشاط كبيرين. سنعيد بإذن الله بناء ما دمر, وسنصلح ما أحرق, لكن هناك ما هو أخطر من كل ذلك وهي المواد التي استخدمت لحرق المنازل.
واضاف شاهد المواطنون المادة الصفراء الهلامية التي استخدمها الجنود في حرق المنازل، وهي مادة كانت تجعل الاحتراق رهيباً فبكمية بسيطة منها كانت تشعل أثاث غرفة كبيرة وتنتشر بشكل رهيب وبعد اشتعالها تتفاعل بشكل غريب مما يجعلها قابلة للانتشار وتتوزع على كل انحاء الغرفة وتلتصق بالجدران الأثاث لتكمل اشتعالها.
واوضح ان الكثير من المدن والبلدات السورية اليوم بحاجة الى خبراء ليقولوا لهم ما هذه المادة، مشيرا الى احاديث يتم تناقلها بين الاهالي ان هذه المادة استقدمها النظام من إيران ووزعها على كتائب جيشه.
ونقل عن مختصين بالكيمياء أنها "قد تكون من المخلفات النووية ولهذا تقوم بإشعال كل شيء بشكل سريع".
واعرب العيسى عن خشيته من تأثيرات هذه المواد مستقبلاًن وتساءل: ما ذنب أطفالنا حتى يتعرضون للمواد المشعة او حتى الكيماوية.
يقول: "نخشى أن تبقى آثار هذه المواد موجودة داخل بيوت بل وشوارع المدينة بعد إصلاحها وتأهيلها".
وجال "مضمون جديد" في البلدة التي تبدو كمدينة أشباح خالية من سكانها, فمعظم البيوت مهدمة او محترقة, والبيت الذي لم يتعرض للقصف أو الحرق تم نهب محتوياته أو تحطيمها.
اكوام الركام المحروق والمذاب داخل البيوت حتى الجدران لم تسلم، والروائح البشعة. وما تحدث به المواطنون عن طبيعة النيران والإحراق أمر يدعو الى الوقوف عنده والسؤال حول طبيعة المواد المستخدمة.
البيوت تعرضت لدرجات حرارة عالية جدا، وحتى أبواب المنازل المصنوعة من مادة الالمنيوم انصهرت وأصبحت كتلاً معدنياً متجمعة على الأرض، وكذلك الأثاث المصنوع من المعادن أيضا حدث له الأمر نفسه. أما عن الاسمنت فلم يسلم من الحرق وتفتت.
من هنا يقول المدرس محمد العيسى إن المدينة بحاجة الى خبراء كيميائيين وبيئيين لفحص المادة التي تم الحرق بها.
ويرفض العيسى عودة السكان الى منازلهم الا بعد حضور فريق تقني متخصص في مجال البيئة ليؤكد صلاحية المكان للعيش من عدمه. لكن حتى يستتب الأمن وتعود الامور الى طبيعتها يحمل السكان الكثير من الاسئلة عما جرى لمنازلهم وأحيائهم.. ويقولون: اليوم لننجوا من الموت، ثم نسأل عن تفاصيل تبدو حاليا ترفا.
إستمع الآن