في حمص .. ظلم وظلام دامسين

حمص- أحمد البكور

عقوبات عديدة يتعرض لها الحمصيون لكن أكبرها قذائف وزنها نصف طن أما أقلها فقطع التيار الكهربائي"، هذا ما قاله مؤيد عجوب المواطن الحمصي لـ "مضمون جديد".

عجوب رجل أربعيني يقيم في حي باب الدريب في حمص. يقول الرجل: منذ بداية الثورة السورية بدأ النظام يعاقبنا بمختلف العقوبات التي تشبه الأسلحة فمنها الثقيلة ومنها الخفيفة، وفي البداية كانوا يقطعون التيار الكهربائي لمدة ست أو سبع ساعات يومياً إلى أن وصلنا اليوم لقطع التيار الكهربائي بشكل دائم, ظلم وظلام قائمين بشكل مستمر في هذا الحي.

قطع التيار الكهربائي قد يبدو للوهلة الأولى أمراً بسيطاً، لكن عجوب يقول: عندما تواجه تأثيرات ذلك تكتشف أنه شيء بالغ التعقيد فذلك يعني عزلاً كاملاً عن العالم الخارجي حيث أنك لا تستطيع أن تعرف أي خبر عن أي حدث مهم، قد يحصل في منطقة أخرى في حمص.

ان فقدان الكهرباء يعني فقدان الحياة المعاصرة، والعودة مئات السنين الى الوراء وهذا وحده عقاب يوزاي الضياع.

يقول عجوب كشعب سوري اعتاد على مواجهة مصاعب كثيرة وغالباً ما نجد حلولا لهذه الأمور ومع ذلك تكون حلولاً مؤقتة، فكثيراً ما كنا نشحن الهاتف النقال والكمبيوتر المحمول من بطاريات السيارات لنقوم بالتواصل الإعلامي ومعرفة أهم الأحداث على الساحة السورية، لكن سواء مولدات الكهرباء أو السيارات التي يجب أن تشغل محركها لشحن مدخراتها.. كل ذلك يحتاج إلى الوقود الذي هو أصلاً غير متوفر لدينا إلا بكميات بسيطة وبأسعار خيالية.

اما فيصل عثمان فهو أب لسبع أطفال من نفس الحي المنكوب قال لـ "مضمون جديد": نعيش ليال مظلمة مع أطفالنا، وكل ما قد نستطيع تأمينه للإضاءة بعض الشموع أو بعض الوقود الذي نستعمله للمصباح البدائي الذي يعمل على مادة الكاز حيث نجتمع كلنا في غرفة واحدة ونشعل هذا البصيص من الضوء ومعه بصيص الأمل الذي ما كنا لنعيش دونه.

المشكلة – كما يقول عثمان - ان هذا البصيص غير متوفر دائما فيضطرون أحياناً إلى تمضية الوقت في ظلام دامس بانتظار شروق الشمس أو بانتظار حلم ساطع في ليلة مقمرة , نحن ندفع مهر الحرية التي ننشدها نحن وأبناؤنا وقادرون على تحمل هذه الظروف لإيماننا بأن الله ينصر الحق في النهاية.

عاد الجميع في حمص الى الحياة البدائية فغسيل الملابس مشكلة بحد ذاته، لقد أصبحت الغسالة الآلية كقطعة أثرية فاتت أيامها وانتقلنا إلى الغسيل بالوعاء البلاستيكي الكبير هذا.

"ومع حلول الشتاء بدأنا ننتظر الملابس أياماً حتى تجف، أما بالنسبة للثلاجة فقد عانينا صيفاً من فساد الطعام وبعض حالات التسمم والإسهالات لدى الأطفال بسبب تناولهم أحياناً لهذا الطعام الفاسد أما الآن ومع برودة الجو فأمر الثلاجة لم يعد مهما، لكن والحمد لله كما قلنا سابقاً نحن نتأقلم مع أي ظرف وبسرعة ونتعايش معه لإيماننا بأنه مؤقت سيزول قريباً".

أما بالنسبة الى الصناعي عبد الرحمن المير الذي يقيم في بابا عمر يمتلك معمل للمنتجات البلاستيكية في المنطقة الصناعية بحمص فقد أدى الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي عن المنطقة الصناعية في حمص إلى تدهور الصناعة في هذه المدينة ومعها تدهور الظروف الاقتصادية لنا حيث توقفت معاملنا عن العمل بشكل تام لعدم توفر وقود لتشغيل المولدات أيضاً وما كان مخزناً في مستودعاتنا من منتجات قد نفذ كله وأصبحت مدينة حمص في عوز كبير للكثير من البضائع واهمها الاقمشة والألبسة والبطانيات وغيرها من المنتوجات القماشية خاصة مع قدوم الشتاء وبرده، قد نستغني عن الكثير من المنتجات التكميلية لكن هنالك مواد اساسية بتنا نعاني معاناة حقيقية بسبب فقدها.

ويضيف، واضافة الى كل ذلك صرفت المعامل عمالها بتحولوا الى جياع هم واسرهم فماذا سيعمل العمال في معمل آلاته متوقفة عن الإنتاج وواردات صاحبه متوقفة أيضاً، وهذا أدى إلى ترك آلاف العائلات من دون دخل شهري.

"كل ما يجري في حمص عقوبة لاهلها لوقوفهم مع الثوار ودعمهم ماليا، وتوفير الغطاء الاجتماعي لهم" هذا ما يراه محمود رجب طبيب في أحد المشافي اليدانية في المدينة حدث مضمون جديد. ويقول أشرف على المشفى الميداني الذي يتعرض لكل اشكال القتل من القصف حتى انعدام المياه وانقطاع المواد الطبية إلى انقطاع التيار الكهربائي الذي يشكل مشكلة كبيرة لنا".

ويضيف عملنا بالدرجة الاولى هنا هو إسعاف المصابين وإجراء العمليات الإسعافية الضرورية يتطلب الإنارة لدقة العمل كما يتطلب منا تشغيل الكثير من الأجهزة الطبية التي تعمل على الكهرباء، أحياناً ولعدم توفر الكهرباء قد نفقد أحد المصابين مع أن إصابته من الممكن علاجها في حال توفر الكهرباء .

ويضيف الرجب: لدينا هنا غرفة عمليات مجهزة بكامل الأجهزة اللازمة إلا أن قيمتها صفر إن لم يكن لدينا تيار كهربائي، والنظام يدرك بشكل جيد هذه الأمور فهو يحاربنا بكل ما يتوفر لديه من وسائل وصولاً إلى قطع التيار الكهربائي.

حمص .. تلك المدينة المنكوبة تعيش أقسى ظروف الحياة .. مدينة الظلم والظلام .. فهل من ضمير إنساني يساهم في بعض الإضاءة.

أضف تعليقك