في حلب بطالة وفقر وفيها موت أيضا

حلب – محمد إقبال بلو - مضمون جديد

أحمد عجم الشاب الحلبي الذي يقيم في أحد الاحياء الشعبية بحلب فقد عملهن منذ نحو الشهرين. عموما هذا حال آلاف الحلبيون.

عجم فني في ورشة لتصنيع الألبسة الجاهزة لكن مالكها أغلقها بسبب الكساد الاقتصادي وعدم وجود أسواق لتصريف إنتاجه. يقول عجم: "ما جرى لورشته ليس استثناء، فهناك مئات الورش والمعامل الكبيرة قد توقفت".
كان ذلك قبل اشتداد الأعمال القتالية . اليوم لا وجود للحياة نفسها وليس فقط الأعمال في حلب.
هو حال ينطبق على كل القطاعات الانتاجية في المدينة الاقتصادية الاولى في سورية.

يقول عجم: "معظم المعامل الخاصة في المدينة أغلقت أبوابها, ما يعني لسوق عمل نمت عبر عشرات السنين ان الخاسر الأوحد في هذه الظروف هو العامل الذي ليس له سوى راتبه الشهري".

ويضيف، "كل شأن اقتصادي في حلب مقطوع اليوم، وليس فقط التأمينات الاجتماعية التي كان رب العمل أساسا يحرص على عدم دفعها برشى يدفعها لموظفي التامينات ليتغاضون عنه".

يقول: "اليوم نغبط الموظف الحكومي فرغم سوء الاوضاع مازال يقبض راتبه الشهري ولا يهمه مدى تردي الاوضاع الاقتصادية".

تعتبر حلب العاصمة الاقتصادية لسورية ففيها تقوم مختلف الصناعات، وهي المركز التجاري الأهم، وموقعها بالقرب من الحدود التركية يجعلها نقطة تبادل تجاري خارجي استثنائية، اضافة الى كونها ممر للنقل الدولي – الترانزيت – وهو ما جعل التجار الحلبيون يراكمون خبرات جرى تأصيلها منذ عقود وعقود.

لكن حلب ومنذ أعوام تعاني من مشكلة البطالة، فرغم التطور الصناعي والتجاري فيها، إلا أن هذا التطور نفسه هو من سبب للعمالة هناك البطالة.

يقول عجم: "الآلة الحديثة انقضت على نصف أعداد العاملين في المصانع، فصناعة مثل الغزل والنسيج تحتاج إلى كادر ضخم من العمال لكن حضرت الآلات الحديثة فانخفض العدد إلى ما يزيد عن الربع".

ووفق إحصائيات مكتب العمل التابع للشؤون الاجتماعية ففان هناك حوالي 75 ألف شاب وشابة سجلوا اسماءهم ضمن لوائح المكتب كطالبي وظيفة.

وفي العادة يقوم هذا المكتب بتوظيف الشباب في القطاعين العام والخاص، كما أنه يجبر بعض شركات القطاع الخاص بتوظيف عدد محدد سنوياً.

لكن الظاهرة التي قصمت ظهر المجتمع السوري هي الرشوة في ظل نظام أفسد معظم الدوائر الحكومية، فرغم القوانين والأنظمة التي تجبر صاحب العمل على توظيف نسبة من العمالة سنويا الا ان رشوة لموظفي المكتب كفيلة بالتغاضي عن المصنع.

استنادا الى القوانين فان على مكتب العمل توظيف عشرات الآلاف من العمال سنويا لكن وبفعل الرشوة لا يعلن عن توظيف سوى بضعة مئات فقط, الأمر الذي جعله دوره ضعيف الفاعلية في محافظة ضخمة كحلب يصل عدد سكانها إلى ما يزيد عن الأربع ملايين نسمة.

عبد الرحمن معصراني في العقد الثلاثين من عمره يعرض لـ "مضمون جديد": سجلت في مكتب العمل منذ أكثر من خمس سنوات وحتى الآن لم أحصل على عمل, بالطبع أنا أعمل، وإلا فمن أين أحصل على رزق أطفالي الثلاثة.

يقول: بقيت اتنقل من عمل إلى آخر ومن مكان إلى آخر، أخشى على مستقبل اطفالي من ظروفي، مشيرا الى ان ظروف حلب الحالية ورغم انها قاسية وقاتلة الا انها اخف وطأة على الفقراء. اليوم الكل سواسية في القتل والجوع وفقدان الامان.

اعتادت المدن السورية على ان تنتظر تكسوها حلب كحمص ودير الزور، لكن التصدير توقف اليوم بعد ان فقدت الدولة صوابها وقطعت اوصالها. فمن الذي سيذهب إلى عمله وهو يعلم أنه خلال طريقه قد يتعرض لحاجز عسكري يقوم بقتله فقط لأنه من إحدى القرى الثائرة أو قد يتعرض لإطلاق نار بسبب اشتباك ما أو لقذيفة.. هذا الجنون بعينه. يقول معصراني ويضيف: "معظم أسواق المدن الكبرى أغلقت".

تجول "مضمون جديد" في الأسواق الحلبية . كانت خالية, لا تعمل سوى المحال التي توفر المواد الغذائية والتموينية للمواطنين المنكوبين.

بعد ان انتقل العمل العسكري من الريف الحلبي إلى المدينة اختلف كل شيء في المدينة. لدى مسيرك في الشوارع لن تسمع سوى أصوات القصف أو إطلاق النار .. الخراب يحل بالمدينة الناعمة.
ووفق التقديرات فان أكثر من مائتي ورشة وشركة خاصة أغلقت أبوابها وتوقفت عن الإنتاج وأن أكثر من خمس وعشرون ألف شاب حلبي فقدوا عملهم.

علي الشيخ صاحب أحد هذه الشركات المنتجة للمواد البلاستيكية الذي اغلق ابوابها. يقول: لم يعد العمل آمنا، وحتى لو أردنا العمل، فلمن ولماذا وكيف؟

وأضاف، لم تعد المواد الاولية متوفرة ولو توفرت فسعرها مرتفع جدا اضافة الى فقدان هذه المشاغل والمصانع للسوق الاستهلاكي فالناس اليوم لا يريدون سوى المواد الاساسية. ويأسف معصراني بفصله كل العمال الذين كانوا لديهن فلم يعد لديه القدرة على دفع رواتبهم.

تلك قصة مدينة تحولت الى مدينة برائحة الموت بعد أن بدأ جيش النظام في تدميرها منذ عدة أيام لتصبح كما غيرها من المدن محطمة اقتصادياً وسكانياً.

أضف تعليقك