في حلب .. القضاء على القضاء كارثة أخرى

الرابط المختصر

حلب - محمد إقبال بلو

بعد الاشتباكات العنيفة في حلب القديمة التي نتجت عنها سيطرة الجيش الحر على المنطقة اغلق القصر العدلي أبوابه.

ليست حلب استثناء في اغلاق النظام للدوائر الحكومية فوق سيطرة الجيش الحر على المنطقة التي تقع فيها.

بالنسبة الى حلب القصر العدلي في مدينة تعج بالسكان والقضايا والتنازعات والخلافات مثل حلب يعني الكثير. هناك حيث تكثر المحاكمات التجارية والعقارية ومحاكم حوادث السير سيلحق الاغلاق اضرارا واسعة على المواطنين.

هذا ما انتبه اليه محمود آغا وهو أحد سكان حلب الذين يعملون في تسيير المعاملات العقارية وفهمه على انه "شكل من أشكال العقوبات الموجهة ضد الشعب الحلبي لاحتضانه الثورة والثوار".

يقول آغا لـ "مضمون جديد": كمسير معاملات عقارية توقف عملي بالكامل، ومعه توقفت الكثير من القضايا التي تخص عددا هائلاً من المواطنين، فمن فراغات البيوت التي تم شراؤها من قبل البعض إلى ملكيات الاراضي إلى الخلافات التي تنشأ في عقود الآجار.

ويضيف الآغا: الجميع ينتظر من يصدر حكماً في قضيته أو يتابعها، ويخاف من ضياع حقه في بلد أصبحت بلا قانون.
"
هذا ليس كل شيء بالنسبة الى المدن السورية. فبعد انشغال الجميع ثوارا ونظاما بالثورة، نشط اللصوص، واستبيحت المحرمات". يقول آغا.

اليوم يشعر عبدالملك سليمان القاطن في حي الصالحين ان المواطنين بحاجة الى جهاز قضائي يتفق عليه المواطنون ويمارس صلاحياته في ظل غياب صلاحيات النظام".

من هنا لا يكف سليمان عن دعوة "المعارضة المسلحة الى الانتباه لهذه القضية بعيدا عن المواقف السياسية والثورية، فالناس في النهاية تريد ان تشعر بان هناك سلطة ما تضبط الحياة في الشارع".

ويشير الى ان عدم معرفة الناس لموعد الخلاص – على حد قوله - يدفعهم إلى الاستمرار بحياتهم الطبيعية او شبه الطبيعية، "فالحياة تطالب من يعيشها الاستمرار رغم كل الظروف وهي سنة الحياة فنحن نزوج أولادنا وبناتنا وتحدث الكثير من حالات الطلاق، وهناك حالات من نزاع على حضانة الاولاد بعد الطلاق كلها مشاكل تتعلق بالأحوال الشخصية ينبغي حلها ".
علماء الدين يتحولون الى سلطة قضائية

ولان الحياة تضطرك الى الحياة، بدأ الناس في حلب باللجوء الى علماء الدين والشيوخ من اجل فض منازعاتهم.

يقول سليمان: "اليوم نعتمد على علماء الدين في حل منازعاتنا، فعقود الزواج يكتبه الشيخ وكذلك الطلاق لكن لا شيء مسجل رسميا في سجلات الدولة، مشيرا الى ان هذا يأتي لاحقا، بعد ان تتوفر الحد الادنى المطلوب للحياة الطبيعية.

فراس الخطاب أحد قضاة محافظة حلب الذي لا يكاد يخرج من منزله منذ عدة أشهر بعد ان اصبح بلا عمل.

يقول فراس لـ "مضمون جديد": إضافة الى الكارثة الإنسانية والعمرانية والحضارية التي تمر فيها حلب، هنالك كارثة تبدو أقل أهمية لكنها من الكوارث وهي انعدام وجود السلطة القضائية ما يعني احتكام البعض الى شريعة الغاب ليأخذ القوي حق الضعيف.

ويضيف، صحيح ان الثورة قامت بسواعد فئة واسعة من المخلصين لبلدهم وشعبهم، لكن هذا لا يعني أن المجتمع يضم الكثير من الشواذ والكثير من المجرمين واللصوص والانتهازيين الذين يستغلون ظروفاً كهذه لجمع المال أو لتحقيق مآرب شخصية وما أكثرهم ألئك الذين وجدوا هذه الظروف فرصة لا تعوض بالنسبة لهم ممن باعوا أخلاقهم وضمائرهم.

ويشير القاضي العاطل عن العمل: تقع حالات سرقة واغتصاب وقتل وجرائم أخرى متنوعة كل يوم في حلب ولا يعرف مرتكبوها بل واحياناً يعرفون، لكن ليست هناك أية جهة لتحاسبهم أو تصدر احكاماً بحقهم، فغياب السلطة القضائية ومعه غياب السلطة التنفيذية وانشغالها بقمع المواطنين الثائرين يؤدي إلى كوارث اجتماعية حقيقية .

ما يدعو الى القلق ليس كل هذا بالنسبة الى القاضي الخطيب بل في ان النظام افرج بداية الثورة عن الكثير من المجرمين مقابل الاستفادة من سلوكهم الإجرامي في قمع المتظاهرين، وهؤلاء شكلوا خطراً جديداً على المجتمع ككل لانهم يقومون بما يرغبون من جرائم من دون أن يحاسبهم أحد بل ويلاقون تشجيعاً من قبل النظام.

من هنا يدعو القاضي الخطيب الى تكاتف المواطنين وتشكيل لجان قضائية في كل منطقة لتبت في القضايا العالقة الخاصة بالمواطنين، مشيرا الى ان ذلك حدثت في إحدى مناطق الريف الحلبي الشمالي ولم تنجح بشكل كامل، إلا أنها خففت من حدة غياب القضاء قليلا.