في ادلب .. اسعار مجنونة.. وراتب لا يكاد يكفي للمواصلات فقط

إدلب - محمد إقبال بلو - مضمون جديد

أدلب لا تقصف بالصواريخ فقط.. والناس لا يتأذون من الانفجارات وحسب.. فعبدالقادر الحسن يقول: "هناك قصفا يوجع ايضا هو قصف قلة وارتفاع الاسعار".
يبدو أن السؤال عن الطريقة التي سيعيش فيها الرجل مع ارتفاع الاسعار غير وجيهة في حي يقصف بالطائرات. لكن الحسن يقول: سواء قصفنا ام لم نقصف سنبقى بحاجة الى طعام، لنبقى على قيد الحياة.. أليس كذلك.

هو كذلك. عبد القادر الحسن في الاربعين من عمره، رب أسرة مؤلفة من ثماني أشخاص يعيش في مدينة إدلب.

ما زال الحسن يعمل في إحدى المنشآت الصناعية الخاصة. وهو يعاني كما ما يعانيه سكان إدلب المدينة من فقر وتردٍ في الوضع المعيشي بشكل عام. ثم جاءت الثورة لتضع فوق هذا الفقر مزيد من الفقر.

يقول لـ "مضمون جديد": كنا فيما مضى نعيش بحال أفضل مع كل الظروف السيئة التي تفرض نفسها أما اليوم فماذا سأفعل براتب شهري قدره خمسة عشر ألف ليرة سورية.. فصاحب العمل يرفض زيادة الاجر للظروف الاقتصادية الراهنة وعدم توفر المواد الاولية لمعمله وكذلك عدم توفر السوق الاستهلاكي لتصريف إنتاجه.

كل الظروف التي تعاني منها سورية جعلت أسعار السلع والخدمات ترتفع إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، مشيرا الى ان أجور المواصلات بين منزله وعمله باتت تعادل نصف راتبه.

لما تراجع السائقين وتستنكر عليهم هذه الاسعار يقولون ان السبب في ارتفاع أسعار المحروقات وعدم توفر الامان على الطرقات العامة.

هي عوامل جعلت من مرتب الحسن الشهري مبلغاً تافهاً لا يكاد يكفيه أسبوعا علماً أنه سابقاً كان يكفي لفترة تصل الى عشرين يوماً.

لكن كيف يدبر احواله باقي الشهر؟ يقول: تأتينا بعض المساعدات من اللجان الإغاثية في المنطقة إلا أن ما يصلنا ليس كافياً.

تكفي جولة صغيرة في الشوارع وشبه الاسواق ليتأكد المرء مما حل بسكان إدلب.. غلاء فاحش وسوء الاوضاع تلامس الكارثة بكل ابعادها لولا فسحة امل لسكان يريدون الخروج احياء من هذه الازمة.

أثرياء الحروب

بالنسبة الى احمد العبود الشاب في اواخر العشرين من عمره فان السوق لا يعاني من شيء سوى من سيطرة أثرياء الحروب.
يقول: هناك احتكار ورفع اسعار غير مبرر .. فالسوق اليوم من دون رقيب أو حسيب.

أحمد العبود شاب غير متزوج يعمل في محل لبيع الالكترونيات يقول لـ "مضمون جديد": عملي في هذا المحل أصبح من دون جدوى حيث تمر الايام من دون أن ابيع قطعة واحدة، مشيرا الى ان عمله اصبح عبء عليه فحتى مصروف مواصلاته لم يعد يملكه.

ويضيف، "أسعار وسائط النقل اصبحت خيالية وغير مستقرة على حال .. فانت وحظك والسائق الذي تركب معه" يقول العبود.

انتحاريون من أجل لقمة العيش

احيانا تشعر بان السائق يملك كل الحق في ان يرفع سعره فهو يخاطر بحياته اضافة الى انه بالفعل يجد صعوبة بالغة في العثور على المحروقات .. واحيانا تشعر بان المبلغ الذي يطلبه مبالغ فيه جدا.

ويشير الى انه وبعد ان كان سعر اللتير عشرين ليرة سورية اصبح اليوم تسعين ليرة، إضافة الة وجود مخاطر كبيرة فالطرقات تعج بالحواجز العسكرية والأمنية والمدرعات العسكرية، وليس من قبيل الصدفة ان يتلقى رصاصة ترديه أو قذيفة تفجره وسيارته ومن فيها، فمجرد العمل على هذا الميكروباص او السيارة معادلة بالغة الخطورة.

يدرك العبود ان "سبب ارتفاع اسعار الديزل عدم توفره في محطات الوقود واعتماد الديزل الذي يأتي تهريباً من دول الجوار بأسعار مرتفعة فالدبابات والمدرعات التي تدك المدن السورية تستهلك كل مادة الديزل الموجودة في البلد".

لكن كل هذا ليس بشيء امام الشهور المقبلة .. يقول اختبرنا هذه الشهور العام الماضي ونحن اليوم في انتظار استقبالها مجددا.. أنها اشهر الشتاء والبرد بقساوته المعهودة، بينما مادة الديزل هي المادة الأساسية للتدفئة.

للخبز قصته أيضا

في مدينة إدلب يعاني الاهالي من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية واهمها الخبز، فهو سلعة تحتاجها أية اسرة وبشكل يومي ولا غنى عنها سواء كانت الاسرة فقيرة أو غنية,وغلاء مادة الخبز يرتبط أيضاً بعدة عوامل هامة حدثنا عنها...

مصطفى عبد الخالق أحد سكان المدينة يقول لـ "مضمون جديد": يرتبط توفر سلعة الخبز بتوفر مادة الديزل ايضاً التي تقوم على وجودها مخابز المدينة كلها فعندما لا يتوفر الديزل لا نجد الخبز سواء كان سعره رخيصاً او غالياً.

وتعمد معظم الافران على شراء المحروقات المهربة بأسعار عالية عندما يتوفر الطحين لديها، وهنا تعمد إلى رفع سعر الكيلوغرام الواحد من الخبز ليصل احياناً إلى اربع او خمس أضعاف سعره الحقيقي.
"
في مرات عديدة وصل إلى ثماني اضعاف وهم مجبرون على ذلك فأصحاب الضمير يحسبون الكلفة ويرضون بربح بسيط وهنالك من باعوا ضميرهم وبدلوه بالمال ويطلبون أسعاراً خيالية في سعر الرغيف" يقول عبد الخالق.

ويضيف، هم يعلمون أنهم مهما رفعوا السعر سيبقى الناس يتوافدون للحصول على الخبز، وعندما يرون أن الناس بدأت تتململ بسبب ذلك يوقفون المخبز عدة أيام بحجة عدم توفر الوقود وحينها نجد الناس يتوافدون على صاحب المخبز ويطلبوا منه ان يؤمن الوقود مهما كان مرتفع السعر وانهم جاهزون لدفع ما يشاء من ثمن فيعود ليفتتح مخبزه ويمارس احتكاره وجشعه.

لكن الكثير من المخابز اغلقت أبوابها بلافعل بسبب القصف فقد حدث وبشكل متكرر أن تسقط قذيفة على الطابور الطويل من الرجال والنساء والاطفال على باب المخبز ليموت الكثيرون في سبيل خبزهم وقد تسبب ذلك في أضرار كبيرة لبعض الأفران مما اضطر أصحابها على الإغلاق.
الإدلبيون يقعون بين المطرقة والسندان، مطرقة النظام الذي حرمهم من معظم مقومات الحياة وحقوقها وسندان الاحتكار والجشع الذي يسيطر على البعض.

لكن التجار يقولون "انهم يدفعون الكثير لقاء تأمين احتياجات الناس فتكون الكلفة أصلاً مرتفعة بالنسبة له فيضطر لبيع سلعته بسعر مرتفع جداً". وهذا ما يقوله صاحب البقالة أحمد عبداللطيف.
يعلم التاجر عبداللطيف ان الاسعار مرتفعة، ويعلم ان الناس عاجزة عن ملاحقة ارتفاع الاسعار، لكنه لا يعلم كيف يمكن معالجة هذه المعضلة. فهو كما يقول امام امرين اما ان يشتري سلعا مرتفعة الثمن ويبيعها مرتفعة الثمن او انه يغلق محله وكفى.

أصحاب الدخول المحسودة

عمار السعيد موظف في إحدى الدوائر الحكومية، رجل من أصحاب الدخل المحدود أو كما يقول لـ "مضمون جديد" من أصحاب الدخل المحسود، سالناه عن ذلك فأخبرنا أن الناس هنا بدأت تعتبر الموظف الذي ما زال يحصل على راتبه رجلاً محظوظاً بدخله الثابت القليل جداً كونه ثابت.

يقول الرجل إن إطعام أطفاله الثلاثة جهاد كبير ويحتاج لذكاء وحيلة في وضع خطط التقشف والحيلة في أسلوب الشراء للحصول على أرخص سعر ممكن.

ويضيف، "منذ فترة ليست بالقليلة ونحن نقسم المرتب الشهري على عدد الايام وكل يوم احمل في جيبي الحصة اليومية من المال مع قرار صارم بان لا انفق غيرها فكثيراً ما نختصر وجبة او
وجبتين من الطعام ونكتفي بواحدة وكثير ما يصاب أحد الاطفال بمرض خفيف ونتركه من دون طبيب أو دواء حتى تتغلب مناعة جسمه على المرض بعد فترة وكثير ما نمشي على الأقدام حتى لا ندفع أجرة مواصلات.

واشار الى انه لو أراد أن يطعم اطفاله وجبة غذاء جيدة سيدفع ثلاثة اضعاف مرتبي اليومي، فماذا نفعل؟ نحن نموت ببطء شديد وقد نموت بسرعة في حال كان نصيبنا ان تسقط قذيفة فوق رؤوسنا.
هي بكل المقاييس حال مزرية يعيشها الإدلبيون، وظروف منهكة يعاني منها رب الأسرة الإدلبية.

أضف تعليقك