ريف دمشق .. التعليم هنا ترف أمام شكوك البقاء على قيد الحياة

دمشق – نادية محمد - مضمون جديد

(كل ما جهزنا الأمور بتجي قذيفة بتخرب كل شي) هذا ما قاله أبو محمد مدير إحدى المدارس الابتدائية في داريا في الريف الدمشقي.

يقول أبو محمد الذي فضل عدم الكشف عن هويته لـ "مضمون جديد" خشية من الملاحقات الامنية لمن وصفهم بالشبيحة: "لا نريد أن نخسر مستقبل أطفالنا كما خسرنا كل شيء، ونرغب أن نواصل تعليمهم، ونحاول إقناع التلاميذ أن الامور أصبحت جيدة وأن بإمكانهم الذهاب إلى المدرسة، وأننا قمنا بالإصلاحات الضرورية فيها بعد أن تحطمت أجزاء منها ومن أثاثها.

وفق تجربة "ابي محمد" لكن لم تمض أيام على بدء التحاق التلاميذ مدرسته بها حتى سقط قذيفة لم تعرف الرحمة فكادت ان تصيب المدرسة مباشرة.

يقول: نعود مجددا لقصة خوف الاهالي على اطفالهم ليتوقف الدوام مرة أخرى، ومجددا نعيد المحاولة من جديد، تجهيز للمدرسة ولنفسيات التلاميذ وأهلهم.. وهكذا.

داريا مدينة صغيرة في الريف الدمشقي تعرضت لحملات كبيرة من القصف والاعتقال بل وحدثت فيها مجزرة أودت بحياة حوالي ألف من المواطنين.

داريا هجرها الكثير من سكانها وبقي جزء منهم .. هذا الجزء البسيط المتبقي يرغب أن يكمل تحصيل أولاده العلمي .. هؤلاء الاطفال الذين فقدوا بيوتهم حرقاً أو قصفاً وفقدوا معها الكتب بل وفقدوا ألعابهم أيضاً.

بالنسبة الى أبي محمد فإن نسبة عدد الطلاب الذين يأتون للدراسة في مدرستنا لا تتجاوز الــ 25 % كما أن نسبة أيام الدوام في المدرسة هي نسبة تقارب النسبة السابقة، وذلك لعدم توفر الأمان في داريا .. فالقصف عندما يبدأ يكون عشوائياً , قد يصيب منزلاً أو مسجداً أو مدرسة أيضاً .

يقول أبو محمد بحزن ظاهر في عينيه، وهناك من استشهد من أطفالنا عند اقتحام داريا من قبل قوات النظام فأربع طلاب في المدرسة الابتدائية استشهدوا يوم المجزرة الكبرى، وهم أربع إخوة من آل الخطيب، وهناك الكثيرون مثلهم..
"
أية مدارس تلك التي لا تأمن على أطفالك داخل أسوارها" .. يقول ويضيف، "حال مزرٍ وظروف سيئة لكننا نسعى بشكل حثيث للوصول للأفضل حرصاً منا على تعليم اولادنا فالمسألة قد تطول".

في مكان آخر في الريف الدمشقي التقى "مضمون جديد" المدرس عبد الله الحسيني. الحسيني مدرس لمادة اللغة العربية في ثانوية دوما. يقول لـ مضمون جديد : بعد المعارك الكبيرة التي جرت

هنا تمركزت دبابات النظام في شوارع المدينة وحول منشآتها ومدارسها، رحل الكثير من السكان خوفاً من القصف والاعتقالات العشوائية وبقي حوالي ثلث سكان المدينة.

ما تفعله مدارس دوما انها تفتح ابوابها في الايام الهادئة. لكن الحسيني يقول ان ايام دوما الهادئة قليلة، مشيرا الى انه مدرس في ثانوية البنات التي يداوم فيها بعض الطالبات اللواتي مازالت اسرهم تقيم هنا، كلن المشكلة أن عدد الطالبات بدأ بالتناقص أيضاً بعد أن تكررت حالات التحرش من قبل الجنود بالطالبات.

يقول: حول كل مدرسة عدة مدرعات وعشرات الجنود، وتعاني الفتيات صباحاً عند بدء الدوام وبعد الظهر عند نهايته من هذه المشكلة. وكتربويين من واجبنا الحفاظ على بناتنا في المدرسة، خاصة أنهن يحدثننا عن ما يحصل معهن إلا أننا نرى أنفسنا عاجزين عن فعل أي شيء وهذا – ما يحرق القلب –.

الحسيني يعترف ان مديرية التربية اجبرت المعلمين على فتح المدارس، لكنه يقول: لو كان الامر بيدنا لتوقفنا، فكيف نطلب العلم ولم نعد نأمن على حياتنا وحياة طلابنا وطالباتنا.

ويضيف، كيف سيستوعب الطالب شرح المدرس وهو يسمع أصوات إطلاق النار وانفجار القذائف مترافقاً مع الشرح، وكيف سيستطيع طفل أو مراهق استيعاب ما نعلمه وهو يشعر بخطر مستمر ويخشى أن تسقط قذيفة أو برميل "ت.ن.ت" على صفه.. هي ظروف ليست ملائمة للحياة أصلاً حتى تكون ملائمة للتعليم والتعلّم.

وكانت وزارة التربية قد اصدرت قراراً بافتتاح المدارس في مختلف أنحاء القطر، وهو ما تم لكن نزوح السكان من مختلف المناطق بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها سورية ساهم في نقص عدد الطلاب بشكل كبير، وبالتالي عدم سير العملية التعليمية بالشكل المطلوب.

هذا ما يقوله محمود الزهراوي وهو أحد موظفي مديرية التربية في ريف دمشق لــ مضمون جديد والزهراوي لا يجد بديل عما يجري.

وعما جناه الطلبة من كل هذا قال: لا ذنب للتلاميذ والاطفال لكن لا ذنب علينا أيضاً، فهي ظروف تمر فيها البلد ولا نستطيع تغييرها .

في حين قال أحمد العاصي وهو موظف بسيط في تربية ريف دمشق: إن ما يحدث في الريف الدمشقي هو ترحيل وتهجير للاهالي وإجبارهم على النزوح من خلال القصف المدفعي والجوي الذي لا يميز بين مدرسة ومسجد ولا يميز بين طفل وشيخ وامرأة .

واضاف لقد أغلقت المدارس أبوابها في معظم مناطق ريف دمشق مثل "الضمير وحوش عرب والمعضمية والتل وداريا ودوما والحجر الاسود والغوطة الشرقية". هناك لا مدارس ولا طلاب، خاصة وان معظم هذه المناطق تعرضت لحملات عسكرية همجية دمرت معها الكثير من المنازل وأحرقت، متسائلا من يهمه اليوم تعليم ابنه وهو لا يضمن اصلا بقائه على قيد حياته.

ويصف العاصي الواقع التعليمي في الريف الدمشقي بالحضيض. وقال هذا أمر طبيعي، وننتظر الفرج حتى يعود ما سيبقى حياً من اطفالنا إلى المدارس لمتابعة التعليم، مشيرا الى ان خسارة الطفل لعام او عامين من حياته التعليمية ليست امرا كبيرا امام ما يمكن ان يخسره من حياته كلها.

اذا كانت هذه حال المدارس فكيف برياض الاطفال. تقول فاطمة بدر الدين وهي مديرة لروضة أطفال في المعضمية: كنت أدير في روضة لرعاية وتعليم الاطفال ما قبل سن المدرسة لكن بعد أن القصف على المعضمية أغلقنا الروضة، فلا نعد نطيق تحمل مسؤولية حماية الاطفال.

لكن بدر الدين تعود وتستدرك لـ "مضمون جديد"، حتى لو ارادنا تحمل هذه المسؤولية فاهل الاطفال لم يعودوا يرسلون أطفالهم إلينا.
على حد قولها، التعليم في سورية ترف، فان تتعلم كيف تبقى على قيد الحياة، هو الاهم اليوم.

أضف تعليقك