ريف إدلب: القمامة تقصف الاحياء مثل الصواريخ
إدلب - محمد إقبال بلو- مضمون جديد
بلدة سرمدا..من بلدات الريف الإدلبي بلدة حدودية قريبة من الحدود السورية التركية يفصلها عن الشريط الحدودي معبر باب الهوى.
في سرمدا تمركزت قوات النظام السوري لفترة طويلة جدا منذ بداية الثورة السورية لكن الجيش السوري الحر حررها منذ شهرين.
وقصفت هذه البلدة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة الجوية والبرية فسادها الدمار والخراب وخاصة بعد اشتباك التحرير الأخير حيث جرت أعنف المعارك.
تعاني هذه البلدة من عدة أزمات وتأتي أزمة النظافة على رأس تلك الأزمات، فبغياب النظام وأجهزة الدولة التي كانت تابعة له والتأخر في تأمين بديل لذلك بسبب القصف وضعف الإمكانات المادية أهملت الكثير من الأمور من بينها النظافة.
عمار خرفان مواطن من سرمدا رجل تجاوز الخامسة وأربعين من العمر يعيل أسرة مؤلفة من ثمانية افراد.
خرفان يعتبر من طبقة كانت متوسطة قبل أن ينهكها الظلم لتصبح في الحضيض. يقول: لـ "مضمون جديد": الوضع البيئي في سرمدا سيء جداً وعلى جميع الأصعدة إلا أن موضوع النظافة أصبح يشكل خطراً كبيراً خاصة بعد أن خلت البلدة من عمال وآليات النظافة التي كانت موجودة سابقاً.
لم يعد هناك وجود لدوائر الدولة فهي عادة النظام منذ البداية كلما تم تحرير منطقة وطرد قواته منها يعاقب هذه المنطقة بالحرمان من شتى الخدمات فيقطع المياه والكهرباء ويفصل خطوط الهاتف كما يفصل التغطية في أبراج الهاتف النقال.
على حد تعبير خرفان فان من أهم منجزات النظام في العقاب سحب موظفيه وعماله الذين يعملون في الدوائر الخدمية كدائرة النظافة للعمل في دوائر أخرى تحت سيطرته أو تكون النتيجة حرمانهم من مرتباتهم.
"
بدأت أكوام القمامة تتراكم في شوارع البلدة وحولها، وبدأت معها معاناة الناس من انتشار الحشرات وأهمها البعوض والذباب والقوارض وانتشر مرض جلدي يسمى حبة حلب - اللاشمانية- وتنقله بعوضة من جسم إلى آخر".
ويضيف، وهو يشير الى اكوام النفايات، "تشمون الروائح بالتأكيد.. انها روائح التخمرات التي تصيب أكوام القمامة". وما يخشاه الرجل أكثر هو تأثير ذلك على صحة اطفال البلدة.
لقد كانت رائحة أكوام القمامة تنتشر وتملأ الجو وكان الوضع كارثيا للغاية والمكان لا يصلح لأن يعيش فيه بشري.
مازن عبد الله شاب من البلدة المنكوبة وناشط في إعلام الثورة السورية التقاه "مضمون جديد في احد ساحات البلدة.
يقول: حاولت تنظيم حملات تطوعية لتنظيف البلدة لكنها لم تكن كافية أبداً، فالامر بحاجة اليوم الى اشخاص يرهنون انفسهم لهذا العمل، ومن أين ستجدهم؟
ويضيف معظم الشباب يفضلون الانضمام لكتائب الجيش الحر أو للفرق الطبية والإغاثية وغيرها من النشاطات التطوعية في المنطقة ويبعدون عن هذه الدور.
تكمن المشكلة ان السكان كما يقول غير متعاونين فما ان ينتهي من تنظيف شارع حتى يعود السكان لرمي نفاياتهم فيه .. يقول: "هذا أمر أصابنا بالاحباط".
البيوت المهدمة
لدينا مشكلة أخرى، وهي البيوت والمباني التي هدمت بالقصف فانقاضها تملأ الشوارع، مما يسبب حوادث كثيرة مع الأطفال من جروح وغيرها أثناء المرور أو اللعب في الشارع, كما تنبعث من تحت هذه الأنقاض روائح كريهة، نعتقد أنها بسبب بعض ما كان موجوداً داخل هذه البيوت من مواد غذائية ومواد عضوية عند قصفها وتخمر هذه المواد مع مرور الزمن والمشكلة أن تنظيف هذه الأماكن يحتاج طواقم كبيرة من العمال وآليات كثيرة.
الدكتور عبد الملك الشيخ يوسف، وهو طبيب أطفال يعمل في إحدى الفرق الطبية التطوعية في سرمدا قال لـ "مضمون جديد": مع دخول فصل الشتاء والطر تصبح مشكلة أكوام القمامة هذه مشكلة كبيرة فالرطوبة والقمامة عاملان يشكلان بيئة مناسبة جدا لنمو الجراثم بمختلف أنواعها ومكاناً لتكاثر الحشرات والقوارض التي تنقل هذه الجراثيم إلى الإنسان وخاصة الأطفال فهم معرضون أكثر من غيرهم هذه الأخطار.
ويضيف الدكتور عبد الملك: من أهم الأمراض والأوبئة التي أخشى انتشارها الكوليرا، فالجراثيم المسببة لهذا المرض ستجد في هذه الأماكن بيئة مثالية لتكاثرها ونموها وبشكل سريع جدا.
ماجدة سمان معلمة في المدرسة الابتدائية في البلدة وربة منزل لديها ثلاثة أطفال.
قالت لـ "مضمون جديد": نقوم بشكل دائم في المدرسة المتواضعة التي قمنا بإنشائها وبطاقمنا المتواضع المتبقي بتعليم الطلاب وتوجيههم وتوعيتهم على أمور النظافة وأهميتها وننبهم على غسل اليدين قبل الطعام وما شابه خوفاً عليهم من الإصابة بالأمراض.
يقول: أرى في طريق الذهاب والعودة انتشار الأطفال في الشوارع للعب بالكرة أو غير ذلك بين أكوام القمامة، مشيرا الى انه دأب على تحذير الامهات بضرورة العناية بأطفالهن ونظافتهم لحمايتهم من الجراثيم، فالأمر يحتاج تعاوناً من الجميع لحماية أطفالنا.. لكن يبدو ان النظافة في سورية .. حتى النظافة اصبحت ترفا.
إستمع الآن