العطش يقتل أهالي ريف حلب

الرابط المختصر

حلب - محمد اقبال بلو - مضمون جديد

محمد القاسم مواطن سوري من مدينة عندان القريبة من حلب. أصبح اليوم همه الوحيد الحصول على شربة ماء لعائلته المؤلفة من خمسة أشخاص.

يقول الرجل الاربعيني: «لا أريدهم أن يموتوا عطشا»، ويضيف: «منذ أن ثارت عندان والجيش السوري يدكها بالصواريخ والقذائف حتى لم يعد هناك في عندان شيئا سالما.. حتى الحياة نفسها لم تعد مضمونة».

تقع مدينة عندان شمال محافظة حلب، وتبعد عنها حوالي 15 كم، وهي مدينة صغيرة عدد سكانها 25 ألف نسمة، تتربع على السفوح الشرقية لجبال سمعان.

ومثلها مثل معظم مناطق ريف حلب الشمالي تعرضت عندان للقصف المدفعي والصاروخي من الأرض والجو أثناء الأحداث الأخيرة في سوريا منذ أشهر طويلة، فعندان بدأت مبكرا ثورتها.

أضرار بيئية

وكان لذلك القصف تأثيرات عديدة على بيئة المدينة، فبالإضافة للدمار الذي شهدته بهدم معظم منازلها أو حرقها تعاني عندان من تأثيرات بيئية متعددة يقول الخبراء البيئيون انها سترافقها أعواماً قادمة، لكن كل ذلك الآن يبدو حديثاً مترفاً، فأهل عندان لا يجدون اليوم شربة ماء تقيم حياتهم، والتفكير على حد قول المواطن محمد القاسم بالآثار البيئية التي يخلفها القصف امر من المبكر الحديث عنه، فعلينا أولاً انقاذ اهل عندان من الموت الذي يواجهونه كل يوم.

ويضيف القاسم القول: «استهلكنا في الأيام الأولى ما كان موجوداً في الخزانات المنزلية ثم بدأنا نشتري صهاريج المياه باهظة الثمن بالنسبة الى مداخيل الاسر، لكن الامر لا يتعلق بالمال فقط، فقد يتطلب الحصول على اربعة آلاف لتر من الماء تكفي الاسرة لأسبوع أيام طويلة».

توزيع المياه

ويوصل سائقو أحد الجرارات التي تقطر صهاريج المياه الماء إلى أهالي عندان، الذين ينتظرون دورهم عدة أيام وقد يصل إلى أسبوع كامل حتى يأتيهم بأربعة آلاف ليتر تكفي الأسرة لمدة أسبوع فقط».

بالنسبة الى محمد القاسم فإنه والمواطنين الآخرين لا يكترثون بصلاحية الماء للشرب «المهم ان يشربوا ما يبقيهم على قيد الحياة اليوم أما الغد فليأتي بما يأتي» .. وكما يقول «قد لا نعيش الى الغد».

ويخشى القاسم ان يكون قصف الجيش السوري النظامي العشوائي لأحياء المدينة قد تسبب في تلوث المياه، وهو ما لا تكترث به حاليا مؤسسة المياه في حلب. ويدعم ما ذهب إليه القاسم طبيب في المدينة رفض الكشف عن هويته.

ملاحظات صحية

ويقول الطبيب: «نلاحظ في الفترة الأخيرة زيادة انتشار أمراض الأطفال وخاصة التهاب الامعاء ونعتقد أن سبب ذلك المياه التي نشربها ولا نعرف ما إذا كانت صالحة للشرب فاتصال آبار المنطقة ببعضها ضمن حوض مائي كبير قد يسبب تسمم المياه في المنطقة كلها».

ومياه عندان جوفية وآبارها محفورة ومجهزة لذلك، وتضخ المياه من هذه الآبار عبر أنابيب بلاستيكية إلى خزانات توزع منها المياه للبيوت عبر شبكة طويلة من الأنابيب.

ولدى رؤيتنا لبعض هذه الآبار لوحظ أن الكثير منها تعرض لإصابات مباشرة بالقذائف والصواريخ، مما أدى إلى تلوثها سواء بالمواد الكيميائية الناتجة عن القذائف المنفجرة التي اخترقت فوهات تلك الآبار السطحية أو بالمواد الركامية التي نزلت إلى أسفلها.

مخلفات القذائف

ويؤكد محمد عبد الرزاق الذي كان موظفا في الوحدة الاقتصادية للمياه في عندان إن «المدينة تعاني الآن من أزمة مائية كبيرة»، ويؤكد أن الحالة المائية في المدينة سيئة للغاية فتجهيزات الآبار التي تزود المواطنين بمياه الشرب أعطبت، وتلوثت المياه بشظايا ومخلفات القذائف، واختلاطها بركام الشظايا يجعلها مياهاً غير صالحة للشرب إطلاقاً، وقد لا تصلح حتى للاستخدام غير البشري.

ويشير إلى «قصف خزانات المياه التي يتم منها التوزيع على المنازل، حتى باتت بحاجة الى إعادة تأهيل من جديد في حال توفر المصدر المائي الآمن وهذا أمر غير موجود اليوم»، معرباً عن خشيته من تلوث كامل للمياه الجوفية في المنطقة.

ويؤكد عبد الرزاق أن «المياه الجوفية في المنطقة عبارة عن حوض واحد كبير جدا، يتصل ببعضه، ويغذي كل القرى والمدن الصغيرة المجاورة، وهو ما يعني ان تعرض أي بئر للتلوث سينقل المواد الملوثة إلى كل آبار المنطقة، مما سيؤدي إلى كوارث بيئية وإنسانية خطيرة.

ترشيد

يقول خالد العمر وهو رب أسرة مؤلفة من سبعة أشخاص ويقيم داخل مدرسة مع عدد من الأسر الأخرى التي تهدمت بيوتها: «منذ أكثر من شهر ونحن في هذا المكان نستعمل الأدوات البلاستيكية لنقل المياه من القرية المجاورة.

ففي كل يوم نحمل هذه الأوعية ونسير إلى القرية المجاورة لنملأها من الجامع الموجود في القرية وننقلها مسافة تقارب 2 كم لنصل بها إلى هذه المدرسة التي نعيش فيها حالياً، مؤكداً أن قاطني المدرسة يرشدون في استخدام المياه حتى لا يضطروا مساء للذهاب كل هذه المسافة لجلب الماء مرة أخرى.

وما زال أهالي المنطقة وفق العمر في انتظار المنظمات الإنسانية كالهلال الأحمر ان تصل اليهم لمساعدتهم. ويقول: «لا اعلم كم من الوقت سنصمد في وجه هذه الظروف التي يبدو أنها لن تتغير سريعاً».