الجامع الأموي لم يصمت منذ 1300 عام سوى اليوم

حلب – محمد إقبال بلّو

المرة الأولى منذ 1300 سنة لم يرفع الأذان في الجامع الأموي بحلب. قوات النظام مدعومة بالشبيحة احتلت المسجد وتحصنت به لفترة طويلة، مما استفز الثوار خاصة مع وصول معلومات عن انتهاكات كثيرة لحرمة المسجد من خمر ونساء وغير ذلك.
عندما علم الشبيحة ومن خلفهم قوات النظام بقدوم الثوار حرقوا المسجد وهربوا. وبعد خروجهم اسقطوا عدة قذائف عليه فدمرت أجزاء منه .

هو مشهد من بين مشاهد لا حصر لها اليوم لتعرض المعالم الأثرية في سورية للتدمير الممنهج ليس على يد اعداء خارجيين بل بيد سورية.

هذا ما قاله أبو عبدو الذي رفض التصريح باسمه لــ "مضمون جديد" خشية من قوات الأمن ومن يسمون بالشبيحة.

أبو عبدو شاب من مدينة حلب في الثلاثينات من العمر رب أسرة تتألف من خمسة أفراد. يقول: آثار حلب التي حافظ عليها الاجداد آلاف السنين وتحكي قصة تاريخ عريق وحضارة إنسانية عميقة في الزمان تكاد تدمر اليوم على يد جيش وامن قالوا لنا ايام زمان انهم جيش وامن سوريين.

تعتبر حلب من أهم المدن الأثرية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تحوي على الكثير من المعالم الأثرية والأوابد التاريخية ومن أهم آثارها قلعتها الكبيرة التي تتوسطها وسوقها القديم الذي يدعى سوق المدينة والكثير من الجوامع التي تعود إلى العصر العثماني وفيها متحف كبير يضم آثاراً متميزة كما تتناثر في ريفها الشمالي والغربي المدن الأثرية التي تعود للحضارة الرومانية ومواقع مهمة كخراب الشمس وكنيسة براد وغيرها .

ويسرد توفيق عمار الرجل الخمسيني الذي يعيش في أحد احياء حلب القديمة المجاورة للقلعة الأثرية: قصة اشتباكات عنيفة وقعت حول القلعة وبالقرب منها بين الجيش الحر وقوات النظام واستعمل فيها الجيش الحر الأسلحة الخفيفة الفردية التي أصلاً لا يمتلك سواها وعند انتصاره في حرب الشوارع والمواجهة المباشرة بدأت قوات النظام بقصف الموقع عن بعد بالمدفعية الثقيلة والصواريخ والطائرات الحربية الـ ميغ والحوامات.

ويضيف المشكلة ان من يقومون بهذه الحرب ومن يقصفون المواقع أفراد غير متدربون ولم يخوضوا حرباً من قبل سوى هذه الحرب ضد الشعب السوري السوري، وهو ما ادى الى عدم إصابة الأهداف المطلوبة فسقوط الكثير من القذائف على القلعة.

تلك القلعة الشامخة التي قاومت العوامل الزمنية آلاف السنين من عوامل جوية وكوارث طبيعية , لقد قاومت هذه القلعة العديد من الزلازل التي تعرضت لها حلب الشهباء وبقيت صامدة كمعلم يميز حلب عن غيرها من المدن السورية .

ويشير الى ان القلعة قاومت الزلازل إلا أنها لم تستطع مقاومة براميل الــ "ت.ن.ت" والصواريخ والقذائف المدمرة، فتهدم أجزاء كبيرة منها وبذلك تهدم سجل تاريخي عريق فكل زاوية في هذه القلعة تحمل قصة ما وكل ركن يحوي حدثاً تاريخياً مهم.

ويضيف توفيق لــ "مضمون جديد": ما يحدث لقلعة حلب لم يحدث عبر التاريخ قط، لقد عرفنا عبر التاريخ حروباً كثيرة وقرأنا عن معارك ضارية تم خلالها تهديم بعض الآثار من قبل العدو في أرض عدوه أما أن تدمر حكومة بلد آثار البلد نفسه فهذا أمر لم يشهده التاريخ الإنساني قط .

أما الحاج عبد الحميد الآغا وهو تاجر قماش لديه محل تجاري في سوق حلب لأثري فقال لـ "مضمون جديد": إن سوق المدينة الأثري من أهم الأسواق القديمة في العالم وهو عبارة عن متاهة كبيرة من الطرق الضيقة المتداخلة وعلى طول تلك الطرق تتلاصق المحال التجارية القديمة التي حافظت عبر مئات بل وآلاف السنين على رونقها ومظهرها التاريخي العريق حتى أن بلدية حلب كانت تمنعنا من إجراء إصلاحات وترميمات على هذه المحال إلا بشرط الحفاظ على شكلها الأثري وتحت إشراف مديرية الآثار بحلب.

ويحوي السوق آلاف المحال التجارية الصغيرة الحجم الكبيرة الفعل في عالم التجارة بحلب، معروف مثلا لدى أهالي حلب أن العروس يجب أن تشتري حاجياتها من سوق المدينة حصراً علما ً أن هنالك الكثير من الاسواق غيره.

ويضيف كل ما سبق وذكرته لكم من تاريخ واقتصاد بل وتقاليد اجتماعية احرقته قوات النظام بلحظة، بعد ان قامت قوات النظام بقصف هذا السوق الأثري مما ادى الى اشتعال محال فيه.
واستمر القصف طويلا مما منع التجار من حتى محاولة إطفاء الحريق فتوسع نطاقه وانتقل من محل إلى آخر حتى تم حرق وتدمير أكثر من نصف هذا السوق العريق.

يقول: "مثل هذا السوق التاريخ قلب حلب التجاري حرقه وحرق قلوبنا معه".
لقد تدمير سوق حلب التجاري وهو ما يعني القضاء على مستقبل آلاف الأسر الحلبية إضافة لمسح الذاكرة الشعبية فيه. هنا يحكي التاريخ قصة نشوء العلاقات التجارية وازدهارها في حلب .. لقد جاء إلى هذا السوق تجار العالم اجمع قديماً وكانوا يتوافدون غليه من كل حدب وصوب لإقامة العلاقات التجارية مع التجار الحلبيين.

أما حديثاً فمن المستحيل أن يمر سائح في مدينة حلب إلا ويخصص وقتاً لزيارة هذا السوق القديم فأهميته تعادل اهمية قلعة حلب الأثرية، متسائلا عن قدر جيش يفترض ان يكون وطنيا على تمدير حضارة بل وليس فقط انسانه.
ويقول موظف في متحف حلب مصطفى عزيزي لـ مضمون جديد: إن قوات النظام دمرت معظم آثار ومعالم حلب والكثير من المساجد التي بنيت في العصر العثماني في حلب.

ويضيف، ما زلنا نحن موظفو المتحف الوطني في حلب نصر على ان نذهب الى اعمالنا رغم ما يعنيه ذلك من تعرض حياتنا للخطر لأجل أن المحافظة على "وثائق تاريخنا".

واشار قد يدخل المتحف بعض الجنود الجاهلين ويعيثون فيه فسادا، ونحن نعلم انهم عندما يريدون الدخول إليه سيدخلونه رغماً عنا بحجة أنه يحوي عناصر الجيش الحر، لكننا قدرنا أننا لو بقينا فيه سيبقى بمظهر الدائرة الحكومية الفاعلة والموجودة وذلك المظهر قد يمنعهم من اقتحامه.

باختصار .. لا تقتل قوات النظام الانسان السوري بل وشواهد حضارته أيضا.

أضف تعليقك