اطفال حلب: الرعد قصف مدفعي والالعاب شبيحة وثوار

حلب - مجد نبهان - مضمون جديد

"أقيم يومياً جلسات حوارية مع الاطفال أعطي فيها كل طفل أقل من خمس دقائق حتى أستطيع محاورة الجميع, أجيب على أسئلتهم واحاول إقناعهم أن لا ذنب لهم فيما يحدث وأن يتابعوا دروسهم من دون الاهتمام بذلك..

أحاول إقناعهم أن هذا سيزول قريباً وسيصبح من ذكرياتهم الماضية وأنهم عليهم أن يحبوا بعضهم لأنهم أبناء وطن واحد وليس هنالك من يريد قتلهم بل إنها مشاكل مؤقتة.. لكن قذيفة واحدة تسقط بالقرب من الطفل كفيلة بتدمير كل ما حصنته به".

ما سبق شرح مكثف لمعاناة مرشد مدرسة مع اطفال حلب... ففي حلب الموت لا يأتي بهدوء.. وأطفال المدينة يعرفون ذلك. في الحقيقة هم يرتعبون من ذلك.

يقول صلاح صلاح الدين زيدان وهو رجل في أواخر الثلاثينات أب لستة اطفال يعيش في أحد الاحياء في مدينة حلب شمال سورية.
حلب اليوم مدينة تتعرض لكل اشكال القصف: مدفعي، وصاروخي، وجوي بانواعه من المروحيات وطائرات الميغ.

ويضيف مع دخول الشتاء وبدء فصل الامطار والعواصف الرعدية أصبح الأطفال يخشون صوت الرعد ويعتقدونه قصفاً.. بتنا نعيش رعبا حقيقيا فهم عندما يسمعون أي صوت يشبه صوته صوت القصف، تتحول حياتهم الى جحيم.
"
حياة اطفالي النفسية تسوء" يقول الرجل الحزين على ما اصاب بلاده، مشيرا الى ان رعبهم يولد من كل شي، وحتى من أتفه الامور.

يشك زيدان ان تمر هذه المحنة على اطفال سورية بسلام، ويقول: ما شهدته أعينهم لن يترك أي طفل سليماً من دون عقد نفسية، فنحن نسمع صوت القصف فنبدأ بالنزول إلى الطوابق السفلية من المبنى، ويحدث ذلك مرتين على الأقل كل يوم، حيث يهرول الاطفال هلعاً إلى الأسفل، بوجوههم المصفرة التي تشرح لك ما يحدث بهم.

هذا حال أطفال حلب تلك المدينة التي تأخرت في الدخول بالحراك ضد قوات النظام السوري إلا أنها تدفع اليوم الفاتورة الاكبر على الاصعدة.

زوجة صلاح هي الاخرى لديها ما تقوله. السيدة آمنة تقول لـ "مضمون جديد": أشعر بهم ليلاً أثناء نومهم عندما ينتفضون وكأنهم يقفزون من الفراش. أشعر بهم ويحرقني مشهدهم لكن ليس باليد حيلة. ويبدو انهم يسمعون أصوات القصف في أحلامهم التي كان يجب ان تكون احلاماً جميلة لا كوابيس صنعها واقع مؤلم.

يستيقظ أصغرهم في كثير من الاحيان ليسألني: هل سنموت كما مات أفراد اسرة كاملة في الشارع المجاور، وهل الموت مؤلم؟ وماذا سيحدث لنا بعد ان نموت؟ كلها أسئلة بات يطرحها اطفال حلب على ذويهم.

اما الجدة أم صلاح فإنها بدأت تلاحظ كم ان الاطفال اصبحوا عدائيين بعض الشيء حتى مع بعضهم فكثيراً ما يرددون عبارات غريبة أثناء لعبهم كان يقول اخ لاخيه: سأفجر رأسك. ساقتلك. سآتي بالطائرة حتى تقصفك بصاروخ لأرتاح منك ..

لقد شاهد الأطفال مشاهد قد حفرت في نفوسهم حفراً سوداء مظلمة، وعندما يبدأ اشتباك في الشارع مجاور لنا وترتفع أصوات الرصاص تجدهم يختبئون تحت أي قطعة أثاث في المنزل يكادون أن يتجمدوا من الرعب، وبعد انتهاء ذلك يعودون إلى لعبتهم المفضلة .. شبيحة وثوار.. لينقسموا إلى فريقين ويضربون بعضهم بعنف يشبه الهمجية التي تحدث في الشارع، حيث تأتي مجموعة الشبيحة لتقتل الثوار وبعدها يبدأ تشييع الضحايا المفترضين من الفريق الخاسر ليمثلوا مشاهد حفر القبور ومشاهد الدفن.

وتضيف الجدة: هذا حال أطفالنا اليوم، نحن نخسرهم على جميع الأحوال فلو نجوا من القصف لن ينجوا مما أصابهم من عقد وتأثيرات نفسية عميقة قد يدوم تأثيرها مدى الحياة.

هذا أحمد طفل يبلغ من العمر سبع سنوات. احمد تلميذ في الصف الثاني يذهب الى المدرسة يوم ويغيب اياما.

يقول لـ "مضمون جديد": لا أخاف من صوت الرعد لكنني أخاف من صوت القصف لأن القصف يعني الموت، لقد مات صديقي وزميلي في المدرسة سامر منذ شهر عندما سقطت قذيفة على بيتهم وجرحت أمه واخته.

أحمد قال لنا ان نقنع والده ان يأخذ الاسرة الى أي مكان آخر ليس فيه قصف. لم نعرف ما نقول له لكنا سالناه عن اصدقائه وهل يلعبون عندما يتوقف القصف اجابنا أنه يحب بعض أصدقائه وليس كلهم لان بينهم شبيحة سيطلق النار عليهم عندما يمتلك بندقية فقد قالوا عنه انه جبان عندما سمع صوتاً قوياً فركض إلى المنزل خائفاً.
يقول أحمد متسائلاً: لماذا نموت؟ انا ما عملت شي..

احمد يغني بعض الأغاني التي كان يغنيها الناس في المظاهرات لكن أباه قال له إنهم سيقتلونه لو سمعوه ينشد تلك الكلمات.

مراد هاشم وهو معلم في إحدى المدارس الابتدائية قال لـ "مضمون جديد": لم يعد التلاميذ كما السابق، أصبحت الدراسة آخر اهتماماتهم، وكيف نقنعهم بالدراسة ولا نعلم من منهم سيمون غدا قصفا.

ويضيف: حدث عدة مرات أن قصفت بعض المدارس وبعضها أصبح مراكز لقوات النظام، وتفتتح المدارس أبوابها في الايام الهادئة حيث يأتي ربع العدد المفترض من التلاميذ والمعلمين أيضاً وبدل أن نبدا الحصة الدرسية تبدا الأسئلة من قبل الاطفال.. لماذا يقصفون احياءنا.. ماذا فعلنا نحن حتى نقتل.. هل سنذهب إلى الجنة إذا متنا؟ لماذا يكرهنا الجنود؟

ثم يبدأ كل طفل بسرد قصة شاهدها أو اشتباك حدث في حيه,وكمعلم مدرسة ابتدائية أجد نفسي مضطراً ان أشرح للتلاميذ عن كل شيء وان احاول إزالة الخوف من قلوبهم.. وكل ذلك يحدث على حساب الحصة الدرسية التي تنتهي احياناً قبل أن تبدأ.

ويشير الى انه لاحظ سلوكا جديدا عند الكثيرين. بعض الطلاب يتصرف بعنف مع زملائه وبعضهم مصاب بخوف مستمر من كل شيء فلو فاجاته بصوت مرتفع قد ينتفض من مكانه أو يبدأ بالبكاء والصراخ.
ويتابع، "نعاني من مشاكل واصطدامات بين الطلاب أثناء الاستراحة بين الحصة والأخرى.. لقد

اختلفت أفكارهم وطريقة لعبهم مع بعضهم عن السابق.. واللعبة المفضلة هي الانقسام فريقين ثم البدء بالاشتباك بالأدي والارجل واحياناً بادوات كالعصي التي يجدونها أو اغصان الأشجار".
"نعاني كثيراً في تهدئتهم من دون أن نستخدم نحن العنف معهم ايضاً.. بعضهم بات لا يخشى شيئاً يستمر في لعبته العنيفة تلك ولا يلقي بالاً لتوجيهات معلمه".

ويضيف: بات اطفالنا بحاجة إلى مرشدين نفسيين يتابعونهم يومياً.. لدينا في المدرسة مرشد نفسي خريج علم نفس إلا أنه لوحده لن يستطيع إنجاز ما تتطلبه ظروف كهذه.. وحتى لو استطاع .. فلن يكتب له النجاح.. فالموت مستمر والقصف لا يتوقف.

هذا تماما ما قاله بلال عبد الله وهو مرشد نفسي في المدرسة نفسها قال لـ "مضمون جديد": نحاول مساعدة الأطفال على تجاوز هذه الازمة النفسية إلا اننا لا نستطيع أن ننجز شيئاً مفيداً حالياً فمهما بذلت من جهد تاتي قذيفة واحدة يسمع صوتها الطفل وقد يرى بعض تأثيراتها من دمار ودماء وقتل وتدمر كل ما بذلناه من جهود.

ويدرك المرشد النفسي ان تأثيرات ذلك كبيرة، فبالأمس وجدت سكيناً حادة مع أحد الأطفال أخبرني أنه يحملها ليدافع بها عن نفسه، أحزنني ذلك فطفل في التاسعة يفكر في السلاح والقتل حماية لنفسه حالة قد تتطور نحو الإجرام في المستقبل لو لم تلق الرعاية النفسية المناسبة.
هو واقع مؤلم.. ينتظر فيه الحلبيون.. بل السوريون انفراج الازمة.. عل الموت يكف عن حصد اطفالهم، وترويعهم.

أضف تعليقك