ادلب الخضراء.. "تلمنس" شاهد ما أصاب زراعتها

إدلب – محمد إقبال بلّو - مضمون جديد

كانت تسمى أدلب الخضراء .. اليوم هي "الجرداء".

قالها رجل أربعيني من بلدة تلمنس في الريف الإدلبي، وهو يشير الى اثار الدمار والقصف الذي لحق بمحصوله الزراعي الذي على اية حال لم يعد سوى ارضا جرداء غير صالحة حتى للسير عليها.
عبد السلام حماش أب لخمسة أطفال لم يعرف مهنة سوى الزراعة. عبدالسلام فقد محصوله الزراعي العام الماضي قصفا وتفجيرا، ولم يحاول زراعته هذا العام.
"
لم أزرعه، او استصلح ما يمكن استصلاحه من الارض، وأنا اعلم انه سيكون هباء عندما يقرر صاروخ من مدفع او طيارة" يقول حماش لــ مضمون جديد.

العام الماضي زرع حماش أرضه التي يعيش منها عليها، هو وأسرتي .. زرعتها قمحاً واعتنيت بها وانتظرت كل سنبلة أن تنمو وأنا أحتضنها بجهدي وأملي بالحصول على ما أعيل به أسرتي وأؤمن به قوت أطفالي، وعندما نضجت السنابل واصفرت معلنة بدء موسم الحصاد اقتحمت قوات النظام بلدتنا الآمنة وعاثت في الأرض فساداً فأحرقت الزرع والضرع وفجرت وخربت .. مساحات زراعية شاسعة تم إحراقها , توهجت الحقول بحرائق هائلة خمدت عندما قضت على كل سنبلة وكل حلم.
اما عن هذا العام وبعد هذا الحريق غير صالحة للزراعة حالياً.

تعتبر إدلب من أهم المناطق السورية بالنسبة للإنتاج الزراعي فحولي ثلث المحاصيل الزراعية السورية مصدرها إدلب الخضراء، وبعد اندلاع الثورة السورية وبدء قصف وتدمير المدن والبلدات الإدلبية بهت هذا الاخضرار لينخفض الإنتاج الزراعي إلى أقل من الربع حتى كاد ينعدم مؤخراً.

المهندس الزراعي محمد ظافر الإدلبي هو أيضا من سكان بلدة تلمنس في ريف إدلب يقول لـ "مضمون جديد": إن الإنتاج الزراعي في ريف إدلب يتراجع بشكل تدريجي حتى يكاد ينعدم , فمعظم مناطق وقرى وبلدات إدلب تتعرض أراضيهم وحقولهم للعمل في هكذا ظروف، منذ عدة أشهر وبينما كان أحد شباب القرية يعمل في أرضه، سقطت قذيفة قربه فأصابته إحدى الشظايا وأردته قتيلاً.

يتابع، لم يعد الوضع هنا يسمح بممارسة أية مهنة خاصة تلك الاعمال التي تتطلب وجود العامل في العراء وتحت السماء حيث ان السماء هذه الايام لا تمطر ماء فقط بل تمطر صواريخ وقذائف واحياناً براميل من الــ "ت.ن.ت" المدمرة .

في ظل انعدام الامن لن تكون هناك زراعة ابداً، قد تستطيع أخذ الحيطة عند حدوث القصف المدفعي فبين كل قذيفة واخرى زمن قصير ولكنه يكون كافياً أحيانا لأن يحتمي المرء في مكان ما، أما الطيران الحربي فهو المشكلة الكبرى.

تسمع صوت الطائرة ثم صوت الانفجار الذي يحدث نتيجة إلقائها إحدى القذائف أو الصواريخ، الامر كله يستغرق ثوانٍ فلا مجال للحيطة هنا، أنت وقدرك قد تكون انت من سيموت أو قد يكون غيرك، وقد تخطئ الطائرة هدفها لذا لا مجال للعمل الزراعي أبداً فكما تعلمون الحقول ذات مساحات شاسعة وقد يكون حظك أن يبدأ القصف وانت في وسط الحقل.

لقد تخلى الاهالي عن الزراعة التي تشكل قوتهم وحياة اطفالهم حرصاً على الامن والسلامة وهذا حقهم الطبيعي .

صحيح انهم سيعانون الفقر وقلة المال ونقص بالاحتياجات اليومية إلا أنهم لا يعرضون انفسهم لخطر التواجد في حقول وكروم مكشوفة .

تشتهر محافظة إدلب وريفها بالتحديد بالعديد من المنتوجات الزراعية يأتي على رأسها الزيتون والكرز والتين وبعض المحاصيل الحقلية كالقمح والعدس والشعير، وتعتمد هذه الزراعة على الأسلوب التقليدي في كل مراحلها، وهنا تكمن مشكلة مهمة وهي اليد العاملة وتوفرها.
مصطفى الهزاع .. مسن التقى به "مضمون جديد" في أحد شوارع بلدة تلمنس يقول: تسألون عن الزراعة وعن الإنتاج الزراعي: "يا ابني الزراعة بدها رجال والرجال وينن .. الضيعة صارت مهجورة".

فأضاف لـ "مضمون جديد" .. معظم شباب البلدة كانوا يعملون بالأراضي الزراعية والحقول وكروم العنب والزيتون، مشيرا الى ان أكثر من 70 % من قوت أهل البلدة واقتصادها هو من ناتج الارض .. لكن تلمنس اليوم تشكو افتقادها للبشر فكيف الشجر والحجر.

يقول الهزاع الكثير منا شهيد او فقيد أو معتقل، مشيرا الى ان الاعتقالات بعد اقتحام جيش النظام البلدة، كانت عشوائية من دون حتى معرفة اسم الشاب الذي المكبل والمجرور أمامهم.
ويستذكر الهزاع دخول قوات الجيش النظامي البلدة ويقول: احرقوا المحاصيل وهدموا البيوت

واعتقلوا ساكنيها من الشباب. أما من لم يفر او يلق القبض عليه فحملوا السلاح وانضموا للجيش السوري الحر دفاعاً عن ارضهم وعرضهم واهلهم وغادروا إلى مواقع التدريب والتجمعات المقاتلة.
بينما بقية اخرى لجأت وأسرهم إلى المخيمات التركية التي لا تبعد كثيراً عن هنا، فكل عائلة أرسلت النساء والأطفال وانتدبت شاباً ليرافقهم إلى ذلك المكان لرعايتهم والاهتمام بهم، وهناك من سافر إلى دولة اخرى له فيه اخ أو عم أو قريب .

لم يبق في البلدة إلا عدد قليل من شبابنا، وهذا العدد لم يكفي إلا لعمل زراعي ضئيل كقطف ثمار الزيتون وما شابه .

هذا يعني اليوم التالي: فقر أصاب الريف الإدلبي كله بسبب تراجع الزراعة وتناقص الإنتاج الزراعي، إلا ان المواطنين مجبرين على الصبر .. الصبر لانه ليس امامهم سواه. وما يأملونه أن لا تطول هذه المرحلة الصعبة من حياتهم عسى أن يعود الشباب إلى أرضهم ووطنهم وإلى زراعتهم وأعمالهم لتعود إدلب خضراء كما كانت.

في بلدة تلمنس في الريف الإدلبي واقع مأساوي لا تغني الكلمات عن وصفه.. مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية الجرداء، كروم محترق واشجار مدمر، وأخرى تموت لوحدها رغم انها واقفة.
اليوم يسأل المختصون اذا كانت الامور ستطول فالانتاج الزراعي في مدينة إدلب وريفها أهم الواردات الاقتصادية .. هي في الحقيقة اكثر من ذلك.. أنها الامن الغذائي لمواطنين فقدوا أمنها الشخصي والمجتمعي.

أضف تعليقك