أطفال حلب: من لم يقتله القصف مات جوعا
حلب - مجد نبهان - مضمون جديد
"من لم يمت بالقصف مات بجوعه.. سيان هو في هذا وذاك" يقول عادل المصطفى الاربعيني صاحب اللحية الكثة الذي التقاه "مضمون جديد" في احد ازقة مدينة حلب.
"
لم اكن كذلك.. أشعر اليوم بان وقوفي امام المرآة خيانة للضحايا.. ثم كيف اقف وانا لا ادري اي جدار سينقض علي اليوم او غدا". يقول المصطفى.
هو رجل أربعيني أب لستة أطفال يعيش في حلب تحت القصف والدمار، في ظروف يصعب عيش البشر فيها.
وهو من يقول ذلك، ليضيف أن الحيوانات اليوم لم تعد آمنة على حياتها فكيف بالبشر".
الأوضاع الإنسانية في حلب كارثية بعد استمرار حصارها من كل الجهات وقصفها من الجو لمدة شهر كامل أو يزيد.
الطبيب عمر أحمد، وهو اسم وهمي اختاره احد الاطباء العامين في حلب لنفسه خشية من معاقبة النظام له فقال: الاولية الطبية اليوم للحرجى لكننا نحاول قدر الامكان ان نعالج الاطفال من مظاهر سوء التغذية والوهن العام الذي بدأ يظهر على اجسادهم.
ويضيف ، لـ "مضمون جديد"، تكاد تخلو الصدليات من الادوية المطلوبة، ولولا بعض المناطق الآمنة في حلب لضاع الناس. الجوع وانعدام الادوية اليوم اكثر الاسباب فتكا بالحلبيين.
هنا، يعاني الأهالي إضافة للقصف وسقوط الكثير من الجرحى والشهداء من نقص كبير في المواد الغذائية، فلا محال تجارية ولا مخازن ولا مواد تدخل إلى المدينة منذ شهر على الأقل.
يخشى المصطفى بعد ان بدأت المواد الغذائية بالتلاشي تدريجياً ان لا يجد الناس حتى لقمة لتسد رمقهم. حتى الخبز تحول الى مادة عزيزة يصعب العثور عليها.
بعد ظاهرة قصف النظام للمخابز بات الحصول على رغيف الخبز مغامرة حلبية.
يقول المصطفى نبقى أياماً من دون خبز بسبب إغلاق معظم المخازن أبوابها لعدم توفر مادة الطحين، اضافة الى قصف بعضها مرارا. ولكن ما زالت بعض المخابز تمتلك كميات قليلة تقوم بخبزها وتبيعها للمواطنين بكميات محدودة، لكنك قد تضطر للوقوف في طابور طويل جدا حتى يصل دورك بعد ساعات طويلة من الانتظار للحصول على عدة أرغفة.
ومن يدري قد تقصف الطابور طائرة حربية وأنت على باب المخبز كما حدث عدة مرات، وتموت في سبيل الحصول على رغيف تحاول لأطفالك .
هذا هو حال المواطنون الحلبيون اليوم، يستهلكون كل ما يستهلك من دون أن تسمح قوات النظام بإدخال مواد جديدة إلى المدينة.
عندما يحاول بعض المتعاطفين الدخول بشاحناتهم الى المدينة تتحول الى هدف لقصف الطائرات، وفي معظم الاحيان تتحول الى كتلة نارية متفحمة قبل الوصول الى غايتها.
ولاء بدر ربة أسرة نزحت مع أطفالها لتقيم في إحدى المدارس حاورها "مضمون جديد" حول ندرة الخبز في حلب. فقالت: لم نره منذ أيام طويلة تجاوزت الاسبوع، وما لدى البعض كمية قليلة من مادة - البرغل – يعتمد عليه لإطعام الأولاد الاطفال..
اليوم يقض مضجع ولاء عن الطريقة التي يمكن ان توفر لاطفالها الاربعة الطعام. تقول: لا اشترط شيئا.. اي طعام يبقينا على قيد الحياة.
وتضيف: "الكثير من المواد التموينية الرئيسية أصبحت مفقودة، فأصحاب المحال التجارية يبيعون ما لديهم ولا يستطيعون تأمين كميات جديدة لبيعها للمواطنين، وعندما تنفذ بضاعة أحد المحال يقوم بالإغلاق، وهذا يحدث باستمرار.
ولاء تشير بيدها غير آبهة وهي تقول: على كل حال ماذا سنفعل بالمواد التموينية إذا لم يكن لدينا أصلاً مادة الغاز التي نحتاجها لطهي طعامنا، فأسطوانة الغاز أصبح ثمنها خمسة آلاف ليرة سورية بعد أن كان ثمنها أربعمائة، هذا في حال تم العثور عليها.
لارتفاع اسعار المواد الغذائية في المدينة قصة اخرى مختلفة عن فقدانها. هناك، يصف المواطنون ما يجري بالجنون، ففوق قصف المدافع والطائرات، هناك اجرام بعض التجار ايضا.
هذا ما يقوله حامد جمال الدين المواطن الحلبي الذي ما زال يقيم في منزله في حي الفردوس بحلب" .. على حد وصفه فقد تحول "الفردوس الحلبي" الى جهنم.
يقول: ساعة بساعة ويوم بيوم .. هكذا توفر لاطفالك في حلب الطعام، والماء. يقول: لم أكن اظن لثانية انه يمكن ان تعاني حلب من هذه الاوضاع المزرية. حلب تموت.. تموت باطفالها ونسائها ورجالها.
ويشير الى ان سوء التغذية بدأت تظهر خاصة عند الكثير من الاطفال، الذين لا يجد أهاليهم ما يسد رمقهم.
يقول حامد لـ "مضمون جديد" القتل اليومي في حلب على شاكلتين: الاولى بالقصف سريع، والاخرى بالجوع بطيء.
يقول من اصعب انواع الموت ان تنظر الى اطفالك يتضورون جوعا، لا يجدون ما يسد حاجتهم الدنيا من الطعام، وانت تقف عاجزا عن فعل شيء.
بالنسبة له، لم تعد المسألة مسألة مال، فحتى من يمتلك المال لا يستطيع طعام يشتريه لأطفاله، فما قيمة المليون ليرة في بيتك إن لم تجد شيئاً لتشتريه فيها.
ويضيف، كلما كان عمر الطفل اصغر كلما عانى معه والده اكثر. والكارثة في حليب الرضع.
يقول: ما تفعل رضيعة وقد جفّ صدرها برضيع يموت بين يديها جوعا.
ويضيف، كثراً ما ينام طفلي الرضيع وهو يشرب الماء والسكر من الرضاعة البلاستيكية. وليت السكر والماء يدومان لنا، إن الحصول على علبة حليب فرحة للاسرة كلها، ونكاد نقيم احتفالاً حين يحدث ذلك، ونقوم باستخدام مواد غذائية بديلة.
لكنه يخشى. أما ما يخشاه فتدهور صحة الأطفال بشكل مستمر، فالكل يعاني من نقص واضح في الوزن.
"صحيح ان اهل الخير يرسلون ما يطيقون للاسر لكنها ليست كافية، أبداً فهي كميات محدودة جداً وتوزع على عدد كبير من الأسر والعائلات المنكوبة".
ووفق حامد، "استغل بعض التجار الجشعين هذه الظروف، فمنهم من يكدس مواداً غذائية في مستودعات سرية خاصة به، ويطرحها بالأسواق تدريجياً وبكميات بسيطة جداً، وحجته في ذلك أن الوضع الحالي قد يطول ويجب أن نقتصد باستهلاك المواد الغذائية حتى تكفي لأطول فترة ممكنة.
ربما كلامه صحيحا، لكن الصحيح أكثر منه أن أطفال حلب يموتون جوعا.
لكن حامد يعود ويسأل: لو كان كلام هؤلاء التجار صحيحا لم رفعوا أسعار حتى عدل الطعام سعر الذهب.
في حلب بعض التجار يحتكرون كل شيء، يساعدهم في ذلك آلة عسكرية لا تميز بين طفل أو شيخ أو امرأة، ونظام يستخدم الجوع لارهاق المواطنين.
نبيل كمال المهندس الذي ترك وظيفته في الازمة ويعمل متطوعاً في فرق الإغاثة المحلية إن لجان الإغاثة تقوم بعمل جيد ومفيد جداً ويخفف الكثير من المعاناة عن أهلنا في حلب، إلا أن عملنا ليس كافياً، فالملايين من المواطنين يقيمون في حلب ولا يجدون أصلاً مكاناً ينزحون إليه سوى التنقل بين الاحياء الحلبية وهؤلاء الملايين يحتاجون إلى اطنان من المواد الغذائية يومياً ولا تستطيع فرق الإغاثة بالتعاون مع المتبرعين تأمين ربع ما يحتاجه سكان المدينة.
هكذا يرى المهندس كمال أطفال حلب: مصابون بسوء التغذية وبوهن عام في أجسادهم وآباء يقفون عاجزين وأمهات لا يملكن سوى دموعهن.. والكارثة ان الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
إستمع الآن