الأدب العالمي يفقد أحد وجوهه بوفاة كونديرا.. جرد من جنسيته 40 عاما

الرابط المختصر

خسر الأدب العالمي وجها من وجوهه برحيل الكاتب الشهير، ميلان كونديرا، بعد معاناة طويلة مع المرض.

وغيّب الموت الكاتب الفرنسي التشيكي كونديرا، مؤلف "كائن لا تُحتمل خفّته" بعد ظهر الثلاثاء عن 94 عاما في باريس، حيث يقيم منذ عشرات الأعوام.

وأعربت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك عبر "تويتر" عن "حزن شديد" لرحيل ميلان كونديرا، مذكّرة بأنه "اختار فرنسا كي لا يتوقف أبدا عن أن يكون حرا".

وأضافت: "كان يساعدنا على مرّ الصفحات على أن نكتشف من نحن، وعلى أن نجد طريقا وسط عبثية العالم. وبرحيله، يغيب أحد أهم أصوات الأدب الأوروبي".

وأوضحت دار "غاليمار" التي تتولى نشر كتب كونديرا منذ مدة طويلة لوكالة فرانس برس الأربعاء، أنه "توفي بعد ظهر الثلاثاء 11 تموز/يوليو 2023".

وفي تصريح لوكالة فرانس برس أيضا، قالت آنّا مرازوفا، الناطقة باسم "مكتبة ميلان كونديرا" في مدينة برنو التشيكية، مسقط رأس كونديرا: "للأسف، أستطيع أن أؤكّد لكم أنّ ميلان كونديرا توفّي بعد معاناة طويلة من المرض".

وعبّر كونديرا في مؤلفاته بسخرية عن حال الإنسان، بأبعادها السياسية والغرامية والإباحية، وكان بين الكتّاب النادرين الذين أُدرجت مؤلفاتهم وهم بعد على قيد الحياة في مجموعة ("لابلياد") المرموقة، وتُرجمَت كتبه إلى نحو 50 لغة.

وجُرّد كونديرا الذي ولد تشيكيا من جنسيته الأساسية، ثم استعادها بعد أربعين عاما، لكنه يحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 1981.

وكان يُفترَض بهذا المُدافع عن الحرية المولود في الأول من نيسان/أبريل 1929، الذي عايش الشيوعية، أن يكون موسيقيا كوالديه.

وكان ميلان كونديرا في البداية روائيا محبا للموسيقى، وكتب نصوصه الأولى، وهي قصائد باللغة التشيكية، على طريقة السوناتات.

إقلال إعلامي

في ستينيات القرن العشرين، صدرت لكونديرا عندما كان لا يزال تشيكيا روايتان هما (المزحة) التي أشاد بها الشاعر الفرنسي أراغون و(غراميات مرحة)، تضمنتا تقويما مريرا للأوهام السياسية لجيل انقلاب براغ، الذي مكّن الشيوعيين عام 1948 من الوصول إلى السلطة.

وأصبح كونديرا من المغضوب عليهم في بلده بعد ربيع براغ؛ فغادره إلى فرنسا عام 1975 مع زوجته فيرا التي كانت نجمة في مجال تقديم البرامج على التلفزيون التشيكي.

وبعد حصوله على الجنسية الفرنسية، اختار الكتابة بلغة موليير؛ تعبيراً عن قطعه صلته بوطنه الأصلي الذي جرّده من جنسيته عام 1979، ثم أعادها إليه عام 2019. ومن أبرز الكتب التي صدرت له في فرنسا "رقصة الوداع" و"كتاب الضحك والنسيان".

وفي 1984، صدر "كائن لا تُحتمل خفّته" الذي يعتبره البعض رائعته، وهي رواية حب تتغنى بالحرية، وموضوعها هو حال الإنسان.

واقتُبس من هذا الكتاب لاحقا فيلم سينمائي من بطولة جولييت بينوش ودانيال داي لويس.

وكان كونديرا مقلا في الأحاديث الصحفية، وامتنع عن الإدلاء بأي منها منذ منتصف الثمانينيات؛ إذ كان يفضّل أن يتناول الإعلام مؤلفاته فحسب دون أي موضوع آخر، وكان يعيش مع زوجته فيرا في وسط باريس بعيدا من الأضواء.

وتداول مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من مرة أخبارا مغلوطة عن وفاته كان يتبين أنها غير صحيحة. وكان اسم كونديرا يُطرح باستمرار كأحد المؤهلين لنيل جائزة نوبل للآداب، لكنه لم يحصل عليها قطّ.

كرمته إسرائيل

يذكر أن كونديرا تلقى جائزة عام 1985 من دولة الاحتلال الإسرائيلي "جائزة القدس"، وألقى بمناسبة ذلك كلمة في المدينة المحتلة،  قائلا إنها الجائزة الأهم التي تمنحها إسرائيل للأدب العالمي.

وتغزل كونديرا بدولة الاحتلال قالة إن الجائزة تعود إلى تراث طويل، لشخصيات يهودية رفيعة، أبعدت عن أرضها الأصلية، تتعالى على المشاعر القومية، بحسب تعبيره.

وتابع في كلمته كما جاء في مقال سابق للكاتب "سليم البيك": "أبدت (إسرائيل) دائماً حساسيّة استثنائية تجاه أوروبا ما فوق القوميّات، أوروبا المعرَّفة ليس كأراضٍ بل كثقافة. إن كان اليهود، حتى بعدما أُحبطوا بشكل تراجيدي من قبل أوروبا، قد بقوا مخلصين رغم ذلك لهذه العالميّة الأوروبية، فإنّ إسرائيل، مكانهم الصغير الذي وجدوه أخيراً".

وأضاف: "تبرز (إسرائيل) أمام عينيّ كالقلب الحقيقي لأوروبا، قلب غريب موضوع في ما بعد الأجساد. أستقبل اليوم بمشاعر جياشة هذه الجائزة التي تحمل اسم جيروسالم ودمغةَ هذه الروح الكبيرة العالميّة اليهوديّة".

ويعلق كاتب المقال بأن "هذه الكلمات القليلة التي كتبها كونديرا في إسرائيل، تفي في تبيان رؤية الكاتب لدولة الاحتلال، وهي رؤية لا تنم عن الجهل، فلا مجال لذلك، بل عن تواطؤ مع أدبيّات الاحتلال الصهيونية التي جاء على أساسها إلى فلسطين. وهي، فوق ذلك، "حفلة تفاهة" من "كائن لا تُحتمل خفّته" (بالإذن من كونديرا نفسه) حين يصف إسرائيل بأنها تتعالى على المشاعر القوميّة"، وهي التي ما تزال تقاتل بعد سبعة وستين عاماً على قيامها من أجل دولة يهوديّة محدّدة الديانة والقوميّة".