مداخل في قراءة التراث العربي

 تعد كتب المقدمات أو المداخل من أهم الكتب التي يجب قراءتها قبل الولوج في الدراسة بأي مجال، هذه الفكرة أحد أهم قناعاتي، بل وطريقة مهمة من طرق قراءاتي للكتب، خاصة تلك التي لا أملك في أمورها دراية كافية، ذلك لما بها من منافع في فهم النصوص الجديدة التي نتعرض لها، أو الأفكار التي نحن بصدد مناقشتها.

ومن  هذا المنطلق شرعتُ في قراءة كتاب”مداخل في قراءة التراث العربي“لمؤلفه الدكتور عبد الحكيم راضي، حيث يضم الكتاب في طياته مقدمات لبعض الكتب التي تمثل عيون التراث العربي، وقد كتبها راضي إبان فترة رئاسته لسلسلة الذخائر الصادرة عن”الهيئة العامة لقصور الثقافة“.

 

لم تكن الكتب المنشورة في سلسلة الذخائر – وهي سلسلة تصدر من التسعينات حتى الآن – مختصة بفن واحد دون سائر الفنون، بل تعتني بكل النصوص التراثية، فهناك المجموعات الأدبية، والكتب النقدية، والمتون السياسية، والمعاجم اللغوية، والدواوين الشعرية، والسيرة الذاتية أو التراجم الأدبية لفئة معينة، والرسائل الأدبية، وكتب الليالي، والتاريخ بمعناه العام، والتاريخ الاجتماعي، وكتب التصوف، وكتب الجغرافيا.

ويقع الكتاب في ثلاثمائة وتسعين صفحة، ويحوي ستة أقسام، وهي:

القسم الأول  بعنوان”التراث والحاضر“، ويضم خمسة كتب وهي:

«أوراق بغداد»، «الفلاكة والمفلوكون – الدلّجي»، «مقاتل الطالبين – الأصفهاني»، «نهج البلاغة – الشريف الرضي مختارات من كلام الإمام علي»، «عيون الأخبار- ابن قتيبة»، «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية سيرة صلاح الدين – بهاء الدين بن شداد».

أما القسم الثاني والمعنون بـ”المد الديني والسياسي وتفاعل الثقافات“فيضم أربعة كتب، هي:

«الحيوان – للجاحظ»، «مفاتيح العلوم – للخوارزمي»، «المسالك والممالك – للإصطخري »، «تحقيق ما للهند من مقولة – البيروني».

والقسم الثالث والمعنون بـ”حوار المشرق والمغرب“فيضم ثلاثة كتب وهي:

«العقد الفريد لابن عبد ربه»، «دار الطراز لابن سناء الملك»، «والمقتطف من أزاهر الطرف – لابن سعيد».

القسم الرابع، الذي كان عنوانه”في الثقافة اللغوية والفنية للأديب“ضم ثلاثة كتب وهي:

«جواهر الألفاظ – قدامة بن جعفر»، «الاقتباس من القرآن الكريم – الثعالبي»، «الوشي المرقوم – لابن الأثير».

القسم الخامس والمعنون بـ”قضايا معاصرة بين يدي التراث“فيضم كتابين فقط وهما:

«الصاحبي لابن فارس»، «والأشباه والنظائر – الخالديين».

وأخيرًا يضم القسم السادس دراسة عن كتاب”البيان والتبيين – للجاحظ“بعنوان:”منهج في التأليف لم يقدر حق قدره“.

عبدالحكيم راضي

 

وتكمن أهمية الكتاب – من وجهة نظري – في احتوائه على مقالات تحليلية ونقدية آية في الجمال، وهي مقالات تعريفية كتبها راضي بنفسه، دون مقدمات محققين الكتب، وكانت مقالاته تتعمق في قراءة الكتاب، أو سيرة مؤلفه أو تحليل معنى عنوان الكتاب الذي يكتب مقدمته، وبالتالي فقيمة الكتاب لا تقتصر على كونه يضم مقدمات للكتب التي نحن بصدد قراءتها أو مثلما نقول نحن”مراجعات“فالكتاب يتعدى ذلك بتقديمه دراسات فنية وأدبية ولغوية عن تلك الكتب.

 فمقالات راضي في كتابه المذكور، تقدم إضاءات كاشفة وذكية عن النصوص التراثية التي نشرها، بالإضافة إلى طريقته في التحدث عن الكتاب نفسه، في تخصصه المنشور فيه، بمعني أنه يوضّح مكانة الكتاب بين الكتب السالفة واللاحقة في نفس الفن، وبذلك يقدم لك نظرة عامة على ذلك الفن وبعض ما كُتِب فيه من كتب أو رسائل، مع تبيانه لمكانة العرب في القدرة على التأليف في كل المواضيع، ووصولهم في ذلك إلى ذروة سنام العلم في الفن الذي يريدون الحديث عنه. 

 والأمر الآخر أن ذلك الكتاب فاتحة جيدة لمن يريد الاستزادة في قراءة التراث العربي والتوسع في دراسته، لما يقدمه من دراسات لكتب متنوعة سواء في التاريخ أو الأدب أو السيرة أو دراسات اجتماعية، وسبق عرض أسماء تلك الكتب، غير أن هناك مقدمات تعريفية أخرى لكتب نشرها راضي ولم يضمها في كتابه المذكور، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التام: «تفسير الفاتحة وجزء عم للإمام محمد عبده»، «الفهرست لابن النديم»، «التحدث بنعمة الله لجلال الدين السيوطي»، «فاكهة الخلفاء ومُفاكهة الظرفاء لابن عربشاه»، «أساس البلاغة لجار الله الزمخشري»، وغيرهم الكثير، وهي مقالات وإن كانت ممتعة في كتابتها، إلا أنها أحيانًا في بعض الكتب، كانت مختصرة للغاية.

وأخيرًاهذا الكتاب يمكن قراءة كل مقالة فيه منفصلة عن الأخرى، فهو إن اتصل في معناه – وأقصد اهتمامه بالتراث العربي – فقد انفصل في مبناه، فأينما قرأت استفدت، وأيضًا الكتاب درس مهم لأولئك الذين يتخطون مقدمات الكتب معتقدين في ظنَّهم أنها دون فائدة ترجى منها، ولا طائل من إضاعة الوقت في قراءتها، فهذا وهم في ظنَّي، وإنما توجد في المقدمات المفاتيح الأساسية لمزيد من الإضاءات والكشف لما أنت مقبل على قراءته، فربما تُعينك مقدمة على الفهم، أو البحث بشكل أكبر في الفن الذي يوجد فيه الكتاب، بمعنى أن تُحيلك مقدمة إلى كتاب آخر، ولا تكتفي فقط بما قرأت.

 ومذهبي في القراءة  وما أراه في الكتب، أنها تُكمَّل بعضها بعضًا، وهي خلاصة من خلاصات الطناحي قد بسّط القول فيها، في مقالاته التي نشرها في مجلدين من إصدار دار البشائر الإسلامية، حين تحدث عن وحدة المكتبة التراثية، وتعاون بعضها بعضا، ولا يجوز قراءة أي متن تراثي بعيدًا عن الآخر، ففي كتب النحو ما يوضَّح كتب التفسير، وفي كتب التراجم علومًا غير التراجم، وهي حسبما يقول أن تجد العلم في غير مظانه، حتى أصبح التراث العربي جزءًا واحدًا، وإن تنوعت أساليب التأليف والتصنيف فيه.

وقد فعل الكتاب وكاتبه خيرًا كثيرًا إليّ، فبسببه قرأت (كتاب الحيوان) للجاحظ في سبعة أجزاء، بتحقيق عبد السلام هارون، وبسبب حديثه عن الثقافة الأدبية واللغوية بدأت في كتاب (معجم الألفاظ) لقدامة ابن جعفر بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، وبسببه اقتنيت أعدادًا جمة من سلسلة الذخائر، خصوصًا التي عقد عنها فصلًا في كتابه، أو كتب عنها مقالة، وكان ذلك الكتاب هو الخطوة الأولى التي فتحت عيني وروحي على كتب التراث العربي، وأزالت الكثير من الصعوبات والأوهام التي كانت في رأسي عن التراث؛ مخافة وعورة اللغة، أو وحشة المتون التراثية، أو عدم فهمي لها، لبُعدي في الزمان والمكان عن كتّابها، إلا أنَّني وجدت نفسي في هذا الكتاب، فكانت قراءته خيرًا، وصحبته فائدة، والاطلاع عليه أُنسًا ومتعة، وبسببه حلمت أن أقتني كل أعداد سلسلة الذخائر، والحمد لله حصًّلت منها أعدادًا كثيرة، وأسال الله الباقي حتى التمام!

ولتوضيح قيمة الكتاب أكثر نقتبس فقرة مما كتبه دكتور سليمان العطار في مقدمته للكتاب؛ حيث قال:

«أيها القارئ الكريم، أنت مدعو لوليمة معرفية مغذية للعقل والروح، وصانعة للأمل والمستقبل، ومفجرة  لطاقات التراث، ومعبئة لذاتك من ذاتك، فكما سبق لي القول: « التراث عضو من أعضاء نفسك، وهو اللون والرائحة والطعم والطاقة لهويتنا التي حار أعداؤها فيها».

 

صدر الكتاب في عام 2016، في سلسلة تراث عن مكتبة الأسرة المصرية.

* بالتعاون مع موقع عربي360

أضف تعليقك