الأردن أم سوريا.. من المستفيد من فتح “نصيب”؟

الأردن أم سوريا.. من المستفيد من فتح “نصيب”؟
الرابط المختصر

شهدت التعاملات التجارية بين سوريا والأردن تسارعًا ملحوظًا بعد أسبوعين على فتح معبر جابر- نصيب، والذي نتج عن تفاهمات سياسية، لتبدأ المراهنات على الفائدة الاقتصادية الأكبر لكلا الطرفين.

 

ومع فتح المعبر قبل أسبوعين، بدأت الأسواق في الأردن تشهد انتعاشًا متسارعًا وسط تهليل من مواطنين أردنيين في مواقع التواصل، إذ وجدوا الطريق إلى سوريا متنفسًا تجاريًا واقتصاديًا يصل إلى السياحة، ليرد ناشطون سوريون بأن فتح المعبر صب في مصلحة الأردن بدل أن يفك الحصار عن سوريا التي تعيش حربًا طويلة.

وجاء افتتاح المعبر في 15 من تشرين الأول الحالي، بعد ثلاث سنوات على إغلاقه نتيجة سيطرة المعارضة على المنطقة الحدودية، لتنقطع العلاقات بين الأردن وسوريا بعدها، لتعود التفاهمات الدولية مجددًا بعد سيطرة قوات الأسد على المعبر في تموز الماضي.

 

 

اتفاق المعبر ينص على السماح للمواطنين السوريين بالدخول إلى الأردن بعد الحصول على موافقة أمنية مسبقة، في حين يجب على الراغبين بالسفر ترانزيت عبر الأردن إلى دول ثالثة، الحصول على إقامة أو تأشيرة للدولة المسافر إليها أو القادم منها.

 

 

كما يسمح لسائقي السيارات العمومية السورية بالدخول إلى الأردن، لنقل المسافرين دون موافقة مسبقة وفق آلية اتفق عليها الطرفان، في حين يسمح الاتفاق للسوري الدخول بسيارته الخاصة التي لم تحمل لوحة سورية على أن تكون أوراقها قانونية.

 

 

ورغم غياب الإحصائيات الرسمية لعدد العابرين إلى سوريا حتى اليوم، قدرت إحصائيات وزارة النقل الأردنية عدد المغادرين من المعبر بأكثر من ألفي مسافر يوميًا إلى سوريا.

 

 

مواطنون أردنيون استفادوا مرحليًا

استغل مواطنون أردنيون افتتاح معبر جابر- نصيب، للتوافد إلى الأسواق السورية وشراء البضائع التجارية والزراعية وحتى المحروقات، نظرًا لانخفاض أسعارها مقارنةً بالأسواق الأردنية.

 

 

وأسهمت التسهيلات المتاحة للأردنيين، إلى جانب فارق العملات والأسعار، بانتعاش الأسواق الأردنية والتوافد إلى المدن السورية القريبة والأقل كلفة في الشراء من نظيرتها الأردنية، بحسب ما قال معاون وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، في حديث إلى عنب بلدي.

 

 

وأضاف المصري أن وفرة الأسواق السورية بالمنتجات ورخص أسعارها، وخاصة الزراعية، انعكس إيجابيًا على الأسواق الأردنية، لتبدًا كل القطاعات فيها بالتحسن والانتعاش، بدل أن يكون ذلك في سوريا التي تعيش حربًا منذ ثمانية أعوام.

 

 

كما أن الأردنيين من تجار ومواطنين يستطيعون شراء المواد الغذائية والمحروقات وغيرها من الجانب السوري، دون فرض أي ضرائب على تلك المشتريات، وهذا ما أثار انتقادات من بعض النواب السوريين في مجلس الشعب الذين طالبوا بإعادة النظر بالشروط المفروضة بين الجانبين.

 

 

ومع التوافد الكبير للأردنيين إلى سوريا، سجلت حركة العبور أكثر من ألفي مسافر يوميًا بحسب الإعلام الأردني الرسمي، معظمهم يدخلون بسياراتهم الخاصة التي يملؤونها بالبنزين ويشترون حاجاتهم من الأراضي السورية، إضافة لقضاء سياحة رخيصة في دمشق.

 

 

الصحفي الأردني ورئيس تحرير راديو “صوت البلد”، محمد عرسان، قال لعنب بلدي “إن البضائع في سوريا أرخص من الأردن، وحتى السياحة في دمشق أرخص بكثير من السياحة في عمان نفسها”، إذا تعتبر العاصمة عمان من أكثر المدن غلاءً في المنطقة.

 

 

وصنفت صحيفة “الإيكونوميست” البريطانية عمّان بأنها أغلى المدن العربية، في تقرير نشرته في أيار الماضي، بينما احتلت المرتبة 29 عالميًا.

 

 

ويوضح عرسان أن 70% من التجارة في شمالي الأردن، خاصة في مدن الرمثا وإربد، تعتمد على البضائع السورية بشكل رئيسي، مشيرًا إلى أن الكثير من المحلات في تلك المنطقة أقفلت بعد إغلاق المعبر قبل ثلاث سنوات.

 

 

الأردن يفتح شرايين لتصدير بضائعه

الأردن يستفيد أيضًا من حركة البضائع والرسوم على الشاحنات عبر الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وهذا يقود إلى الجانب الأهم وهو تصدير البضائع إلى أوروبا عبر ميناء طرطوس، بدل النقل البحري من ميناء العقبة مرتفع التكلفة.

وكان وزير الزراعة السوري، أحمد فاتح القادري، أعلن عن اتفاق مع الجانب الأردني على تسهيل تصدير الفواكه والخضار الأردنية إلى دول أوروبا الشرقية، عبر سوريا.

جاء ذلك خلال اجتماع القادري، الاثنين 22 من تشرين الأول، مع وفد جمعية المصدرين الأردنيين في دمشق، حيث قال إن من بين الاتفاقات التجارية الموقعة بين الأردن وسوريا، بعد فتح معبر نصيب، هو تقديم تسهيلات لإعادة تصدير المنتجات الزراعية الأردنية إلى أوروبا الشرقية وروسيا عبر ميناء طرطوس السوري.

وبحسب الاتفاق الذي نشرته صحيفة “الغد” الأردنية، سيتم إعفاء البضائع الزراعية الأردنية المعاد تصديرها عبر ميناء طرطوس من الرسوم المعتادة، بنسبة 80%، حسبما قال القادري.

ويوضح عرسان الفائدة الأردنية باعتماد ميناء طرطوس، “الطريق من عمان إلى العقبة يستغرق نحو أربع ساعات وبتكلفة عالية حتى في أسعار المحروقات ضمن الأراضي الأردنية، أما التكلفة الأكبر فكانت بالنقل البحري من ميناء العقبة إلى طرطوس ومن ثم إلى أوروبا، هذه التكلفة كانت تثقل الاقتصاد الأردني”.

ومن جهة أخرى، يطمح الأردن لفتح الطريق الواصل من سوريا إلى تركيا عبر معابر الشمال السوري، لتكتمل فائدته، كما يقول عرسان، إذ ما زالت تلك المعابر مغلقة منذ أعوام مع سيطرة المعارضة السورية عليها، وسط حديث دولي عن إعادة فتحها، لما يمثل ذلك من مصلحة مشتركة لدول المنطقة بما فيها تركيا.

ومع اجتماع هذه الظروف المحيطة بالأسواق الأردنية من ركود اقتصادي وغلاء معيشي، صب افتتاح المعبر مع سوريا في مصلحة الأردن على المدى القصير على الأقل، لكن هذا لا يعني أن سوريا ستكون خاسرة، وإنما تستفيد في جميع قطاعتها خاصة وأن عائدات التجارة والزراعة والسياحة ستصب في صالحها ولكن على المدى الطويل.

سوريا مستفيدة.. على المدى الطويل

لا شك أن للمعبر فائدة على الجانبين لما يقدم من انتعاش على كل الأصعدة، لكن النظام السوري سيستفيد بشكل أكبر سياسيًا واقتصاديًا، بعد أن بدأ يقدم نفسه كمنتصر ويعود لدوره العربي والدولي ضمن مؤسسات الدولة الرسمية وبدعم إقليمي، كما يقول المحلل الاقتصادي عبد الحكيم المصري.

ويضيف المصري، “سيبدأ التحسن الملحوظ في جميع القطاعات السورية في الأشهر المقبلة وليس على المدى العاجل، إضافة لما سيقدمه المعبر من اتفاقيات تصدير إلى الخليج وأوروبا تصب في صالح النظام”.

وبعد جمود الأسواق السورية خلال السنوات الماضية وتدني أسعارها خاصة في المنتجات الزراعية التي لا تجد قنوات لتصريف البضائع، بدأت تلك القطاعات تشهد انتعاشًا وارتفاعًا في أسعارها، ما سيقدم فائدة تعود على المواطنين ومؤسسات الدولة، وخاصة إذا بدأ الاهتمام بالقطاعات الصناعية وتأهيل المنشآت المدمرة لتعاود إنتاجها وتصديرها.

ويرى المصري أن الأسعار اليوم في سوريا بدأت بالتغير إلى الأفضل وخاصة الزراعية، موضحًا، “بعض المواد فقدت من الأسواق لأنها قليلة مع توافد المشترين الأردنيين، والآن هناك مواسم زراعية رخيصة لعدم وجود أسواق تصريف عند السوريين، بينما هي مطلوبة لدى الأردنيين وغالية الثمن، وهذا أدى لرفع الأسعار في الأسواق السورية وعادت عليها بفوائد كبيرة، بينما لن تستفيد الحكومة في الوقت الراهن لأنها مرحلة تجريبية”.

غير أن المعبر مع الأردن يعتبر الطريق الوحيد لتصدير البضائع السورية وخاصة المنتجات الزراعية إلى دول الخليج العربي، بما يعود بالفائدة الاقتصادية على الأسواق السورية ويسهم برفع سوية تلك الأسواق المجمدة منذ سنوات، وسيكون محفزًا لفتح المعامل والمصانع مجددًا، بحسب المصري.

وفي الجانب الآخر، فإن العزلة السياسية الطويلة للنظام السوري، دفعته بمساعي حلفائه الروس لفتح المعبر بأي ثمن، وذلك لتسويق نفسه عربيًا ودوليًا وإظهار نفسه بموقع المنتصر بعد عزلة وأزمة استمرت لسنوات خاصة مع الجانب الأردني.

ووفقًا للمصري، فإن الانهيار الاقتصادي للنظام السوري الذي يغرق في ديون عظمى قد تصل إلى 100 مليار ليرة في خزينته، دفعته أيضًا للبحث عن كل الوسائل لترقيع ذلك العجز الاقتصادي في بلد مدمر عمرانيًا وماليًا، خاصة بعد أن خسر معظم مصادره النفطية الموزعة بين حليفيه الروس والإيرانيين وكذلك الأمريكيين شرقي سوريا.

وبالعودة إلى العهد الجديد بين الأردن وسوريا الذي بدأ باتفاق سياسي يؤدي إلى إعادة العلاقات إلى سابق عهدها، التي بدأت بفتح المعبر، فإن الطرفين مستفيدان على جميع الأصعدة، وسيحصد النظام الفوائد الأكبر نظرًا لتردي الأوضاع في بلد غارق في الحرب والدمار.

وهذا ما يراه الصحفي الأردني محمد عرسان أن لسوريا فائدة كبيرة من فتح معبر جابر-نصيب، أهمها تصدير بضائعها إلى الخليج.

وتسابق الأردنيون على تصريف العملات قبل الدخول إلى سوريا، حيث وصلت بعد أسبوع على فتح المعبر في مدينة الرمثا الأردنية إلى نحو مليار ليرة سورية، بحسب نائب رئيس جمعية الصرافين الأردنيين، مقبل المغايرة، في 20 من تشرين الأول الحالي.

كما سيستفيد النظام السوري برفد خزينته بمليارات الدولارات، جراء الضرائب الجمركية التي سيحصل عليها من مرور الشاحنات سواء على المعبر، أو شاحنات الترانزيت من لبنان، إلى جانب الاتفاقيات الأخرى وتصدير بضائعه إلى الخليج وغيرها.

ولم تستقر معالم التعامل بين الأردن وسوريا بشكل نهائي، خاصة وأن الوقت القصير على افتتاح المعبر يعتبر بمثابة مرحلة تجريبية، ويمكن لاحقًا أن تتجلى صورة التفاهمات الثنائية التي تعود بفوائد على الجانبين.

ومع تزايد المباحثات لإتمام الاتفاقات الخاصة بمعبر نصيب، يبدو المعبر شريانًا حيويًا للمنطقة برمتها، خاصة وأن الأنظار اللبنانية والعراقية بالدرجة الأولى تترقب نجاح تجربة إعادة فتح المعبر، ما يعني أنه قد ينعكس على كل دول المنطقة ويسهم بانتعاشها الاقتصادي.