سياسات مالية تهدد القطاع الزراعي في الأردن... وإجراءات غير مسعفة!



“ مزرعتي رزقي ورزق أولادي ما ألنا غيرها شو بدو يصير فينا لما أنحبس ”هكذا عبر المزارع أبا راشد من منطقة الأغوار الشمالية بعد أن عدد المشكلات المالية التي أوصلته التفكير بالتخلي عنها في ظل حياة معيشية قاسية تعيشها الدولة جراء الأزمة الاقتصادية.

ويقول الستيني أبو راشد البشتاوي لموقع "عمان نت" وهو رب أسرة مكونة من 7 أفراد، إن حال مزرعته بدأ بالتدهور منذ حوالي ثماني سنوات إذ سيطرت الظروف المناخية وارتفاع كلف الإنتاج والمنافسة غير العادلة الأمر الذي دفعه لطرق باب الإقراض الزراعي والشركات التجارية الزراعية إلا أن بات الحال يضيع بين حقوق أسرته وديون بفوائد متراكمة يؤكد فيها أنه سيكون خلف قضبان السجون بعد بدء تنفيذ قرار حبس المدين.



ويضيف المزارع مكرم المراشدة من لواء الرمثا، أن تذبذب فتح باب التصدير مقابل زيادة كميات الإنتاج التي تفيض عن حاجة السوق المحلي وارتفاع الرسوم والضرائب فأقمت الأزمات التي يشكو منها المزارعين في المنطقة، ناهيك عن ارتفاع أثمان الطاقة والمياه الزراعية منوها لاحتمالات وخيمة يدرسها المزارعون بعد كل هذا الضعف في إدارة الشأن المالي للقطاع.



فوارق مالية

وفي سياق المنافسة بفرق تكاليف الإنتاج، يقول أنها غير عادلة بعد ما قدمت المنظمات المانحة كل الدعم المالي للوافدين إلى أن جعلت كلفة الإنتاج لمزارعهم (صفر دينار أردني) الأمر الذي يساعد في طرح المحاصيل في الأسواق بسعر يقل ثلاثة مرات عن سعر ذات الصنف الذي يزرعه.

ويشير التقرير السنوي لوزارة الزراعة لعام 2018، أن 9 ملايين دونم في الأردن تعد صالحة للزراعة والمستغل منها يقارب نحو 4 ملايين دونم، إذ تبلغ المساحة المزروعة بالمحاصيل الحقلية والحبوب تجاوزت 500 ألف دونم، والخضراوات 596 ألف دونم، والأشجار المثمرة 371 ألف دونم، والزيتون 908 آلاف دونم.

وفي تصريح صحفي سابق لعميد كلية الزراعة التكنولوجية في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور سميح أبو بكر، قال فيه“ الأمن الغذائي يمثل أعلى مراتب الأمن المجتمعي، ولا يمكن اختزال الزراعة بمساحة 3 ملايين و600 ألف دونم فقط أي ما يمثل 4 % من مساحة الأردن الإجمالية خاصة وأن هذا القطاع يشغل ما يزيد عن 250 ألف أسرة أردنية.

 الزراعة الوافدة والتصدير

من جانبه يستهجن المدير العام لاتحاد عام المزارعين في الأردن محمود العوران، الإدارة المالية الضعيفة للقطاع في الأردن مقارنة مع الدول المجاورة التي تقدم حوافز للمزارعين بعد أن أثبت هذا القطاع أهميته في ظل الجائحة كورونا والمشكلات السياسية الدولية.



إذ يؤكد أن القطاع الزراعي لم يعامل أسوة بالقطاعات الحيوية الأخرى في الدولة، وترك المزارع يواجه التحديات ويدفع الرسوم والضرائب ويقدم أيضا رسوم إلى البلديات التابع لها.



ويتساءل العوران عن كف النظر عن“ مجلس الأمن الغذائي ”الذي تم استحداثه تأثرا بالأحداث الأوكرانية الروسية التي أثبتت هشاشة الأمن الغذائي العالمي فكان هذا المجلس الذي يترأسه رئيس الوزراء الحالي بشر الخصاونة بديلا عن المجلس الزراعي الأعلى لكنه لم يرى النور حتى هذه اللحظة ولم يعقد له حتى اجتماع واحد منذ التأسيس.



أما في شأن التصدير، يوضح العوران أن تكاليف الشحن الجوي مرتفعة جدا إذ عند وصول المنتج الأردني لدول أوروبا ومنها الشرقية (التي بعدما أغلقت أبواب الشحن البري لسنوات عدة لاعتبارات سياسية) لا يستطيع المنتج المنافسة بسبب كلفته باهظة الثمن ويستفيد الأردن بنسب قليلة جدا من منتجات وادي الأردن عند تصديرها وهنا ينوه لأن تستفيد الحكومة من أساليب التحفيز التي تتبعها الدول المجاورة لتصدير منتجاتها.

 وينوه العوران إعادة النظر بالخطط والاستراتيجيات فيما يخص المشاريع الزراعية للوافدين لأن تستفيد الدولة من هذه المشاريع ويتم تنظيمها وفقا لأسس علمية لا أن تزرع الخضار في أراضي البقوليات كما هو حاصل في مناطق الرمثا، موضحا أن منافسة الوافد أصبحت تتعدى المالية بل وصلت لكسب ثقة ومصداقية أعلى من الأردني لدى“ أسواق الجملة المركزية”.



المزارع وحيدا أمام التحديات

واعتبر الخبير الزراعي م. مازن أبو قمر، ضعف الإجراءات الائتمانية والتأمينية المتبعة في البلاد من أبرز مسببات ضعف حصول المزارعين على التمويل لمشاريعهم سواء من البنوك أو المؤسسات المالية الأخرى بالإضافة لتحدي تكاليف الإنتاج الذي نتج عن عدم حصول المزارع على الدعم الكافي من الحكومة في وجود ارتفاعات عالمية على أسعار الطاقة.



وما تسبب أيضا في ترك المزارع يواجه صعوبة في تحدي الأعباء المالية، هي كذلك السياسات المالية التي اعتمدت على القطاع على مر السنوات الأمر الذي أدى لتقليل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.

 ورغم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في الأردن، مثل تقلبات الأسعار وقلة الأمطار والتغيرات المناخية، والتي يمكن أن تؤثر سلبا على المزارعين، تعمل وزارة الزراعة بكافة كوادرها لتحسين واقع القطاع الزراعي والنهوض به وتوفير السلع والمنتجات الزراعية في الأسواق المحلية أو تصديرها إلى الأسواق العالمية، وفقا لأبو قمر.

معيقات تحد من الاستثمار

ويوضح أبو قمر أن المستثمر يواجه العديد من المعيقات تدفعه للهروب أو النفور إلى دول مجاورة، وهي صعوبة الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة لإنشاء وتشغيل مشروعة يعزو ذلك للإجراءات البيروقراطية الطويلة والمعقدة ناهيك عن القيود الجمركية والضرائب في استيراد المواد والمعدات اللازمة، وأخيرا يضع المستثمر في حساباته شح المياه مقابل الزيادة السكانية وتدهور جودة المياه الجوفية.

 ويصف أبو قمر المشاريع الزراعية الصغيرة والكبيرة في الأردن بأنها في العموم تعاني انخفاض الملاءة المالية وضعف القدرة على التأقلم مع التغيرات أو التقلبات، في ظل إدارة القطاع الزراعي والتداخلات الكبيرة فيه فإن المزارع يكون الأكثر تأثرا بالعوامل المحيطة داعيا لاتخاذ إجراءات تسهم في زيادة استقرار وثبات المزارعين.



القروض والسلف حلول وهمية

وأكد أبو قمر أن القروض الزراعي من وسائل عالمية شائعة لتمويل الأنشطة الزراعية إلا أنها ليست حلا دائما لعدة أسباب بينها فوائد القروض التي تجعلها في الختام غير مجدية خاصة بعد فقدانهم الاستقلالية في قراراتهم المالية بعد أن يصبحوا مدينين، مرجحا أن يؤدي الاقتراض الزراعي وسلف الشركات الزراعية التجارية إلى ديون زائدة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل مالية كبيرة في المستقبل.



تصريحات رسمية

وبدوره صرح الناطق الرسمي لوزارة الزراعة لورنس المجالي لموقع عمان. كنت ، أن إدارة القطاع تتقاطع مع وزارات الطاقة والمياه العمل وهنا لكل منها سياساتها التي تنطبق على المزارعين والمستثمرين الزراعيين، مؤكدا لا يوجد مزارع وافد بل هو مستثمر زراعي يتم تشجيعه.



وفي شأن كلف الإنتاج، يفسر المجالي أن الأردن من بين الدول المستوردة للتضخم بسبب المستوردات التي ارتفعت أسعارها عالميا، وتعتمد حل استهداف المدخلات من خلال إيقاف حصرية البيع وفتح المجال لاستيراد وتنوع مدخلات الإنتاج وخلق منافسة إضافة إلى استثناءات وصلت برسوم بعضها إلى الصفر.



وعن فائض الإنتاج، يوضح يتم التعامل معه حاليا من خلال إنشاء مصانع في مناطق الأغوار بالإضافة لتنفيذ حملات الإرشاد الزراعي وتوجيه الإنتاج نحو محاصيل التصدير والنقص المحلي، مؤكدا عدم إغلاق باب التصدير منذ أن تأسست الوزارة.

وفي ما يخص القروض الزراعية فقد تم طرح ما يصل إلى ١٢٠ مليونا خلال عامين أغلبها دون فائدة، أما شروط المؤسسة فإن أموالها تعتبر محفظة للقطاع الزراعي ومن الواجب المحافظة عليها ليستفيد منها أكبر عدد ممكن.



وإلى جانب تنفيذ الخطة الوطنية للزراعة المستدامة تم إنشاء“ الشركة الأردنية الفلسطينية لتسويق المنتجات الزراعية ”التي نجحت في فتح 20 سوقا أوروبيا جديدا، إضافة إلى عقود مع المزارعين بآلاف الأطنان إلى جانب إنشاء 63 حفيرة وسد خلال العام الماضي و2500 بئر تجميع مياه، وفقا للمجالي.



مضيفا“ تم تقديم منح قروض دون فائدة وتأجيل قروض إنشاء مصانع في الأغوار ومعارض دائمة للمنتجات الريفية في عمان وإربد وتأهيل وتطوير الإرشاد الزراعي ومحاور كثيرة أدت إلى نهضة في القطاع الزراعي وقد جاءت نتائجها في حجم الصادرات والدخل القومي”.

 

التعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,

 

أضف تعليقك