هل أصبح الادخار مستحيلا للشباب في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وثبات الأجور ؟
في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، أصبح الادخار تحديا صعبا للكثيرين، كما هو الحال بالنسبة للعشريني علي، الذي يعيل أسرته المكونة من خمسة أفراد.
ويوضح علي بأنه مع تزايد الأعباء المالية مثل سداد أقساط القروض والفواتير المختلفة، يجد نفسه غير قادر على ادخار أي مبلغ يذكر، حيث بالكاد يغطي راتبه الاحتياجات الأساسية.
من جهتها، تجد الثلاثينية رلى، صعوبة في الادخار أيضا نظرا لمحدودية دخلها الشهري البالغ 450 دينارا، فمصاريفها الأساسية تلتهم الجزء الأكبر من راتبها، وتؤكد أنه في حال حاولت الادخار، ستكون مضطرة للعيش في حالة من التقشف، مشيرة إلى أن انخفاض الرواتب وارتفاع النفقات مثل تكاليف المواصلات، والملابس، وفواتير الهواتف والإنترنت يجعل الادخار شبه مستحيل، خاصة في ظل ثبات الأجور وارتفاع الأسعار.
"خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود"، مقولة أصبحت من الماضي على حد قول الثلاثيني حسام، في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة، بين مصاريف المدارس، والمواد الغذائية، ومتطلبات الحياة اليومية المتزايدة، يجد حسام أن الادخار بات أمرا صعبا.
في المقابل، يتمكن العشريني خليل باقتطاع مبلغ بسيط من راتبه مع نهاية كل شهر لمواجهة الظروف الطارئة، باعتباره يعمل في وظيفتين، حيث يعتمد على التخفيضات والعروض لتجنب النفقات الزائدة ويخصص جزءا من دخله للادخار.
وفقا لدراسات غير رسمية، تقدر الفجوة بين نفقات الأسر ودخلها الشهري قد تصل إلى 1000 دينار، فيما يجد المواطن غالبية ما يتقاضاه شهريا يذهب لسداد الأقساط والفواتير وثوابت شهرية، بينما يتلاشى ما تبقى للإنفاق من دون تخطيط.
وأظهرت أرقام البنك المركزي أن نسبة الادخار انخفضت في العام 2022 إلى 4.35 % من 9.35 % في العام 2017، مقابل زيادة متطلبات الإنفاق على الاحتياجات الأساسية وارتفاع كلفة المعيشة.
أسباب تعيق عملية الإدخار
ويعرف اقتصاديون الادخار بأنه عملية تخصيص جزء من الدخل أو الإيرادات لتجنب إنفاقه بهدف استخدامه لاحقا أو لتحقيق أهداف مالية مستقبلية، ويمكن أن يتم الادخار عبر ايداع الأموال في حسابات بنكية أو بالاستثمار.
توضح رئيسة قسم التمويل في جامعة عمان العربية،الدكتورة عهود الخصاونة، أن الأردن، شأنه شأن العالم، يواجه تحديات اقتصادية كبيرة تجعل من الادخار أمرا صعبا، مشيرة إلى أن ارتفاع معدلات البطالة وتكاليف المعيشة، الناتجة عن التضخم والظروف السياسية والحروب في المنطقة، قد زادت من صعوبة الادخار.
وتضيف الخصاونة أن ارتفاع أسعار الفائدة ساهم بشكل كبير في تآكل رواتب الأفراد، خاصة أولئك الذين يحملون قروضا منزلية أو شخصية، مما زاد من صعوبة الادخار، ووفقا للبنك المركزي الأردني، فإن سعر الفائدة الرئيسي على جميع أدوات السياسة النقدية في المملكة بلغ 7.5%.
كما تشير إلى أن الالتزامات الشهرية مثل تكاليف السكن، المياه، الكهرباء، البنزين، وارتفاع أسعار السلع دون زيادة في الأجور، قد زادت من الضغوط المالية على المواطنين، مما يجعل الادخار أمرا شبه مستحيل بالنسبة للكثيرين.
تقرير البنك الدولي يوضح أن معدل دخل الأسرة الأردنية السنوي يبلغ حوالي 11.512 ألف دينار، بينما يصل متوسط الإنفاق إلى 12,519 دينارا سنويا، مما يشير إلى فجوة كبيرة بين الدخل والإنفاق.
كما يذكر أن آخر مسح لدخل ونفقات الأسرة في 2017-2018 أظهر أن معدل الفقر في المملكة بلغ 15.7%، وقد قدر خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) في عام 2010 بحوالي 813.7 دينارا للفرد سنويا، أي ما يعادل 366 دينارا شهريا للأسرة المعيارية المكونة من 5.4 أفراد، مقارنة بـ 680 دينارا للفرد سنويا في عام 2008، وهو ما يعادل 323 دينارا شهريا للأسرة المعيارية المكونة من 5.7 أفراد.
الشباب وتحديات الادخار
تدهور الوضع الاقتصادي أثر على جميع شرائح المجتمع، مما دفع الكثيرين إلى إعادة النظر في طريقة عملهم وانفاقهم، ومع ذلك، لا تزال هناك فجوة نتيجة ضعف الدخول التي لا تغطي جميع الاحتياجات.
وترى الخصاونة أن ثقافة وضع ميزانية صحيحة للأسرة غير منتشرة بما يكفي، وغالبا ما يكون الإنفاق عشوائيا، لذلك، يجب تعزيز هذه الثقافة، رغم أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت.
تشير الخصاونة إلى أنه إذا كانت هناك إمكانية لتحسين فرص العمل المتاحة للأفراد، والبحث عن فرص إضافية لزيادة الدخل، فإن ذلك سيساهم في حل العديد من المشكلات المالية، ولكن في ظل ضعف الفرص الوظيفية المتاحة، ينبغي إعادة تخطيط عملية الإنفاق بعناية.
لتحقيق الادخار، يجب إعادة النظر في طريقة الإنفاق، ووضع خطط شهرية دقيقة والمحافظة على التوازن بين الدخل والمصاريف الشهرية، كما يجب تحديد الأولويات في الإنفاق، والبحث عن البدائل الأقل تكلفة، بالإضافة إلى تجنب الاقتراض، كونه أحد العوامل التي تعرقل عملية الادخار بشكل كبير، بحسب الخصاونة.
وتؤكد على أهمية وضع ميزانية دقيقة وشاملة لدخل الفرد، وتحديد أولويات الإنفاق من خلال التركيز على الأهم فالمهم، مضيفة الى أنه يجب وضع هدف واضح للادخار، سواء كان ذلك للتعليم، لشراء منزل، أو لإنشاء مشروع.
من الحلول: ريادة الأعمال
تسعى الدول إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، من خلال عدة استراتيجيات، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور، تقديم الدعم المالي للأسر المحتاجة،و توسيع شريحة الإعفاء الضريبي، والسيطرة على معدلات التضخم من خلال ربط معدلات التضخم بالأجور.
في الأردن أصبح التوجه نحو دعم المشاريع الريادية والصغيرة، حيث يتم التركيز على تمكين الأفراد ليصبحوا مصادر دخل لأنفسهم بدلا من الاعتماد على دعم الحكومة، وذلك نظرا لصعوبة السياسات الاقتصادية المطبقة.
وتوضح الخصاونة أن الشباب في الأردن لديهم توجهات مختلفة عن السابق، حيث يظهرون روح المبادرة والمغامرة ويسعون باستمرار لتطوير أفكارهم بهدف تحسين دخلهم وظروفهم المعيشية عبر تأسيس مشاريع صغيرة، إضافة إلى ذلك، تسهم العديد من مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب جهود فردية، في التوعية بأهمية ريادة الأعمال وإنشاء المشاريع الصغيرة لتحسين مستوى المعيشة وزيادة الدخل.
هذا وأطلقت الحكومة العديد من البرامج لتعزيز ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة من بينها برنامج تمويل المشاريع الانتاجية والتجارية والخدمية والحرفية الجديدة للأفراد ، والذي يهدف إلى دعم و تمكين كافة الفئات المستهدفة في كافة محافظات المملكة على إنشاء مشاريع جديدة خاصة بهم في كافة المجالات بهدف مساعدتهم للاعتماد على الذات وتشجيعهم على العمل الحر والريادة، وتقديم التمويل الميسر لهذه المشاريع ضمن المزايا وشروط محددة.