كيف يتحول الإنترنت إلى نافذة لتطرف الشباب؟

الرابط المختصر

كريم، شاب في مقتبل العشرينات، عاش في أحد أحياء منطقة عين الباشا في البلقاء، وعانى من ظروف اقتصادية صعبة كان يبحث عن فرصة لتحسين حياته، فوجد نفسه يقضي الكثير من وقته على الإنترنت، حيث كان يتفاعل مع مجموعات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي.

يقول كريم " في البداية، كانت هذه المجموعات تناقش قضايا اجتماعية وسياسية بطرق مشوقة وجذابة، شعرت أن هناك من يفهم معاناتي ويرى العالم من منظور" إلا أن الحال تغير بعد عدة أشهر من التفاعل، بدأ يتعرض لأفكار أكثر تطرفًا تتعلق بالظلم الاجتماعي والسياسي الذي يشعر به، وتم إقناعه ببطء – كما يقول – بأن العنف هو السبيل الوحيد لحل هذه المشاكل. "قدموا لي هوية وانتماء زائفًا وأوهموني بأنهم يدعمونني في معركتي الخيالية لتحقيق العدالة".

استمرت رحلة كريم في التورط بالأفكار المتطرفة، وبدأ يتواصل مع أعضاء في جماعات مشبوهة عبر الإنترنت. في نهاية المطاف، تم اعتقاله من قبل الجهات المعنية بعد أن تم رصد نشاطه عبر منصات التواصل الاجتماعي وقبل أن يتورط في أعمال عنف.

 لم يفضل كريم الخوض في تفاصيل ما حدث لاحقا إذ تعرض لملاحقة قانونية بسبب تواصله مع هذه الجماعات وأفكاره المتطرفة،ولخص حالته بالقول"  صبحا عبرة لغيري من الشباب الذين يتعرضون لخطر التجنيد الإلكتروني، في الوقت الذي كمن اسعى فقط لتحسين حياتي وجدت  نفسي في مواجهة مع القانون، وأدركت متأخرا  أن العنف لم يكن حلاً لمشاكلي بل زادها تعقيدا ".

 

تعريف التطرف المجتمعي

عرفت الدكتورة ملك السعودي، أخصائية المساندة والإرشاد النفسي والاجتماعي في جمعية معهد تضامن، التطرف المجتمعي في حديثها لصوت شبابي بأنه "مفهوم يشير إلى السلوك الذي يتجاوز الحدود المقبولة اجتماعيًا وقيم المجتمع". يتعلق التطرف الاجتماعي بتبني آراء ومواقف متطرفة وعدم التسامح مع الآخرين الذين يختلفون في العقيدة أو الثقافة أو العرق أو الجنس أو الهوية الجنسية أو الاعتقادات السياسية. يمكن أن يظهر التطرف الاجتماعي بأشكال مختلفة، بما في ذلك التشدد الديني الزائد، والعنف الجماعي، والتعصب العنصري أو القومي، والعداء الشديد تجاه المجتمعات الأخرى.

 

وأوضحت الدكتورة ملك السعودي لصوت شبابي أن أسباب التطرف المجتمعي والتجنيد الإلكتروني تتمثل في غياب الفرص الاقتصادية والمهنية، مما يدفع الشباب للشعور باليأس والإحباط، مما يجعلهم عرضة لتأثير الجماعات المتطرفة التي تقدم وعودًا بتحقيق أهداف شخصية أو مالية. ضعف التعليم والتوعية الفكرية يسهم في ترك الشباب دون أدوات نقدية لمواجهة الأفكار المتطرفة، مما يسهل التأثير عليهم عبر الخطاب المتطرف. يعيش بعض الشباب في عزلة اجتماعية أو يواجهون رفضاً مجتمعياً، مما يدفعهم للبحث عن الانتماء في جماعات متطرفة توفر لهم هوية وإحساساً بالانتماء. تستغل الجماعات المتطرفة مشاعر الغضب أو الإحباط لدى الشباب، سواء كانت ناتجة عن الظلم الاجتماعي أو السياسي، وتستغل هذه المشاعر للتجنيد.

 

آليات التجنيد الإلكتروني

بحسب ما ذهبت إليه أبحاث مركز السلم المجتمعي، يؤثر استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في تجنيد الأفراد ضمن الجماعات المتطرفة. حيث تستخدم هذه الجماعات الإنترنت من خلال صفحات وهمية ومنصات التواصل الاجتماعي في عمليات التجنيد الإلكتروني واستقطاب العناصر بعد التأثير عليهم واستدراجهم من خلال الصفحات التي يكون ظاهرها إيجابي وباطنها غير ذلك.

وأكد مركز السلم المجتمعي لدى حديثنا معهم "أن الجماعات المتطرفة تستخدم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لأنها تمكنهم من الوصول إلى عدد كبير من الأشخاص حول العالم بسرعة وسهولة، مما يعزز قدرتهم على نشر أفكارهم وتجنيد أفراد جدد. بفضل الخوارزميات التي تتابع اهتمامات الأفراد، يمكن لهذه الجماعات توجيه محتوى معين لفئات مستهدفة بشكل أكثر فعالية. هذا المحتوى قد يتضمن رسائل تجنيديه أو محتوى يعزز من مشاعر العداء والكراهية.

 

أثر العزلة والاضطرابات النفسية في زيادة خطر التجنيد الإلكتروني

أكدت الدكتورة ملك السعودي لصوت شبابي أن العزلة تعتبر أحد أبرز العوامل التي تزيد من خطر تجنيد الشباب عبر الإنترنت. عندما يشعر الفرد بالعزلة أو بأنه غير مرغوب فيه في المجتمع، يصبح أكثر عرضة للبحث عن مجتمع بديل يشعر فيه بالانتماء والتقدير. الجماعات المتطرفة تقدم للشباب الذين يعانون من العزلة شعوراً زائفاً بالانتماء والهوية، مما يجعلهم عرضة للتجنيد. 

الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، القلق، أو الشعور باليأس، قد يكونون أكثر عرضة للاستجابة لدعاية الجماعات المتطرفة. هؤلاء الأفراد قد يجدون في الأفكار المتطرفة وسيلة للتغلب على مشاعرهم السلبية أو إحساسهم بالضعف. الجماعات المتطرفة قد تستغل هذه الاضطرابات النفسية وتستخدمها كمدخل للتلاعب العاطفي، خاصة عبر الإنترنت.

 

أثر التجنيد الإلكتروني على المجتمع

قال الأستاذ أنس عثمان، خبير أمن سيبراني، لصوت شبابي: "إن التطرف المجتمعي والتجنيد الإلكتروني لهما آثار سلبية عميقة على المجتمع، ومن أبرزها تدهور الأمن والاستقرار. فالتطرف غالبًا ما يؤدي إلى أعمال إرهابية أو عنف مجتمعي، مما يؤثر بشكل مباشر على استقرار وأمان المجتمع. كما يؤدي انتشار التطرف إلى فقدان الثقة في المؤسسات الحكومية والتعليمية، مما يعزز التهميش ويزيد من انخراط الشباب في الحركات المتطرفة".

 

دور التعليم والتوعية في مكافحة التطرف

قالت الدكتورة نجوى القبيلات، الأمين العام السابق لوزارة التربية والتعليم، لصوت شبابي: "يمكن أن تلعب المدارس دورًا رئيسيًا في تحصين الشباب ضد مخاطر التطرف الإلكتروني. التعليم الجيد والمعرفة المبكرة يساهمان في بناء وعي متكامل وقادر على مواجهة التحديات الحديثة التي يفرضها العصر الرقمي."

 

يمكن للمدارس استغلال الإذاعة المدرسية لتعليم الطلبة أهمية الانتماء الوطني ومناقشة المخاطر التي تهدد المجتمع بما في ذلك التطرف. يمكن للمدارس أيضًا التعاون مع خبراء أمن المعلومات لتقديم محاضرات توعوية حول استهداف الجماعات المتطرفة للشباب عبر الإنترنت.

 

دور الخطاب الديني في مواجهة التطرف المجتمعي والتجنيد الإلكتروني

وأشار الأستاذ الدكتور عامر الحافي، من كلية الشريعة في جامعة آل البيت، ل صوت شبابي: "الفهم الخاطئ أو المتشدد للنصوص الدينية يُعد عاملاً رئيسياً في تحفيز التطرف. الجماعات المتطرفة تروج لتفسيرات متشددة لتبرير أفعالها. لكن من خلال الخطاب الديني المعتدل، يمكن تصحيح هذه المفاهيم وتقديم فهم صحيح ومتوازن للدين يعزز قيم التسامح والرحمة والعدالة."

 الخطاب الديني المعتدل يرفض تمامًا استخدام الدين لتبرير الأعمال الإرهابية أو التطرف، ويركز على الدعوة إلى السلام والمحبة ونبذ العنف.