فن "الستاند آب كوميدي" يستهوي الشباب الأردني ويكسر التابوهات المجتمعية
وسط ضحكات وتصفيق لا يتوقفان، يروي الشاب عبدالله صبيح قصة رحلته في البحث عن عمل بعد تخرجه من الجامعة، ويخبر الجمهور الذي ملأ المسرح عن تفاصيل مقابلات العمل، وعن طلبات الخبرة، ومقدار الراتب، وساعات الدوام، بطريقته الساخرة، وحركات جسده التي تكمل صورة السخرية من واقع الحال.
بهذه الطريقة يحول صبيح (26 عاما) مشكلة اجتماعية تؤرق نسبة كبيرة من شباب الأردن ذكورا وإناثا، إلى طرفة تثير الضحك، عبر ما يعرف بفن "الستاند آب كوميدي" الذي بات يفرض نفسه بقوة في المشهد الفني الأردني كما يرى صبيح، رغم حداثته في المملكة، بعد أن تمكن من استقطاب قاعدة جماهيرية واسعة.
صبيح الذي بدأ بتقديم عروض "الستاند آب كوميدي" منذ نحو 3 أعوام يرى أن الإقبال على هذا النوع من الفنون الساخرة، يرجع إلى قدرته على تناول المشكلات التي يعاني منها الشباب، ويجدون صعوبة صعوبة فكثير من الأحيان الحديث عنها بسبب القيود المجتمعية والقانونية.
ويضيف صبيح ل "صوت شبابي" أن الضحك والتفاعل مع قصصه أمر طبيعي في ظل تشابه القضايا والهموم والتحديات التي يعيشها الشباب، وفي وتنطبق مع مواقف حدثت للكثير ممن يحضرون العروض، معتبرا أن فن "الستاند آب كوميدي" "حول الهموم إلى مثار للسخرية والتندر، بدلا من أن تشكل حالة إحباط مجتمعية في ظل فقدان الأمل بتغير الواقع لدى فئة الشباب".
أما يوسف البطاينة الذي بدأ مشواره مع الـ"ستاند آب كوميدي" منذ أعوام قليلة بعد أن تلقى تدريبا على الأداء أمام الجمهور بأحد الأندية المتخصصة في العاصمة عمان، وكان ذلك التدريب طريقه لدخول هذا العالم الكوميدي من بابه الواسع كما يصف، ويجذب بحسه الدعابي وأدائه الساخر عدد كبيرا من المحبين لحضور عروضه داخل العديد من المسارح والقاعات، ومنصات التواصل الاجتماعي.
ويقول البطاينة في حديثه لـ"صوت شبابي" إنه ورغم حداثة فن الـ"ستاند آب كوميدي" في الوطن العربي، والذي قدره بـ15 عاما فقط، إلا أنه لاقى رواجا كبيرا، لأنه منحهم فرصة لم تكن متاحة لهم في السابق للتعبير عن أنفسهم وعن مشكلاتهم الاجتماعية، وعرف الآخرين بطبيعة مجتمعاتهم بشكل عام.
ولا ينحصر هذا الأمر على الجمهور داخل المسرح، لا بل على متابعيه عبر المنصات الاجتماعية، التي يمتلك عليها ما يفوق النصف مليون متابع ومتفاعل، مع ما يبثه من فيديوهات له و لزملائه خلال العرض المسرحي، "لذلك حالة الضحك تتجاوز جدران المسرح لتنتقل إلى فضاء السوشيال الميديا الواسع، الذي يضم ملايين الأردنيين والعرب الذين يشاهدون وينقلون تلك الفيديوهات".
مساحة خطيرة من الحرية
لا شك أن مجتمعاتنا تحتاج للكوميديا كما تقول أستاذة علم الاجتماع نهى سرور، وهذه الحاجة ليس فقط من أجل الضحك وحسب، "بل نخفي وراء تلك الضحكات درجات من النقد المجتمعي الذاتي الذي يعد وسيلة مهمة لنمو، وتمكينها من إصلاح عيوبها وتقويم مشاكلها، لذلك فإن الكوميديا مهمة في نقد المشاكل التي يعاني منها المجتمع، وهذا ما يعتمد عليه فن "ستاند آب كوميدي" بالأساس.
سرور أضافت خلال مقابلة مع "صوت شبابي" أن التواصل المباشر مع الجمهور لمناقشة مشكلاتهم بشكل مباشر دون الحرج من الحديث عنها، يكسر الكثير من "التابوهات" التي يمتنع الناس عن مناقشتها، فالجمهور يشعر بالتواصل مع الكوميدي إذا حكى عن حياته الشخصية ومواقفه الخاصة ووجد فيه نفسه أو مجتمعه، وهذا يشعره أنه ليس وحيدا وأن تغيير ما يفكر فيه، بل وما يفعله، أمر ممكن الحدوث.
لكن هذه الإيجابيات بحسب سرور ليست بالتأكيد حلولا للمشكلات، بل وسيلة جيدة للتخفيف من حدتها على المجتمعات العربية التي كانت وما زالت تعاني من اختلالات مرتبطة بالعادات والتقاليد، وقيود قانونية وأمنية.
ما هي جذور الستاند آب كوميدي؟
يُعرف فن "الستاند آب كوميدي" بأنه "نوع من الأداء الكوميدي الذي يعتمد على تفاعل الفنان المباشر مع الجمهور من خلال سرد بعض النكات والمواقف المضحكة التي حدثت له شخصيا أو عايشها" وانتشر هذا الفن مطلع الألفية الجديدة في المملكة، وبدء بالاتساع حتى بات يحترفه العشرات، ويتابعه الآلاف، وتقام له عروض مخصصة في المسارح العامة والخاصة، وخلال السنوات الخمسة الأخيرة تم إنشاء نادي يقوم بتدريب الشباب على "الستاند أب كوميدي".
لكن العديد من المراجع التاريخية تعيد جذور "الستاند آب كوميدي" إلى الهند قبل آلاف السنون، عندما نشأت هناك فنون السخرية والقصص الهزلية (Hasya Kavita)، إذ كان الفنانون يستخدمون الفكاهة لنقل رسائل اجتماعية وسياسية من خلال قصص مضحكة ومواقف هزلية خلال المهرجانات الدينية والاجتماعية،.
أما في التاريخ الحديث فقد بدأ فن "الستاند آب كوميدي" خلال القرن التاسع عشر في بريطانيا والولايات المتحدة، على شكل عروض المسرح الغنائي، وكان أشبه بإلقاء النكات ليس أكثر، ثم تطور خلال الحرب العالمية الثانية وأصبح جزءاً من المسرحيات الهزلية بشكل أكثر احترافية، وفي ستينيات القرن الماضي بدأ يأخذ "الستاند آب كوميدي" مكانته كفن مستقل بذاته، وزاد انتشاره خلال السبعينيات والثمانينيات.