شباب "السوشيال ميديا" بين شبح البطالة وحلم الثراء
ما أن تستيقظ من النوم ظهرا حتى تسارع إلى التقاط هاتفها المحمول وتصفح حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحصي عدد المشاهدات وإشارات الإعجاب، وقراءة التعليقات على البث المباشر الذي كانت تطل عليه عبر منصة "تيك توك" حتى ساعات الصباح الأولى، وبذلك تكون العشرينية التي تعرف بنفسها عبر المنصات الاجتماعية بـ"رغد " قد بدأت يوماً جديدًا من حياتها المحصورة داخل منصاتها الاجتماعية.
تقول رغد التي أنهت تعليمها الجامعي حديثا بتخصص اللغة العربية، وتقطن في محافظة مادبا جنوب العاصمة الأردنية عمان، إنها تجد نفسها على "السوشيال ميديا" وتستطيع التعبير عن رأيها في كل القضايا الاجتماعية والحياتية، عدى عن تكوين صداقات، وزيادة معرفتهم بما يجري في مختلف دول العالم.
رغد التي تصف نفسها بـ"صانعة المحتوى" أضافت لـ" صوت شبابي" أن امتلاكها لنحو ربع مليون متابع على منصات "فيسبوك، تيك توك، وانستغرام" جعل من تلك المنصات ذات فائدة مالية لها أكثر من دخل أي وظيفة في مجال تخصصها كما تصف، من خلال تصويرها إعلانات مدفوعة الأجر لمحال تجارية أو مطاعم ومقاهي في محافظات أو مدن المملكة الأخرى.
وبينت العشرينية رغد أن جمعها للمتابعين جاء عن طريق الصدفة، بعد أن كانت تصور مقاطع فيديو عن تفاصيل يومها الدراسي في الجامعة بمشاركة زميلاتها، الأمر الذي لقي متابعة كبيرة من طلبة جامعتها أو الجامعات الأخرى، "بعد مدة قصيرة من تصوير الفيديوهات خلال سنتي الدراسية الثانية أصبحت استقبل مئات الرسائل التي تطالبني بتصوير المزيد من الفيديوهات عن الجامعة وساحاتها وقاعات الدراسة فيها".
وفق تقرير حديث لـ"وحدة دراسة الأسواق في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات إنتاج" فقد بلغ عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في الأردن، "حوالي 6.4 ملايين، بنسبة استخدام تصل إلى 56% من سكان الأردن، في حين تصدر فيسبوك القائمة بـ5.3 ملايين مستخدم، يليه يوتيوب بـ6.4 ملايين مستخدم، إنستغرام بـ3.7 ملايين، تيك توك بـ1.7 مليون، وتويتر بـ1.1 مليون مستخدم، في حين يبلغ عدد مستخدمي سناب تشات 3.4 ملايين".
وفق تقرير حديث لـ"وحدة دراسة الأسواق في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات إنتاج" فقد بلغ عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي المختلفة في الأردن، "حوالي 6.4 ملايين، بنسبة استخدام تصل إلى 56% من سكان الأردن، في حين تصدر فيسبوك القائمة بـ5.3 ملايين مستخدم، يليه يوتيوب بـ6.4 ملايين مستخدم، إنستغرام بـ3.7 ملايين، تيك توك بـ1.7 مليون، وتويتر بـ1.1 مليون مستخدم، في حين يبلغ عدد مستخدمي سناب تشات 3.4 ملايين".
محتوى تعليمي وفائدة مالية متبادلة
هوس رغد بمواقع التواصل واعتباره كمهنة أو وظيفة تعتاش مها، لا يختلف كثيرا لدى العشريني سامي الرافعي، إلا أن الفرق يكمن في كونه يقدم عبر حساباته معلومات مفيدة على عكس "الرقص والغناء والسلوكيات المنافية للعادات والتقاليد والأخلاق المجتمعية" حسب وصفه.
سامي الذي أنهى دراسته الجامعية قبل عامين بتخصص المحاسبة، ويتنقل بالسكن بين محافظة جرش شمال العاصمة عمان، ومدينة دبي، بين لـ"صوت شبابي" أنه يحاول نقل ثقافات الشعوب وأغرب عاداتهم لمتابعيه، معتبرا أن هذا هو الأساس الذي وجدت من أجله المنصات الاجتماعية، "السوشيال ميديا طبقت المقولة التي كنا نسمعها منذ الصغر بأن العالم قرية صغيرة، فأنا قادر على معرفة أي أمر أرغب به في أي مكان حول العالم.
يتابع سامي الذي يملك ما يزيد عن 400 ألف متابع أنه لا ينكر أنه يستفيد ماليا من منصاته الاجتماعية، وقرر وقف البحث عن عمل لأن ما يجنيه أفضل من دخل الوظيفة، إلا أنه في المقابل يقدم معلومات مفيدة وثرية لمتابعيه، الذين لا يبخلون عليه كما يصف بالهدايا والجوائز عند ظهوره على تلك المنصات.
وأوضح سامي أن الشركات المشغلة لمواقع التواصل تدفع لهم الأموال مقابل زيادة المتابعين والمتفاعلين مع ما ينشرونه و يقدمونهم لجمهورهم، وبالتالي تستفيد الشركات هي الأخرى أضعاف ما تقدمه لهم، من خلال ترويج منصاتها من جهة، وزيادة الإعلانات التجارية عليها من جهة أخرى.
في الربع الأخير من عام 2022 أخضعت الحكومة الأردنية جميع "مشاهير السوشيال ميديا" لضريبة الدخل، عبر الطلب منهم تقديم إقرارات ضريبة تتضمن إيراداتها عن جميع أنشطتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها ونشاطاتها، بعد أن تبين للسلطات المعنية حجم الأموال الكبير الذي يجنيه هؤلاء المشاهير أو ما يطلق عليهم "صناع المحتوى من إيرادات مالية".
خطر يهدد البنية المجتمعية
بلا شك منحت مواقع التواصل الاجتماعي بكافة مسمياتها، وتنوع آلية عملها، مساحة من الحرية للمجتمعات حول العالم، وتحديدا الأجيال الجديدة التي واكبت تصاعد تطورها، حتى أصبح الشباب اليوم خبراء ومختصين في التعامل مع تلك المنصات الاجتماعية، وتمكن الشباب كما يرى أستاذ علم الاجتماع حسن خزاعي، من تسخير إمكانياتها ومميزاتها لصالحهم.
إلا أن الخزاعي قال إنه ومع مرور الوقت لم يعد الأمر يتوقف عند حدود التسلية والتعارف والتعلم، بل أخذ البعض منصات التواصل إلى طريق مختلف، يقدمون من خلاله أي أمر يلفت الانتباه لزيادة المتابعين، وتحصيل الأموال بأي طريقة، حتى وإن كان ما يقدم يتنافى مع أي منطق أو عقلانية، وهذا مرده إلى نسب البطالة المرتفعة التي تعاني منها المملكة، وصعوبة الحصول على وظيفة في مجال التخصص الدراسي.
وبين خزاعي أن تعامل الشباب الجامعيين تحديدا مع الظهور عبر المنصات الاجتماعية كوظيفة سيؤثر على مستقبل هذه الفئة، التي لن يكون لها عنون أو صفة مجتمعية، عدى عن أنهم يزيفون الحقائق ويجملون الواقع أمام جمهورهم الشاب، ويدفع الكثير منهم لمحاولة تجربة ذات الأمر، والنتيجة ستكون سقوف طموح مرتفعة غير منطقية، وفراغ فكري وأخلاقي حسب وصفه.
وختم الخزاعي حديثه بالتحذير من أن تخلي الشباب عن العمل في مجال تخصصاتهم الجامعية التي تعبوا من أجل تعلمها، سيضر بسوق العمل الأردني على المدى القريب والبعيد، لأنه سوف يخلوا من أصحاب الخبرات والمهارات في العديد من التخصصات العلمية والمهنية.
يشار إلى أن معدل البطالة في سوق العمل بلغ 21.4 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري، بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية