"لم يترك فرصة عمل إلا وجربها في سبيل البقاء مع عائلته وأقاربه وأصدقائه" ولكن بعد انعدام الأمل في تحسين ظروفه الاقتصادية، بدأ فراس السعدي يبحث عن فرصة عمل وحياة جديدة خارج الأردن.
فقرار الهجرة ليس وليد اللحظة لدى السعدي، بل مر عليه سنوات من المحاولات المتكررة للبحث عن فرص عمل، وحاول فتح عمل خاص به، ولكن باءت محاولاته بالفشل، مما أدى إلى تراكم الديون وعدم القدرة على تسديد نفقاته الأساسية.
ولزيادة فرصه، قرر الشاب السعدي، الحاصل على شهادة في نظم المعلومات الإدارية، تغيير تخصصه الأكاديمي، أملا في الحصول على فرصة عمل أفضل، حيث درس الصحافة والإعلام ليطور نفسه ومستقبله، إلا أن ذلك لم يغير من واقعه شيئا، وانتقل بعدها للعمل في مجالات مختلفة، لكن دون جدوى.
وعندما بلغ السعدي 34 عاما دون أن يحقق استقرارا أو يؤسس أسرة، دفعه ذلك إلى الهجرة بطريقة غير شرعية إلى جورجيا، رغم رفضه لهذه الخطوة، لما فيها من مخاطر عديدة، بحثا عن فرص عمل لائقة وحياة معيشية أفضل.
في البداية توجه إلى تركيا، ولكنه لم يجد فرصة عمل مناسبة، فانتقل إلى جورجيان حيث وجد عملا مناسبا كدليل سياحي للمجموعات العربية والأوروبية، هذا العمل كان أفضل بكثير من ظروفه في الأردن في مراحل عديدة، على حد قوله.
سماسرة الهجرة
حال السعدي يعكس واقع العديد من الشباب الأردنيين الذين يشعرون بالإحباط بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم حصولهم على وظائف تناسب تخصصاتهم الأكاديمية أو مهاراتهم، ففي السنوات الأخيرة، اتجه العديد منهم إلى الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة ودول أخرى بحثا عن فرص عمل بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وينشط العديد من السماسرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصا فيسبوك، لتسهيل هجرة الشباب مقابل مبالغ مالية تصل إلى 9 آلاف دينار أردني، يدفع البعض إلى بيع ممتلكاتهم أو اللجوء إلى الاقتراض لتغطية تكاليف الهجرة بحثا عن حياة أفضل.
تضاعفت نسبة هجرة الأردنيين بطرق غير شرعية إلى ما نسبته 7% حسب تقديرات غير رسمية، ورغم عدم وجود أرقام أو دراسات دقيقة تشير إلى نسبة الهجرة غير الشرعية، إلا أن أبرز الوجهات التي يسعى إليها الأردنيون تشمل الولايات المتحدة وكندا وتركيا.
وفقا لأرقام وزارة الخارجية فإن عدد الأردنيين المسجلين رسميا على أنهم مغتربون في الولايات المتحدة يبلغ 100 ألف في العام 2015، فيما وصل عدد الأردنيين المغتربين في أمريكا والدول الأجنبية الأخرى 140 ألفا في العام 2021.
رحلة الهجرة
شاب أردني آخر يصف رحلة هجرته لـ "عمان نت" بقوله: " كانت الطريق ممتعة وأي مكان أفضل من الأردن، ليس بسبب تضاريس البلد، بل بسبب سوء إدارة الازمات والفساد الذي لم يترك مجالا للمبدعين، والواسطة التي دمرت البلد وكل شخص يحصل على فرصة بناء على الواسطة".
"من سنوات ونحن نعيش على وعود كاذبة" على حد ما يصفه هذا الشاب الذي تخرج من جامعة اليرموك بتخصص محاسبة، وبعد تخرجه بدأ بالعمل في التجارة بأنواعها في الأردن، ثم جاءت كورونا وزادت من سوء أوضاعه، وبدلا من أن يكون شابا جاهزا للاستقلال، أصبح شابا مهددا بالسجن بسبب الشيكات، على حد قوله.
ويضيف حاول البحث عن عمل في تخصصه لكن لم يجد فرصة، فذهب إلى العقبة للبحث عن عمل في المقاهي، ومن ثم حاول الذهاب إلى إيلات ولكن اندلعت الحرب، ثم جاء شخص أخبره عن رحلة الهجرة، فقرر دون تفكير، واستلف المال وغادر البلد.
"كان الله حامينا طوال الطريق، رغم أنني كنت معرضا للخطر في أي لحظة، لكنني شعرت أن الموت كعابر سبيل قد يكون أفضل من الحياة في الأردن"، بحسب وصفه.
ويكمل، أن تكلفة الرحلة كانت 9 آلاف دينار، شملت كل شيء، كنا نتواصل مع أشخاص لا نعرفهم، ومررنا عبر خمس دول بطريقة غير قانونية حتى وصلنا إلى الوجهة المطلوبة، كانت الرحلة مرهقة وخطرة، لكن لم يكن ذلك مهما، حتى لذة الوصول لم تكن مهمة، لأنه ليس سهلا العيش في بلد غير بلدك.
بعد ثمانية أشهر من الرحيل يقول الشاب "أنه لم يشعر بالحنين للبلد، ولا للشوارع، ولا للدوائر الحكومية، ولا للمستشفيات، ولا للأصدقاء أو الأقارب، فـ "نيكاراغوا" أفضل من الأردن".
دوافع هجرة الشباب
مشاهد الهجرة غير الشرعية كانت تشاهد عادة في دول تعاني من الحروب والدمار والفقر الشديد، بينما لم يكن متوقعا أن يلجأ الشباب الأردني إلى هذا النوع من الهجرة بحثا عن فرص عمل وحياة أفضل.
من جانبه، يرجع الخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور قاسم الحموري لجوء الشباب الى الهجرة غير الشرعية بحثا عن فرص عمل نتيجة سوء إدارة الموارد الاقتصادية المتراكمة، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية الحالية.
ويصف الحموري هذا الأمر بالمحزن جدا، حيث يجد الشباب الأردني مجبرا على الاقتراض وتحمل الديون لتحقيق حلم الهجرة والبحث عن فرص عمل في الخارج، مشيرا إلى أن الشباب يتركون الأردن بسبب غياب الأمن الاقتصادي، حيث لم يشهد البلد نموا اقتصاديا يستوعب الشباب في سوق العمل منذ سنوات طويلة.
ويضيف أن المصانع والشركات القائمة تغلق أبوابها ، والشيكات المرتفعة في ارتفاع مستمر، مما أدى إلى انكماش الاقتصاد الوطني وزيادة معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وارتفاع نسبة المديونية التي تثقل كاهل الاقتصاد وتمنع إنشاء مشاريع جديدة تستوعب العاطلين عن العمل.
هذا الوضع الخطير يعود إلى سوء توزيع الدخل والثروة وغياب العدالة الاقتصادية وفرص العمل، حيث إن 80% من الأسر تعاني من تحديات اقتصادية وبطالة، موضحا أن ثقافة العيب لم تعد موجودة في المجتمع، حيث نجد شبابا حاصلين على شهادات عليا يعملون في مهن مختلفة في سوق العمل، بحسب الحموري.
دخول لا تكفي الاحتياجات الأساسية
استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية كشف مؤخرا عن أن دخل 62% من الأردنيين لا يكفي لتلبية احتياجاتهم، في حين يستطيع 5% فقط من المواطنين التوفير من دخلهم الشخصي بعد توفير الاحتياجات الأساسية.
ويشير الحموري إلى أن الحد الأدنى للأجور، الذي يبلغ 260 دينارا، لا يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية لمن يريد تأسيس أسرة، مما يتطلب إعادة النظر في معدلات الأجور والبحث عن استثمارات جديدة لتوليد فرص عمل، وإعادة النظر في ضريبة الدخل المرتفعة لتشجيع الإنتاج المحلي وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين لتحريك عجلة الاقتصاد.
ويؤكد أن الوعود الحكومية بتوليد فرص عمل للشباب لم تترجم على أرض الواقع وهذا ما زاد من أعداد نسب البطالة في المجتمع إلى أعداد خيالية، حيث تتحدث الحكومة الآن عن عدم مواءمة الخريجين مع سوق العمل، وهذا غير مقبول، فالشباب الأردني مستعدا للعمل في أي مجال إذا كان الدخل مناسبا.
ويرى أن توليد فرص عمل من قبل الحكومة مجرد أمنيات نظرا لحاجة هذه الخطة إلى مليارات الدنانير وهو ما لا يتوفر بسبب عجز ميزانية الدولة، فلم نر مشاريع كبيرة منذ ما يقارب 15 عاما.
وفي ظل وجود 450 ألف عاطل عن العمل، أقرت الحكومة الأردنية خطة لتحديث الاقتصاد وتوفير مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات بمعدل 100 ألف وظيفة سنويا، بهدف تحسين مستوى حياة المواطنين كما يقول القائمون عليها.