رغم ما تشير إليه الأرقام الرسمية الأخيرة إلى انخفاض طفيف في معدل البطالة في الأردن، إلا أن هذه التقديرات بحسب خبراء في الشأن العمالي لم تحدث تغييرا ملموسا على واقع البطالة الذي يشهد ارتفاعات غير مسبوقة.
بحسب دائرة الإحصاءات العامة فإن معدل البطالة في الأردن خلال الربع الأول من عام 2024 سجل 21.4%، وهو نفس المستوى المسجل في الربع الرابع من عام 2023، ومنخفضا عن المستوى المسجل في ذات الربع من العام الماضي بنسبة 0.5%.
بدأت معدلات البطالة بالارتفاع بشكل كبير منذ عام 2016 ، حيث وصلت إلى 15.3% بعد أن كانت 13.7%، واستمرت في الارتفاع حتى وصلت 24.8 % خلال الربع الثاني من عام 2021 نظرا لتداعيات جائحة كورونا في عام 2020، ورغم التراجع الطفيف الحالي، إلا أن المعدلات لم تعد إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، والتي بلغت نحو 19%.
يرى رئيس مركز بيت العمال، المحامي حمادة أبو نجمة، أن هذه الأرقام تشير إلى أن آثار جائحة كورونا لا تزال موجودة في سوق العمل، حيث لم يطرأ سوى انخفاضات طفيفة، وتدلل على استعادة بعض الوظائف في سوق العمل.
ويضيف أبو نجمة أن الواقع الاقتصادي المتأزم، وعدم وجود نمو اقتصادي فعال يحفز على استحداث فرص عمل جديدة، هي من الأسباب التي أدت إلى الارتفاعات المستمرة في معدلات البطالة، مشيرا إلى أن هذه التفاوتات في الأرقام لا يمكن اعتبارها انخفاضا ملموسا أو تغييرا حقيقيا في واقع البطالة.
تبلغ معدلات البطالة في المتوسط العربي حوالي 11%، بينما يبلغ متوسط البطالة في العالم الغربي حوالي 6%، وقد عادت الأرقام في معظم الدول إلى مستوياتها السابقة بعد تحديات جائحة كورونا، بينما بقيت الأرقام في الأردن كما هي.
عوامل مزمنة ومستجدة للبطالة
هناك عوامل متعددة للبطالة في المملكة، تشمل عوامل مزمنة وأخرى مستجدة حدثت خلال الفترة الأخيرة، وأثرت على ارتفاع معدلات البطالة، من بين هذه العوامل الظروف الاقتصادية في المنطقة وإغلاق بعض الأسواق مثل الاسواق العراقية وسوريا، أما العوامل المزمنة المفروض معالجتها تشمل مشكلة مخرجات التعليم التي لا تتوائم مع سوق العمل، وفقا لخبراء في الشأن العمالي. حسب أبو نجمة
"ورغم سعي الحكومة لتحسين هذه المشكلات المزمنة، إلا أن الجهود لا تزال دون المستوى المطلوب، فقد اتخذت الحكومة خطوات للتخفيف من بعض التخصصات غير المطلوبة في سوق العمل، ولكن لا يزال هناك خريجون يتخرجون سنويا في تخصصات غير مطلوبة، بالإضافة إلى ذلك، لا يزال التوجه نحو التخصصات التقنية ضعيفا وفقا لتقارير عمالية".
ومن أبرز العوامل التي أثرت على معدلات البطالة هو انخفاض معدل البطالة بين الذكور بنسبة 2.2 نقطة مئوية، في حين ارتفع معدل البطالة بين الإناث بنسبة 4.0 نقطة مئوية. يعود ذلك إلى أن البطالة بين النساء في الأردن كانت مرتفعة منذ زمن، حيث تتراوح حول 30% على الأقل، وهو مؤشر على ضعف فرص العمل المتاحة أمام النساء، وفقا لأبو نجمة.
من جانبه يشير صندوق النقد الدولي الى أن وتيرة النمو الاقتصادي "المتواضعة" في الأردن؛ التي تتراوح سنويا بين 2-3% "ليست كافية" لإحداث تغيير ملموس في مستويات البطالة، موضحا أن البطالة التي تبلغ 22% "لا زالت مرتفعة".
وأشار في تقرير له إلى أن معدلات البطالة مرتفعة بين الشباب بشكل خاص، إذ تقترب من 50%، في حين تعد مشاركة الإناث في القوى العاملة "من بين أدنى المعدلات" في العالم، حيث تبلغ 14%.
وقال الصندوق، إن الأردن "لا يزال" يواجه تحديات كبيرة في بيئة خارجية "غير مستقرة" موضحا أن المخاطر التي تهدد التوقعات كبيرة، بما في ذلك المخاطر الناجمة عن التصعيد المحتمل للحرب على غزة.
الصندوق، يشير إلى أن الحكومة طلبت اتفاقا جديدا لمدة أربع سنوات، بهدف "ترسيخ سياسات الاقتصاد الكلي في السنوات المقبلة والاستمرار في الحد من نقاط الضعف، وخاصة لتسريع النمو وخلق فرص العمل" وسيحل الاتفاق الجديد مكان الترتيب الحالي الذي كان مقررا أن ينتهي في آذار 2024.
تفاقم التحديات
تقارير عمالية عديدة صادرة مؤخرا، تشير إلى تفاقم هذه التحديات، حيث يشهد سوق العمل انخفاضا في معدل المشاركة الاقتصادية، وارتفاعا في معدلات البطالة وانتشار البطالة طويلة الأمد.
كما تظهر التقارير نقصا واضحا في شروط العمل اللائقة في العديد من القطاعات، إلى جانب ضعف حماية الأجور وانعدام الاهتمام بالسلامة والصحة المهنية.
كما أن تزايد عدد الشباب الذين يدخلون سوق العمل سنويا، وتراجع الظروف الاقتصادية والاستثمارية، ساهم ذلك بارتفاع معدلات البطالة بين هذه الفئة، حيث تشير البيانات الرسمية إلى وجود 418.4 ألف شاب أردني عاطل عن العمل، يتضاعف معدل البطالة الإجمالي منذ عام 2014، حيث ارتفع من 11.9 % إلى 22.8 % في عام 2022، وبلغ 22.0 % في عام 2023.
الراصد النقابي لعمال الأردن في موقع" رنان" حاتم قطيش يعبر عن استياء العمال نظرا للأوضاع العمالية غير المثالية والتحديات التي تواجه القطاعات الاقتصادية نتيجة للظروف السياسية المحيطة.
ويرى قطيش أن الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ 260 دينارا، يعتبر متدنيا جدا ولا يتناسب مع التضخم وتراجع الأوضاع الاقتصادية في المملكة، مشددا على ضرورة تعديل قيمة الأجر بمرور الوقت، خاصة مع تصاعد معدلات التضخم وتراجع الأوضاع الاقتصادية.
هذا وعلى الرغم من صدور قرار من الحكومة عام 2020 برفع الحد الأدنى للأجور إلى 260 دينارا، وتعديله بمعدل التضخم على مدى ثلاث سنوات، إلا أنه لم يتم تنفيذ هذا القرار وتم تأجيله إلى عام 2025.