"ثائرة العربيات" عاشقة للثوب السلطي وتشجع الشابات على ارتدائه

الرابط المختصر

لو سار الزائر في شوارع مدينة السلط الواقعة وسط البلاد، وتجوّل في أفياء أسواقها العابقة بالتاريخ والأصالة، لابد أن يقع نظره على بقية باقية من نماذج للأزياء التقليدية التي اشتهرت بها المدينة عبر مئات السنين بتطريزاتها البديعة وألوانها المبهجة التي ترسم جانباً من تاريخ المدينة وعراقتها.

 ورغم تراجع عدد صانعي ومرتدي هذه الأزياء فمازال لها رونقها وتميزها في حياة الأردنيين لم تطلها رياح المدنية الزائفة، ومن هذه الأزياء الثوب التقليدي السلطي الذي يمثل جزءاً هاماً من تاريخ وهوية وثقافة المجتمع الأردني ونتاجه الحضاري عبر القرون.

واشتهرت السلط منذ القدم بصوفها وخيوطها التي تغزل والأصباغ الحمراء التي تستخدم (بسبب وجود أشجار السماق)، ولكن المدينة اشتهرت قبل كل شيء بأثوابها  النسائية الفريدة والمحبوبة.

ويسمى الزي التقليدي النسائي "الخلجة" ويتطلب حوالي ستة عشر متراً من قماش التوقيت، ويزين هذا الثوب بقليل من التطريز، وعادة ما يتركز حول فتحة الرقبة، وعلى طول خطوط التماس والأكمام. ويتم وضع أشرطة زرقاء مصبوغة باللون النيلي عمودياً على الأكمام وحول الحاشية.

والسيدة "ثائرة العربيات" صاحبة ومديرة "بيت خيرات السلط للتراث والأزياء" هي واحدة من عاشقات هذا الزي والساعيات لإحيائه وتشجيع الشباب والشابات على الإهتمام به من خلال النشاطات التي تقيمها في المدينة بين الفينة والأخرى، كما اعتادت بذاتها على ارتداء هذا الزي بإكسسواراته المتعددة مع عدد من الشابات المحيطات بها، ومنها غطاء الرأس"العصبة"-الكبر البلقاوي- والشنبر والحزام والحلي المكملة لجمالياته، وكذلك العُرجة: وهي قطع ذهبية توصل بتعاريج من الخرز الصغير ذو الألوان الزاهية وتوضع أيضا في مقدمة الرأس والبشكير.  

الجدة الملهمة

وتقول العربيات لـ"صوت شبابي" إنها بدأت الاهتمام بالثوب السلطي والتراث الشعبي عامة في سن مبكرة، لأنها تنتمي إلى بيئة ريفية ومن عشقها للأرض وعلاقتها بها والزراعة والحياة الريفية البسيطة تولّد ونما هذا الإهتمام، وكانت كما تقول-ترى جدتها- رحمها الله- وهي تزرع وتجني في الحقل مرتدية "المدرقة" وهو ثوب مصنوع من البوليستر ومطرز على أجزاء مختلفة منها نهايات الأكمام العريضة (رادان) والجزء السفلي من الثوب أيضاً باستخدام خيوط القصب المذهبة.

القراص والخلجة

وكشفت عاشقة التراث أن أول ثوب ارتدته كان ثوباً مصنوعاً من قماش الحبر المطرز على الطارة ولازالت تحتفظ به إلى الآن، واستدركت محدثتنا أن هناك اختلافاً في الأثواب التقليدية بين كل المحافظات، وتمكنت من اقتناء أكثر من 200 ثوب أقدمها الدلق البلقاوي الذي يرجع تاريخه إلى 220 سنة، وهو يعود إلى عشائر البلقاوية –بني حسن وبني صخر واللوزيين والدعجة والعبابيد والعدوان، بالإضافة إلى أن في مجموعتها الثمينة 7 خلقات سلطية، والخلقة –كما توضح- هي الزي التقليدي للمرأة السلطية وكان يصنع نهاية القرن التاسع عشر  وبداية القرن العشرين.

وهناك ثوب "القراص" الذي كانت الشابات السلطيات ترتدينه قديماً في الحياة اليومية بعكس "الخلقة" التي كانت ترتدى أثناء الخروج من المنزل وفي المناسبات، وتستمد هذه الاثواب جماليتها من جمالية المرأة التي صنعت هذا الثوب بحب وشغف ودفء وإحساس.

وتابعت محدثتنا ساردة رحلتها مع الثوب السلطي أنها عندما تزوجت كانت جدتها رحمها الله تروي لها قصص تعاون نسوة السلط في تصميم الأثواب حيث يجتمعن في منزل إحداهن وتقوم بعضهن بالقص فيما تقوم أخريات بالتجميع والتطريز وهن يرددن الأهازيج والأغاني الشعبية التي اشتهرت بها السلط .

ولفتت العربيات إلى أن "الدلق البلقاوي" المطرز بالطارة، وهو ثوب طويل يطلق عليه اسم ثوب "أبو ردين"  أو "أبو العبّ" الذي اشتهر في الأغاني الشعبية، وله ردنان كانت المرأة تستخدمهما لعدة أغراض، فالردن الشمال كان يوضع على الرأس ويوضع عليه " العصبة –غطاء الرأس- المنسوجة من خيطان الحرير مع الفضة.

وأردفت عاشقة الثوب السلطي أن جمالية "الخلقة السلطية" تتمثل في" الطية" ويتم  سحب الثوب لأعلى وتثبيته عند الخصر بحزام من الصوف، ثم يُترك ليتدلى فوق الحزام مما يخلق بهذه الطريقة تأثير طبقة مطوية وكانت الشابات السلطيات يرتدينه    أثناء العمل في الحصاد ويضعن في طياته "المونة الجافة".

وعبرت محدثتنا عن فخرها بالمحافظة على هذا الإرث وتشجيع الفتيات على ارتدائه بهدف جَسرْ الفجوة بين الجيل القديم والجيل الشاب ، لافتة إلى أنه ومنذ 10 سنوات أصبح هناك عودة لارتداء "المدرقة" بالنسبة لشابات السلط ، وخاصة في ليلة الحنة بالإضافة لكونها حاضرة في الإحتفالات الوطنية كعيد الاستقلال والجلوس وكذلك في الأعراس وبخاصة يوم وليمة العرس "القّرى" .

خيطان الحرير والفضة

 ونوهت السيدة ثائرة العربيات إلى أن معظم الأثواب الأردنية التقليدية مصنوعة من   قماش "الحبَر"  والمخمل ولكن الخلقة السلطية والفحيصية –نسبة إلى منطقة الفحيص- مصنوعة من قماش التوقيت الإنجليزي الأصلي الذي كان يستورد من بريطانيا، وكانت تكلفته عالية جداً ويمتاز بأنه يمنح البرودة في الصيف والدفء في الشتاء، بالإضافة إلى عصبة الرأس "القمطة" وهي منسوجة من خيطان الحرير والفضة.

 وكان التطريز القديم-كما تقول- يتم بشكل يدوي بالإضافة إلى تطريز الطارة وكانت المرأة السلطية تستخدم ماكينة العجل القديمة "سينجر" السوداء، ولكنها تضيف خيط الحرير في المكوك إضافة إلى خيط الماسورة، وكانت السيدات والشابات يجتمعن في حوش أحد المنازل ويقمن بقص القماش والتصميم والتطريز

 وزاد الإقبال على الزي التراثي الأردني خلال السنوات الماضية من قبل الشابات  اللواتي أصبحن يرتدينه كزي أساسي في المناسبات بعد إدخال تصميمات أنيقة و جذابة تساير الموضة  وحول تجربة  "بيت خيرات السلط للتراث والأزياء" في تشجيع هذا الزي التقليدي تقول مؤسسته أنها دأبت على لفت نظر الشابات والشباب إلى أهمية المحافظة على إرثنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، وأستدركت أن :" ما يُشعر بالفخر والإعتزاز أن هناك إقبالاً كبيراً من قبل الفتيات على لبس الأزياء التقليدية وخصوصاً في العروض التي تقام بين الفينة والأخرى على هامش فعاليات الجامعات والمؤتمرات والأيام الوطنية كعيد الإستقلال وعيد الجيش .

أضف تعليقك