تنامي اختراق الحسابات الرقمية في الأردن: المطلوب وعي رقمي أكثر لدى الشباب

الرابط المختصر

في ظل الارتفاع المتزايد لحوادث الاحتيال الرقمي أصبح استخدام تطبيق "واتس آب" في الأردن يشكل مصدر قلق  لغالبية المواطنين، خاصة مع تزايد حالات اختراق الحسابات التي تؤدي إلى عمليات احتيال على نطاق واسع، إذ  شهدت الفترة الأخيرة زيادة ملحوظة في شكاوى الأفراد  حول تعرض حساباتهم على هذا التطبيق للاختراق، ما يبرز الحاجة الملحة لوعي أكثر في السلامة الرقمية لدى اليافعين والشباب ولدى الجميع بشكل عام.

وتظهر الأرقام الخاصة بالجرائم الالكترونية لدى المجلس القضائي إلى أن عدد التهم بقضايا الجرائم الإلكترونية بين عامي 2019 – 2023 بلغ 22 ألفا و 759 وعدد المشتكى عليهم مع إزالة التكرار للشخص الواحد في نفس القضية والإبقاء على القضايا الأخرى 21 ألفا و 654.

 ياسر 20 سنة كاد أن يكون أحد هذه الضحايا لولا توقظه في اللحظة الأخيرة، إذ تكررت رسائل نصية تدعي أن المستلم قد فاز بشحنة بريدية قيمة كما يقولن و يشارك "صوت شبابي" بتفاصيل  تجربته قائلا " تلقيت مؤخرًا رسالة نصية مشبوهة على هاتفي المحمول تزعم أنني قد فزت بشحنة بريدية تحتوي على هدايا وبطاقات هدايا في البداية بدا الأمر مثيرًا، ولكن عندما حاولت متابعة الرابط المرفق في الرسالة للحصول على مزيد من التفاصيل، لاحظت أن الرابط يقودني إلى موقع غير معروف"

ما شاركنا إياه ياسر يبرز كيف أن استخدام المحتالين لأساليب جذابة، مثل تقديم هدايا مغرية يمكن أن يخدع حتى الأفراد الأكثر يقظة، الرابط غير المعروف الذي تتضمنه الرسالة هو  إحدى أساليب الاحتيال الشائعة التي تهدف إلى توجيه الضحية إلى مواقع مصممة لجمع بياناتهم الشخصية أو تثبيت برمجيات خبيثة

تجربة ياسر تشير إلى أهمية الحذر من الرسائل التي تتضمن عروضًا مغرية وغير متوقعه والتأكيد على ضرورة التحقق من مصداقية الروابط والمصادر قبل اتخاذ أي خطوة، يجب على الأفراد أن يكونوا على دراية بأساليب الاحتيال الحديثة وأن يعوا أهمية التحلي باليقظة وعدم الانسياق وراء العروض التي تبدو غير واقعية   أو مبنية على أسس غير موثوقة

الأمر الذي يتوافق مع  تحذير البنك المركزي الأردني  مؤخرا  من الرسائل النصية الاحتيالية التي تصل إلى الهواتف المحمولة من أرقام مجهولة  حيث شدد البنك على ضرورة عدم مشاركة المعلومات والبيانات الشخصية الحساسة عبر هذه الرسائل أو النقر على أي روابط مشبوهة,  وأكد على أهمية التحقق من مصدر الرسائل أولاً، وفي حال تعرض الشخص لأي نوع من الاحتيال المالي، يجب عليه إبلاغ مؤسسته المالية على الفور.

  

الوعي و استخدام الإجراءات الوقائية يمثلان خط الدفاع الأول ضد تهديدات الاحتيال الرقمي المتزايدة مع تزايد حالات الاحتيال وتطور تقنيات الاختراق، يصبح من الضروري تعزيز الثقافة الأمنية لدى الأفراد ومزامنة  أحدث التطورات في هذا المجال لضمان حماية حساباتهم الرقمية الحفاظ على اليقظة والتعامل بحذر مع أي رسائل غير معتادة مما يعزز القدرة على التصدي لهذه التهديدات والوقاية من الوقوع في فخ الاحتيال.

 

وهو ما تؤكده لينا المومني من مؤسسة (سيكديف )الكندية  و مسؤوله برنامج العنف الرقمي الموجهة تجاه النساء في الاردن و العراق "ان عدد كبير وصل الى الالف من الناس أغلبهم عبارة عن الاشخاص تلقت اشعار بكود التحقق (واتس اب) و من  ثم يتم طلب الكود من المستخدمين من خلال مكالمة هاتفية او رسالة نصية تقول لينا هذا الكود  يعتبر بوابة الدخول و اختراق الجهاز و تنصح بتطبيق  خاصية التحقق بخطوتين لحماية  حساب (واتس اب) .

و من جهه اخرى تطمئن لينا المستخدمين الذين تعرضوا أو قد يتعرضون لاختراق حسابات (الواتس اب)  ان محادثاتهم السابقة المحفوظة على اجهزتهم لا يمكن للمخترق الوصول لها على عكس المحادثات الجديدة التي قد تصل اثناء اختراق الحساب .

 ما قالته  لينا المومني لـ"صوت شبابي" يتوافق مع ما أكده مدير وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام، محمود المغايرة، في تصريحات له مؤخرا حيث اشار الى ان " ظاهرة اختراق حسابات "واتس آب" تعتبر من المشاكل القديمة التي تطورت حديثًا، حيث ارتفعت وتيرتها بشكل لافت,  وأضاف المغايرة أن الأسلوب الإجرامي المستخدم يعتمد على خداع الضحايا عبر طلب رمز التحقق "الكود" من خلال التواصل عبر حساب "واتس آب" مسروق بعد إضافة الضحية إلى مجموعة واتساب، يطلب المخترق كود دخول، وهو في الحقيقة كود إعادة تسجيل حساب "واتس آب" بمجرد الحصول على هذا الكود، يتمكن المخترق من اختراق الحساب هذا التصريح يسلط الضوء على الطريقة التي يعتمدها المحتالون للاستيلاء على حسابات الضحايا، مما يشير إلى ضرورة التزام المستخدمين بأقصى درجات الحذر.

تتعدد القصص الفردية التي تبرز الأثر السلبي لهذه الجرائم، على حياة الأفراد خاصة في ظل الأزمات الشخصية، وهو ما تظهره تجربة محمد 21 سنة ، الذي يقول ل "صوت شبابي" : "كنت أعتقد أنني أستطيع الحصول على عرض عمل جيد، لكن بعد محادثات طويلة، طلبوا مني تحويل مبلغ من المال كمصاريف إدارية  لم أكن أتوقع أن أكون ضحية احتيال، والآن أشعر بالندم لأنني لم أكن أكثر حذرًا"

 

تعكس هذه التجربة حقيقة أن اليأس من العثور على عمل، خاصة في ظل ارتفاع أرقام البطالة بين الشباب في الأردن ،  يمكن أن يؤدي إلى تصرفات غير مدروسة، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة للوقوع في فخاخ الاحتيال  في حالة محمد، يبدو أن قلة الفرص والإحباط الناتج عنهما دفعاه إلى الانسياق وراء الرسائل التي بدت مغرية، معتقدًا أنها قد تكون فرصته الأخيرة للحصول على عمل هذا الاندفاع نحو استغلال أي فرصة قد تكون متاحة، خاصةً في أوقات الأزمات  يمكن أن يجعله أكثر عرضة للمخاطر.

 مما يؤكد  أهمية الوعي والحذر في التعامل مع العروض التي تبدو مغرية ولكنها قد تكون مجرد محاولات احتيال يجب على الأفراد أن يكونوا حذرين و يقوموا بالتحقق من مصداقية أي فرصة قبل اتخاذ أي خطوات، خاصة عندما يكونون في حالة من اليأس أو الحاجة.

من جانبه، يروي علي ( 22 سنة) تجربته مع محاولات الخداع الإلكتروني " "تواصل معي شخص يدعي أنه من شركة معروفة وعرض عليّ فرصة استثمار رائعة للأسف قمت بتحويل المال قبل أن أتحقق من صحة المعلومات  بعد فترة قصيرة، اختفى الشخص ولم أستطع استرداد أموالي" يؤكد علي ل"صوت شبابي " أن تجربته تؤكد مدى خطورة الانجراف وراء الوعود غير الموثقة وكيف يمكن أن يؤدي التسرع في اتخاذ القرارات المالية إلى فقدان الأموال بشكل نهائي ، "خاصة عندما يتحدث المحتالون  بلغة احترافية ويستخدمون أسماء شركات معروفة هذه الأساليب تعزز من الحاجة إلى التحقق من صحة المعلومات قبل اتخاذ أي خطوات مالية".

قصة دعاء (24 سنه)  مختلفة قليلا وتؤكد أن المحتالين ذهبوا إلى طرق بعيدة في هذا المجال بل وشديدة الخصوصية جعلت من الصعب التعامل مع عمليات الاحتيال التي تستخدم أساليب متعددة للإيقاع بالضحية، مثل التظاهر بكونهم معارف أو أصدقاء، تقول دعاء  ل"صوت شبابي" : تلقيت رسالة من شخص بإسم صديق قديم وطلب مني المساعدة المالية  صدقته وأرسلت له المال، لكن بعد ذلك اكتشفت أنه كان شخصًا آخر يستخدم اسم صديقي, شعرت بالخداع و لم استطع استرجاع اموالي منه " .

شددت  جمعية معهد تضامن النساء الأردني  في ورقة موقف أصدرتها ربيع العام الحالي " إن مواجهة هذه الأنواع من الجرائم الإلكترونية يصطدم بشكل مباشر مع حقيقة أن أغلب النساء والفتيات اللاتي يتعرضن لها ويقعن ضحايا لأشكالها المختلفة ، لا يملكن الأدوات والمعرفة للخطوات الواجب إتباعها لمواجهة هذه الاعتداءات الإلكترونية ووقفها وملاحقة مرتكبيها من جهة ، كما أن التشريعات لمواجهة هكذا جرائم قد تكون قاصرة في حمايتهن من الأشكال الجديدة للعنف الذي تتعرض له ، وبالتالي تبرز الحاجة الى التصدي لهذه الانتهاكات من خلال البرامج والسياسات والتشريعات التي من شأنها التوعية بخطورتها وكيفية مواجهتها للأفراد والأسر على حد سواء ، وإنهاء سياسة إفلات مرتكبيها من العقاب وتعويض الضحايا / الناجيات"

تؤكد وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام  و بحسب موقعها الرسمي على أنها تتعامل بجدية مع الشكاوى المتعلقة باختراق الحسابات على "واتس آب" ولفتت الوحدة إلى أهمية اتخاذ إجراءات حماية فعالة مثل تفعيل خاصية التحقق بخطوتين عبر إعدادات "واتس آب"، والحذر من الرسائل المجهولة، وعدم مشاركة رمز التحقق مع أي شخص، وتحديث التطبيق بانتظام، واستخدام كلمة مرور قوية للجهاز تأتي هذه التوصيات كخطوة وقائية ضرورية لضمان حماية الحسابات من عمليات الاختراق و اشارت الى ضرورة التعاون مع الجهات المعنية للوصول الى بيئة رقمية آمنة .

قانون الجرائم الإلكترونية الأردني رقم (27) لعام 2015  لم يعرف مفهوم الجريمة الإلكترونية بشكل مباشر، بحسب المحامية  سلسبيل علي  "لكنه قدم تعريفات مهمة في المادة الثانية منه تتعلق بنظام المعلومات والبيانات والشبكة المعلوماتية والموقع الإلكتروني والتصريح والبرامج" .

يُعرّف نظام المعلومات بأنه مجموعة من البرامج والأدوات المصممة لإنشاء البيانات أو المعلومات إلكترونيًا، أو إرسالها، أو تسلمها، أو معالجتها، أو تخزينها، أو إدارتها، أو عرضها عبر الوسائل الإلكترونية. أما البيانات، فهي الأرقام أو الحروف أو الرموز أو الأشكال أو الأصوات أو الصور أو الرسومات التي لا تحمل دلالة بذاتها.

في حين أن المعلومات تُعرّف بأنها البيانات التي تم معالجتها وأصبحت ذات دلالة. التصريح يُعرّف في القانون على أنه الإذن الممنوح من صاحب العلاقة لشخص أو أكثر أو للجمهور، للدخول إلى أو استخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية. ويهدف هذا الإذن إلى الاطلاع أو إلغاء أو حذف أو إضافة أو تغيير أو إعادة نشر بيانات أو معلومات، أو حجب الوصول إليها، أو إيقاف عمل الأجهزة، أو تغيير موقع إلكتروني، أو إلغاءه، أو تعديل محتوياته.

وبينت المحامية سلسبيل ل "صوت شبابي".: أن المادة الثالثة من القانون فرضت عقوبات على كل من يرتكب جريمة إلكترونية عن عمد دون التصريح المنصوص عليه في المادة الثانية يعاقب بالحبس مدة ال تقل عن أسبوع ولا تزيد على ثالثة أشهر أو بغرامة ال تقل عن (100 )مائة دينار وال تزيد على (200)مائتي دينار او بكلتا هاتين العقوبتين.

 يتضح اخيرا  ان الالتزام بالإجراءات  الوقائية والسلامة الرقمية وزيادة المعرفة بهذا المجال بكل الطرق المتاحة  وتعاون الأفراد مع الجهات المختصة يوفران درعًا قويًا ضد الاحتيال الرقمي ويساهم في بناء بيئة رقمية أكثر أمانًا واستقرارًا.