هيومن رايتس ووتش: إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية في غزة

الرابط المختصر
  • تعمدت السلطات الإسرائيلية فرض ظروف معيشية مصمَّمة لتدمير جزء من السكان في غزة، وذلك من خلال تعمد حرمان المدنيين الفلسطينيين هناك من الوصول إلى المياه بشكل كافٍ، ما أدى على الأرجح إلى آلاف الوفيات.
  • بهذا الفعل، تتحمل السلطات الإسرائيلية المسؤولية عن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة وعن أفعال الإبادة الجماعية. وقد يرقى هذا النمط من السلوك، إلى جانب التصريحات التي تشير إلى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين كانوا يرغبون في تدمير الفلسطينيين في غزة، إلى جريمة الإبادة الجماعية.
  • على الحكومات والمنظمات الدولية اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع الإبادة الجماعية في غزة، ووقف المساعدات العسكرية، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية والعلاقات الدبلوماسية، ودعم "المحكمة الجنائية الدولية" وغيرها من جهود المساءلة.

(القدس، 19 ديسمبر/كانون الأول 2024) – قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير أصدرته اليوم إن السلطات الإسرائيلية تتعمد حرمان المدنيين الفلسطينيين في غزة من المياه الكافية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما أدى على الأرجح إلى وفاة الآلاف وبالتالي ارتكبت الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، كما ارتكبت أفعال الإبادة الجماعية.

في التقرير الصادر في 179 صفحة، "الإبادة وأفعال الإبادة الجماعية: تعمُّدُ إسرائيل حرمان الفلسطينيين في غزة من المياه"، وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات الإسرائيلية حرمت الفلسطينيين في غزة عمدا من المياه الآمنة للشرب والصرف الصحي اللازمة للحد الأدنى من بقاء الإنسان على قيد الحياة. أوقفت السلطات والقوات الإسرائيلية ضخ المياه إلى غزة ثم قيّدت ذلك لاحقا؛ وعطّلت معظم البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة بقطع الكهرباء وتقييد الوقود؛ وتعمّدت تدمير البنية التحتية للمياه، والصرف الصحي، ومواد معالجة المياه وإصابتها بأضرار؛ ومنعت دخول إمدادات المياه الأساسية.

قالت تيرانا حسن، المديرة التنفيذية لـ هيومن رايتس ووتش: "المياه أساسية للحياة الإنسانية، ومع ذلك، تتعمد الحكومة الإسرائيلية منذ أكثر من عام حرمان الفلسطينيين في غزة من الحد الأدنى الذي يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة. هذا ليس مجرد إهمال؛ إنها سياسة حرمان مدروسة أدت إلى وفاة الآلاف جرّاء  الجفاف والمرض، وهو ما لا يقل عن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة وأحد أفعال الإبادة الجماعية".

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 66 فلسطينيا من قطاع غزة، و4 موظفين في "مصلحة مياه بلديات الساحل" في القطاع، و31 موظفا طبيا، و15 شخصا يعملون مع وكالات "الأمم المتحدة" ومنظمات الإغاثة الدولية في غزة. كما حللت هيومن رايتس ووتش صورا من الأقمار الصناعية وصورا فوتوغرافية وفيديوهات ملتقطة بين بداية الأعمال العدائية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسبتمبر/أيلول 2024، وبيانات جمعها أطباء، وعلماء أوبئة، ومنظمات إغاثية، وخبراء في المياه والصرف الصحي.

خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن السلطات الإسرائيلية خلقت عمدا ظروفا معيشية مصممة لإلحاق التدمير المادي بالفلسطينيين في غزة كليا أو جزئيا. هذه السياسة، التي فُرضت كجزء من القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين في غزة، تعني أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة، والتي ما تزال مستمرة. كما ترقى هذه السياسة إلى أحد "أفعال الإبادة الجماعية" الخمسة بموجب "اتفاقية الإبادة الجماعية" لعام 1948. ومن الممكن أيضا استنتاج وجود قصد للإبادة الجماعية من هذه السياسة، إلى جانب التصريحات التي تشير إلى أن بعض المسؤولين الإسرائيليين رغبوا في تدمير الفلسطينيين في غزة، وبالتالي فإن هذه السياسة قد ترقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية.

مباشرة بعد الهجمات التي شنتها الفصائل المسلحة الفلسطينية بقيادة "حماس" في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي وجدت هيومن رايتس ووتش أنها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، قطعت السلطات الإسرائيلية كل الكهرباء والوقود عن قطاع غزة. في 9 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت "حصارا كاملا" لغزة، قائلا: "لن تكون هناك كهرباء، ولا طعام، ولا مياه، ولا وقود، كل شيء مغلق".

في اليوم نفسه، ولعدة أسابيع بعد ذلك، قطعت السلطات الإسرائيلية كل المياه ومنعت دخول الوقود، والغذاء، والمساعدات الإنسانية إلى القطاع. تواصل السلطات الإسرائيلية تقييد دخول المياه والوقود والغذاء والمساعدات إلى غزة، وقطع الكهرباء عن غزة، وهي ضرورية لتشغيل البنية التحتية اللازمة لاستمرار الحياة. استمر ذلك حتى بعد أن أقرّت "محكمة العدل الدولية" تدابير مؤقتة في يناير/كانون الثاني ومارس/آذار ومايو/أيار 2024 تأمر فيها السلطات الإسرائيلية بحماية الفلسطينيين من الإبادة الجماعية وتوفير المساعدات الإنسانية ضمن هذه الحماية، وحددت في مارس/آذار أن ذلك يشمل المياه، والغذاء، والكهرباء، والوقود.

كما منعت السلطات الإسرائيلية أيضا دخول جميع المساعدات المتعلقة بالمياه تقريبا إلى غزة، بما فيها أنظمة تنقية المياه، وخزانات المياه، والمواد اللازمة لإصلاح البنية التحتية للمياه.

بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأغسطس/آب 2024، أفادت مصلحة مياه بلديات الساحل في غزة، والأمم المتحدة، ومصادر أخرى أن الناس في القطاع لم يتمكنوا من الحصول على الحد الأدنى من المياه اللازمة للبقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ الطويلة الأمد. في شمال غزة، أفادت الأمم المتحدة أن الناس لم يتمكنوا من الحصول على مياه الشرب لأكثر من خمسة أشهر، بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وأبريل/نيسان 2024. في حين أظهرت دراسة في أغسطس/آب حول توفر المياه أن وصول الناس إلى المياه ازداد، إلا أن معظم الناس ما زالوا لا يحصلون على المياه الكافية اللازمة للشرب والطهي.

وجدت هيومن رايتس ووتش أن القوات الإسرائيلية تعمدت مهاجمة العديد من المرافق الرئيسية للمياه، والصرف الصحي، والنظافة الصحية وإلحاق الضرر بها أو تدميرها. في حالات عدة، وجدت هيومن رايتس ووتش أدلة على أن القوات البرية الإسرائيلية كانت تسيطر على المناطق في ذلك الوقت، ما يشير إلى أن التدمير كان متعمدا.

تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، بما فيه تتبُّع الرعاية الصحية، يعني أن الحالات المؤكدة للأمراض، والعلل، والوفيات التي يحتمل ارتباطها بالأمراض المنقولة بالمياه، والجفاف، والجوع لا يتم تتبّعها أو الإبلاغ عنها منهجيا. مع ذلك، بناء على مقابلات مع مختصين بالرعاية الصحية وعلماء الأوبئة، فمن المرجح أن يكون آلاف الناس قد توفوا نتيجة أفعال السلطات الإسرائيلية. تُضاف هذه الوفيات إلى أكثر من 44 ألف شخص قتلوا مباشرةً في الأعمال العدائية، كما سجلت وزارة الصحة في غزة.

كما أصيب مئات الآلاف بأمراض وحالات صحية من المرجح أن يكون الحرمان من المياه الآمنة والكافية تسبب أو ساهم فيها، منها الإسهال، والتهاب الكبد الوبائي أ، والأمراض الجلدية، والتهابات الجهاز التنفسي العلوي. الحرمان من المياه ضار بشكل خاص بالرُضَّع، والنساء الحوامل والمرضعات، والأشخاص ذوي الإعاقة.

جريمة الإبادة الجماعية تتطلب ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية بقصد الإبادة الجماعية. قالت محكمة العدل الدولية إنه لاستنتاج هذا القصد في نمط سلوك الدولة، يجب أن يكون هذا القصد "الاستنتاج المعقول الوحيد الذي يمكن استخلاصه" من الأفعال المعنية. نتائج هيومن رايتس ووتش، والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين التي تشير إلى أنهم كانوا يرغبون في تدمير الفلسطينيين في غزة، قد تشير إلى مثل هذا القصد.

كما وجدت هيومن رايتس ووتش أن بعض التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين الذين دعوا إلى قطع المياه والوقود والمساعدات، بالتزامن مع أفعالهم، ترقى إلى تحريض مباشر وعلني على الإبادة الجماعية.

الحصار المستمر الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية على غزة، كما الإغلاق الذي تفرضه منذ أكثر من 17 عاما، يرقى أيضا إلى عقاب جماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب. يشكّل الإغلاق أيضا جزءا من الجريمتين المستمرتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد اللتين ترتكبهما السلطات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

قوّضت العديد من الحكومات جهود المساءلة واستمرت بتزويد الحكومة الإسرائيلية بالأسلحة رغم الخطر الواضح المتمثل في التواطؤ في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي.

قالت حسن: "ينبغي للحكومات ألا تساهم في الجرائم الخطيرة التي يرتكبها المسؤولون الإسرائيليون في غزة، ومنها الجرائم ضد الإنسانية وأفعال الإبادة الجماعية، وأن تتخذ كل الخطوات الممكنة لمنع المزيد من الأذى. على الحكومات التي تسلّح إسرائيل أن تضع حدا لخطر التواطؤ في الجرائم الفظيعة في غزة، وتتخذ إجراءات فورية لحماية المدنيين بحظر الأسلحة، والعقوبات الموجّهة، ودعم العدالة".