المقاهي "الكوفي شوب" تستنزف أوقات وأموال الشباب وتسعدهم بذات الوقت

الرابط المختصر

بهدوء شديد يفتح مؤمن الشرفا باب منزله الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ويتجه نحو غرفته بخطوات متأنية وصامتة، خوفا من إيقاظ والديه واكتشاف أمره، بعد أن أمضى الليل كله بصحبة أصدقائه وهم يشاهدون مباريات كرة قدم بين أندية أوروبية، في أحد مقاهي محافظة الكرك جنوب الأردن.

الجامعي مؤمن الذي لم يكمل عامه العشرين بعد، يقول إن والده يرفض سهره شبه اليومي في المقاهي، ويرى في الأمر مضيعة للوقت والمال على حد سوى، على عكسه تماما، فهو أي مؤمن يجد في اللقاء مع أصدقائه لمشاهدة المباريات أو لعب "الشدة" متعة تنسيه ضغوط المذاكرة والدوام الجامعي الطويل كما يصف، كما أنه لا يرى في ما يصرف من أموال على تلك الجلسات

يكمل مؤمن في حديثه لـ"صوت شبابي" أن المقاهي أو الـ "كوفي شوب" أصبحت متنفسا له ولفئة الشباب ذكورا وإناثا في محافظة الكرك، خاصة خلال العقدين الماضيين، لما تمنحه لهم من فرصة للقاء والتجمع خارج دائرة المنزل أو الجامعة أو حتى أماكن العمل، مشيرا إلى أن "غالبية المقاهي في الكرك تتواجد في منطقتي بوابة جامعة مؤتة الشمالية، أو منطقة المرج، حيث تفتح أبوابها حتى ساعات الفجر الأولى.

 

العشرينية نهى لا تتأخر بالعودة ليلا إلى المنزل كما هو حال مؤمن، لكنها تصف نفسها بالمدمنة على "الكوفي شوب" فمنذ عدة سنوات أصبح جلوسها مع صديقاتها أو حتى لوحدها في مقاهي العاصمة عمان روتيناً يوميًا، إما خلال النهار وهو الأمر الغالب أو ليلا، "جلست في عشرات المقاهي داخل العاصمة أو في محيطها، فأنا أستمتع كثير في تجربة كوفي شوب جديد بين الحين والآخر، ويوجد لي طاولة مخصصة في بعض الكوفي شوب لكثرة ما أتردد عليهم".

نهى تقول إنها تدرك حجم الأموال التي تنفها على جلوسها اليومي في المقاهي، وتتفهم في ذات الوقت نصائح أمها للتوقف عن إضاعة الوقت والمال، لكنها تجد هناك متنفسا ومكان للتسلية وتبادل أطراف الحديث مع صديقاتها، أو الانشغال بالبحث عن عمل في مجال دراستها الجامعية (تربية خاصة)، أو الاستمتاع بمشاهدة برامج وأفلام على كمبيوترها المحمول.

نهى تضيف لـ"صوت شباب" أنها تفضل تناول "النرجيلة" في المقهى بدلا من المنزل لتجنب انزعاج والدها من رائحة "المعسل والفحم" في المنزل، أو ملاحظاته على مخاطر التدخين وأضراره الصحية الكبيرة كما تقول.

 ازدياد عدد المقاهي بشكل لافت

يقدر عدد المقاهي المرخصة بأكثر من 6 آلاف مقهى في مختلف المحافظات الأردنية، يوجد منها نحو 3 آلاف مقاهي مرخص في حدود العاصمة عمان، وفق تقرير حديث للمجلس الأعلى للسكان، تقدم لمرتاديها المشروبات والمأكولات، والنرجيلة" عدى عن احتوائها على شاشات واشتراكات لحضور مباريات كرة القدم.

عدي نصير أحد أصحاب تلك المقاهي في محافظة إربد شمال المملكة، أخذنا بمقارنة بين المقاهي عندما بدء بهذا المجال قبل 15 عاما، وبين المقاهي حاليا، مؤكدا أن تلك السنون ضاعفت عدد المقاهي إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف، ففي عام 2009 لم يكن سوى 3 أو أربع مقاهي في المنطقة الشرقية للمحافظة، بينما يوجد العشرات منها اليوم في ذات المنطقة.

وبين نصير لـ"صوت شبابي" أن فئة الشباب أصبحت ترتاد المقاهي بكثرة ما بعد عام 2015، على عكس ما كان في السابق، وخاصة من فئة طلبة الجامعات، الذين باتوا هم الرواد الرئيسيين في المقاهي، مشيرا إلى أن غالبية الشباب يرتادون المقهى لديه إما للعب "الشدة" أو حضور المباريات، بينما تأتي فئة قليلة للدراسة.

فترة الجلوس في المقاهي مقارنة أخرى قدمها عدي نصير، ففي السابق كانت معظم المقاهي والمطاعم تغلق أبوابها قبيل الساعة 12 عشر ليلا، وكان هذا يعتبر وقتا متأخرا بالنسبة لرواد المقاهي، بينما لا تغلق العديد من المقاهي اليوم أبوابها مطلقا، وفي أحسن الحالات تغلق مع ساعات الصباح الأولى، حسب وصفه. 

 

تغير في الشكل والمضمون

غير الانفتاح وتطور المجتمعات فكرة المقاهي أو ما تعرف بالـ"الكفي شوب" بشكل ملفت، عن ما كانت عليه منذ أن عرفت المملكة المقاهي في العشرينيات من القرن الماضي، بحسب حديث خبيرة الاجتماع والتربية الدكتورة شروق رزق، ففي عقود ما قبل الألفية كانت فكرة الجلوس في مقهى ليست مستساغة من قبل أفراد المجتمع.

وأضافت الدكتورة رزق أن في "ثقافتنا الشرقية المتوارثة ارتبطت فكرة الجلوس على المقاهي الشعبية بشكل مستمر، بأشخاص متقاعدين ومتقدمين بالسن، وأدباء ومثقفين أو كتاب، إلى جانبهم العاطلين عن العمل، وفي بعض الأحيان من يمارسون لعب "القمار"، ودائما ما كانت ترتبط أيضا بالمشاجرات والمشاكل الاجتماعية، حتى أنها كانت مصدرة للمشكلات من داخل جدرانها إلى المجتمع الخارجي".

وأكملت الدكتورة في حديثها لـ"صوت شباب" إلا أن التطور والانفتاح أخذ فكرة المقاهي لأبعاد مختلفة، وباتت مستقطبة لفئات جديدة، خاصة فئة الشباب، وكانت محصورة بالذكور، قبل أن تتطور وتشمل الإناث، مرجعة ذلك إلى تبدل النظرة السلبية المجتمعية لمرتاديها. 

ورغم أن الأمر ليس مقلقا بالنسبة للدكتورة شروق، إلا أنها اعتبرت أن السبيل لمعالجة هذه الظاهرة يبدأ من المنزل، وتحديدا من قبل الأبوين، اللذان يجب عليهم تحديد أيام وساعات مخصصة لارتياد المقاهي من قبل أبنائهم، "بحيث لا يكون هناك حبل سائب للأبناء، ولا يتم منعهم مما يفعله أقرانهم، وبالتالي يصبح لديهم ردة فعل عكسية، تتمثل بمخالفة تعليمات الوالدين، أو تأمين أموال بطرق غير سليمة لمرافقة أصدقائهم إلى الكوفي شوب".