الفنانين الأردنيين يعانون الفقر وراء الكاميرات
في مفارقة مؤلمة، تحولت قصة نجاح الدراما الأردنية إلى مأساة حقيقية. فالفنّانون الأردنيون الذين كانوا يعتبرون رموزاً للفن والثقافة في العالم العربي، يعانون اليوم ظروفاً معيشية صعبة.
وبالعودة إلى الثمانينيات، كانت صناعة الدراما الأردنية في أوج ازدهارها، لكنها الآن تكاد تموت جوعاً فبعد أن كانت استديوهات التصوير تعج بالحياة والإبداع، أصبحت الآن أماكن مهجورة.
الأكثر إيلاماً هو تأثير هذه الظروف على الفنّانين من جيل الشباب، فبدلاً من أن يطمحوا لحياة فنية مزدهرة، يجدون أنفسهم أمام خيارات صعبة، ما يدفع الكثير منهم إعادة النظر في خياراتهم المهنية، والابتعاد عن الفن والاتجاه إلى مجالات أخرى أكثر استقراراً مادياً.
يؤكد فنانون أردنيين أن القطاع الفني الأردني والعاملين فيه يفتقران إلى الدعم الكافي من الحكومة، سواء على مستوى التمويل أو توفير البنية التحتية اللازمة للإنتاج الفني.
ويواجهون صعوبات عديدة؛ منها قلة الأجور وعدم الاستقرار الوظيفي وخلو عملهم من الحمايات الاجتماعية والقانونية ونقص التقدير لدورهم وتراجع مكانتهم في المجتمع.
يُعرب الفنان معتز أبو الغنم عن قلقه إزاء مستقبل الفنانين الأردنيين، وبخاصة مع الظروف الصعبة التي يعيشها الفنانون الكبار، وأن الواقع يدعو إلى إعادة النظر في هذا الأمر وتوفير بيئة فنية داعمة للإبداع.
ويقول إن الظروف الصعبة التي يواجهها الفنانون في الأردن، تتجسد في قلة الإنتاج الفني وعدم استمراريته، وضعف النصوص وغياب الصناعة الفنية المتكاملة.
ويوضح في حديثه لـ"صوت شبابي" أن الفنان الأردني يضطر إلى صناعة نفسه بنفسه دون أن يساعده أحد أو يتلق دعم، ويقدم تنازلات كبيرة للحفاظ على وجوده في الساحة الفنية.
ويشير إلى أن الفنان الأردني يقف أمام خيار صعب إما الاستمرار في العمل الفني ومواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهه، أو البحث عن عمل آخر يوفر له حياة كريمة. ويرجع ذلك إلى قلة الإنتاج الفني واحتكار العمل الفني من قبل فئة معينة.
ويدعو إلى ضرورة التعاون بين القطاعين العام والخاص لتطوير الصناعة الفنية في الأردن، وزيادة الإنتاج الفني النوعي، وزيادة التعاون مع المؤسسات الإنتاجية العربية والدولية لتبادل الخبرات والأعمال الفنية.
فيما، تُعبّر الفنانة أريج دبابنة عن حجم المعاناة التي يعيشها الفنانون الأردنيون، والتي تُجاوز مجرد عدم الاستقرار المادي لتصل إلى تهديد مباشر لمستقبلهم المهني.
تقول الدبابنة في حديثها لـ"صوت شبابي" إن العمل بالمجل الفني في الأردن صعب وغير مستدام والأجور زهيدة، ويخلو من الحماية الاجتماعية والقانونية، وفرص الحصول على أدوار مناسبة تتضاءل مع تقدم العمر، وبخاصة للمرأة.
وتوضح أن الغالبية العُظمى من الفنانين الأردنيين يعانون من العمل المتقطع والأجور المتدنية، وصعوبة الحصول على أدوار تتناسب وأعمارهم وقدراتهم، بالإضافة إلى قلة الدعم الحكومي للقطاع الفني ككل، وعدم وجود استراتيجية واضحة لتطوير القطاع.
وتشير إلى أن الفنانون الأردنيون لا يتمتعون بالحمايات الاجتماعية الكافية، ولا يوجد صندوق تأمينات اجتماعية يحميهم في حالة المرض أو العجز.
وتلاحظ الدبابنة أن هناك منافسة غير شريفة من قبل أشخاص لا يملكون الخبرة أو الكفاءة، ولكنهم يتمتعون بمتابعة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤثر سلباً على عمل الفنانون الذين يمتلكون الكفاءة والخبرة.
وتشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحل مشاكل الفنانين الأردنيين، وتوفير فرص عمل مستدامة لهم من خلال دعم الإنتاج الفني المحلي وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع.
وتطالب برفع الأجور التي يحصل عليها الفنانون لضمان عيش كريم لهم، وتوفير حمايات اجتماعية شاملة لهم، ومكافحة الاستغلال الذي يتعرضون له وتطبيق قوانين صارمة لحماية حقوقهم.
وتؤكد الدبابنة على أهمية دور الفن في المجتمع، فهو مرآة تعكس المجتمع، ودعم الفنانين هو دعم للإبداع والثقافة ومعاناة الفنانين الأردنيين قضية وطنية تستحق الاهتمام.
وحاول "صوت شبابي" الإتصال مع وزارة الثقافة ونقابة الفنّانين الأردنيين مراراً وتكرارا، إلا أنه لم يتلق أي رد من كلاهما. وربما عدم الرد يدلل على مدى اهتمام الطرفان بأوضاع الفنّانون الأردنيون والظروف التي تواجههم.
ووفقاً للموقع الإلكتروني الرسمي لنقابة الفنّانين الأردنيين، فإن عدد الفنّانين المسجلين في النقابة 712 فنان وفنانة.
وحول دور نقابة الفنانين الأردنيين، يؤكد أبو الغنم أن نقابة الفنّانين الأردنيين تواجه تحديات كبيرة أيضاً بسبب قلة الإنتاج، ويُقصر دورها على تقديم بعض الخدمات المحدودة لأعضائها، فيما يطالب بتطوير نظام النقابة وزيادة دورها في دعم الفنانين.
وفي سياق متصل، يلفت أبو الغنم إلى أن ظهور المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي أثر سلباً على مكانة الفنانين في المجتمع، واستحوذوا على جزء كبير من الاهتمام الإعلامي. ويقترح إنشاء فرع للنقابة يضم المؤثرين لتنظيم عملهم وضبط المحتوى الذي يقدمونه.
بينما، يقول الناطق الإعلامي السابق لمؤسسة الضمان الاجتماعي موسى الصبيحي إن نقابة الفنّانين الأردنيين تأسست عام 1997م، وتعتبر نقابة حديثة نوعاً ما، ولديها نظام وصندوق للتقاعد والضمان الاجتماعي منذ 12 عاماً، لكنه ليس فاعلاً بالمستوى المطلوب.
ويشير إلى أن صندوق تقاعد النقابة المنصوص عليه في نظام التقاعد والضمان الاجتماعي الصادر بموجب قانون النقابة حاله أسوأ من حال معظم صناديق تقاعد النقابات المهنية التي تعاني من العجز وعدم توفّر السيولة الكافية لدفع رواتب تقاعدية زهيدة أو رمزية لمنتسبيها.
ويلفت إلى أن نظام التقاعد والضمان الاجتماعي لنقابة الفنّانين يحتاج إلى إعادة دراسة ومراجعة شاملة من أجل الوصول إلى نظام تقاعدي كفؤ ومستدام. ويقترح إلغاء صندوق التقاعد من النظام، والاكتفاء بصندوق الضمان (لغايات إنسانية)، والتفكير بجدية في العمل على انضواء الفنّانين تحت مظلة وأحكام قانون الضمان الاجتماعي.
ويؤكد أن الفنّانون الأردنيون يعانون أوضاعاً معيشية صعبة في كثير من الأحيان، وإذا مرِضَ أحدهم ربما لا يجد تأميناً صحياً يُغطّي تكاليف علاجه، وإذا عجِزَ أو تقدّمَ به العمر أو توفي لا يجد هو أو أسرته راتباً تقاعدياً يوفر لهم الحياة الكريمة.
ويقترح عمل حوار مكثف بين مؤسسة الضمان ووزارة الثقافة ونقابة الفنّانين الأردنيين لمناقشة شمول كافة الفنانين الأردنيين، بأحكام قانون الضمان بهدف حمايتهم وتوفير رواتب تقاعدية لهم ولأُسَرهم في حالات الشيخوخة والعجز والوفاة والتعطل عن العمل والتعرض لحوادث وإصابات العمل.
ويدعو الصبيحي إلى حوار فاعل مُنتِج وعاجل، باجتماع ثلاثي يجمع وزير الثقافة ومدير عام مؤسسة الضمان ونقيب الفنّانين، ثم تُشكّل لجنة قانونية وفنية مشتركة تبدأ عملها فوراً للوصول إلى آلية عملية قابلة للتطبيق لشمول الفنّانين الأردنيين بمظلة الحماية الاجتماعية للضمان.