التوجه الحكومي نحو التعليم المهني يصطدم بنقص المدارس المهنية في المفرق
"نسبة الطلاب الملتحقين بالتعليم المهني في الأردن بلغت حوالي 11.3% من مجموع الطلاب الملتحقين في التعليم الثانوي وهي نسبة تمثل الطاقة الاستيعابية القصوى للمدارس المهنية الحالية" بحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم.
هذه النسبة لا تعكس فقط ضعف توجه الطلاب نحو الفرع المهني، بل تسلط الضوء أيضًا على محدودية الطاقة الاستيعابية للمدارس المهنية الحالية، مما يشير إلى نقص حاد في عدد هذه المدارس. إن هذه النسبة تمثل الحدود القصوى لما يمكن أن تستوعبه البنية التحتية المتاحة حاليًا، وهو ما يعكس تحديًا كبيرًا أمام الجهود الحكومية الرامية إلى تعزيز التعليم المهني في المملكة.
في إطار سعي وزارة التربية والتعليم الأردنية إلى تطوير التعليم الثانوي ورفع جودته بما يلبي احتياجات سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي، بدأت الوزارة في تطبيق نظام "توجيهي بتيك" الجديد للمسار المهني. هذا النظام الجديد يعكس رؤية متقدمة تسعى إلى تعزيز التعليم المهني وإعداده بشكل أفضل لتلبية متطلبات العصر الحديث. ولكن مع كل هذه الطموحات، يظهر أن الوزارة بحاجة ماسة إلى الالتفات إلى البنية التحتية التي تدعم هذا التحول الكبير. قلة عدد المدارس المهنية الحالية تشكل عائقًا حقيقيًا أمام ضمان تطبيق فعّال ومثمر لهذه الخطط الطموحة.
تسعى الحكومة الأردنية إلى تعزيز التعليم المهني باعتباره أحد الركائز الأساسية لتنمية القوى العاملة وتلبية احتياجات السوق، الا ان الواقع في محافظة المفرق يظهر تحدٍّ كبير يتمثل في نقص عدد المدارس المهنية، الأمر الذي يعوق تحقيق هذا الهدف الطموح. ورغم الجهود المبذولة لتشجيع الشباب على الالتحاق بهذا النوع من التعليم، إلا أن الواقع الميداني يكشف عن عوائق حقيقية تجعل من الصعب تحقيق الرؤية المنشودة.
بكر، طالب في المرحلة الثانوية في المفرق، يعبر عن معاناته بقوله: "أنا أرغب بشدة في الدراسة في المدارس المهنية لأنها توفر لي فرصة لتعلم مهارات عملية تمكنني من دخول سوق العمل بسرعة. المشكلة هي أن مدرسة الذكور المهنية الوحيدة في المفرق بعيدة جدًا عن منطقتي، مما يجعل التنقل اليومي متعبًا ومكلفًا. كل هذا دفعني إلى الدراسة الأكاديمية رغم عدم رغبتي بذلك". هذا التصريح يسلط الضوء على العقبة الأساسية التي يوجهها العديد من الطلاب في المحافظة، حيث يجدون أنفسهم مضطرين للالتحاق بالتعليم الأكاديمي رغم رغبتهم في التعليم المهني، فقط بسبب البعد الجغرافي للمدارس المتاحة.
على الجانب الآخر، تواجه الطالبات تحديات إضافية، كما توضح سهى، طالبة أخرى من المفرق: "أعيش في إحدى قرى المفرق وأرغب جدًا في الالتحاق بمدرسة مهنية لدراسة تخصص تصنيع غذائي. لكن المشكلة هي أن عدد المدارس المهنية في المفرق قليل جدًا، وغالبًا ما تكون بعيدة عن القرى التي نعيش فيها. هذا يجعل التنقل اليومي صعبًا للغاية وغير آمن، خاصة لنا كفتيات. بالإضافة إلى ذلك، وسائل النقل غير منتظمة، مما يزيد من التحدي". حديث سهى يكشف عن مشكلة مزدوجة: قلة المدارس المتخصصة وصعوبة الوصول إليها، مما يضاعف من تعقيد الوضع بالنسبة للفتيات بشكل خاص.
تشير إحصائيات وزارة التربية والتعليم إلى أن عدد مدارس التعليم المهني المنتشرة في مختلف أنحاء الأردن يبلغ 211 مدرسة، منها 64 مدرسة للذكور و147 مدرسة للإناث. وتتنوع هذه المدارس بين مدارس مهنية متخصصة ومدارس مهنية مجمعة ومدارس شاملة. العدد الذي يعد قليلا نسبيا، أن التوزيع الجغرافي لهذه المدارس يترك بعض المحافظات، مثل المفرق، تعاني من نقص حاد في عدد المدارس مقارنة بعدد السكان وحاجاتهم.
وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة أشار في تصريحاته إلى أن "نقص عدد المدارس المهنية يحول دون التحاق المزيد من الطلبة"، مؤكداً على أهمية الاستثمار الأمثل للموارد رغم محدوديتها. الوزير أكد كذلك على الحاجة إلى عقد شراكات حقيقية مع مختلف القطاعات وبناء مدارس مهنية نموذجية بمساعدة الدول المانحة، مشيرًا إلى المدرسة الأردنية الكورية الصناعية في الزرقاء تعد مثال على كيفية تجاوز هذا التحدي. ومع ذلك، تبقى هذه الحلول غير كافية لحل المشكلة الأساسية المتمثلة في نقص عدد المدارس المهنية في المناطق الأكثر احتياجًا مثل المفرق.
"معيقات رسمية أمام العمل المهني"
إلا أن مدير المرصد العمالي الأردني (مؤسسة مجتمع مدني) أحمد عوض، يرى أن الحكومة الأردنية من خلال سياستها الرسمية تضع العراقيل أمام العمل المهني، فـ"التوجه للتعليم المهني والتقني يتطلب سياسات حكومية، إذ لا يكفي أن نقول للشباب توجهوا للتعليم المهني. يجب تهيئة البيئة للتعليم المهني".
يقول "مؤسسة التدريب المهني تتسع سنويا لما يقارب 6 آلاف طالب، في المقابل هناك 140 ألف خريج جامعي سنويا، كيف أنفذ هذه السياسات وكل يوم يفتتح جامعات جديدة وتتوسع الجامعات القائمة بالتعليم الموازي في ظل غياب الدعم الرسمي لها، في وقت هنالك أعداد محدودة من معاهد التدريب المهني ما يقارب 28 معهدا فقط بموازنة محدودة".
مجتمعيا يقر عوض بوجود ثقافة مجتمعية أن "الشهادة الجامعية هي مفتاح النجاح"، ويرى أن هذه الثقافة تم ترويجها لذلك "نرى طلاب يدرسون أربع سنوات في الجامعة ثم يتخرجون ويعملون على التطبيقات الذكية للنقل كسائقين ومنهم من حملة شهادات طبية، بسبب التوسع بالتعليم الجامعي في الأردن".
يطالب عوض أن "تنعكس التصريحات الحكومية بضرورة التوجه إلى التدريب المهني كسياسات حكومية من خلال التوسع بالتدريب المهني وتطوير تخصصات جديدة، وإزالة الوصمة الاجتماعية من تغيير سياسات القبول في التدريب المهني الذي بات يعرف في الأردن أنه صير من يفشل في التعليم".
ورغم أن الوزارة قد أعلنت عن خطة طموحة لزيادة نسبة الانخراط في التعليم المهني من 12% إلى 30% بحلول عام 2030، فإن التحدي الأكبر يكمن في تطبيق هذه الخطة في المحافظات الأقل حظاً مثل المفرق. يُقدّر أن يتم زيادة النسبة بمعدل 5% سنوياً، ليصل إلى 20% بحلول عام 2027، إلا أن تحقيق هذه الأهداف يعتمد بشكل كبير على التوسع في بناء المدارس وتوفير التخصصات المطلوبة.
في ظل هذا الواقع، يظل الطلاب وأسرهم في حالة انتظار لتحركات جادة من قبل الجهات المعنية لتوسيع شبكة المدارس المهنية في محافظة المفرق. فالتوجه الحكومي نحو التعليم المهني يصطدم بنقص المدارس في المحافظة، مما يضع العديد من الشباب أمام خيار صعب بين مواصلة التعليم الأكاديمي الذي قد لا يلبي تطلعاتهم أو مواجهة صعوبات يومية للوصول إلى مدارس مهنية بعيدة.
رأي بكر، الطالب الذي اضطر للتخلي عن حلمه بسبب بعد المدرسة عن منزله، يعكس الإحباط الجماعي الذي يشعر به العديد من الطلاب وأسرهم في المحافظة. وعلى الرغم من التوجهات الحكومية المشجعة، فإن غياب البنية التحتية المناسبة وشبكة المدارس الواسعة يجعل من الصعب تحقيق الأهداف المرجوة. لذا، فإن تحسين الوضع يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة، المجتمع المحلي، والدول المانحة، لضمان أن يكون لكل طالب وطالبة في المفرق فرصة حقيقية لتحقيق أحلامهم من خلال التعليم المهني، وأن تتمكن الوزارة من تنفيذ خططها الطموحة بشكل ناجح.