"منديل أزرق جميل" مجموعة قصصية لغرايبة
صدرت للكاتب الأردني إبراهيم غرايبة، مجموعة قصصية بعنوان "منديل أزرق جميل"، عن دار الألفية.
وتضم "منديل أزرق جميل"، بين دفتيها، عددا من القصص المتداخلة التي تعكس أزمة الفرد العربي في علاقته بذاته وبالمجتمع والسلطة، وبخاصة فئة من اللامنتمين والمختلفين الذين يلاحظون الوهن والخلل في المنظومة المحيطة بهم، لكن المجموع لا يراها كذلك، فيمضون حياتهم في مواجهة مع الذات.
لكن كما يقول أحدهم "الدرويش" في قصة سبيل الحوريات: "لا تعود قادرا على أن تكون أنت ولا أن تكون غير أنت، وتكتشف بعد فوات الأوان أنك مخطئ في اختلافك عن الآخرين ومعهم، ولكنه اكتشاف متأخر لا يمكن إصلاحه، فعندما تحاول أن تنتمي إلى المجموع لا تجد لك مكانا، فلا أنت مستمتع بما أنت عليه ولا أنت قادر على ألا تكون غير ذلك".
لكن هؤلاء المختلفين ليسوا معادين لأحد أو فئة أو سلطة أو مؤسسة ولا خارجين على القانون ولا خارجين من المجتمع، إنهم محبون للحياة ولمجتمعاتهم وأسرهم، ويبذلون جهدا استثنائيا لأجل الانتماء والمشاركة، وليكونوا جزءا من العالم يتقبلهم ويتقبلونه، والكثير منهم قد لا نلاحظ أزمته، فهم يشعرون بالوحدة والعزلة رغم أنهم يعيشون بيننا ومثلنا، لكنهم يعانون وحدهم في صمت بدون أن يستمع إليهم أو يشعر بهم أحد، حتى في جهدهم الخارق لأجل الارتقاء بذاتهم أو للحفاظ على القيم الجميلة، فإن أحدا لا يشعر بما يبذلونه، ولا يجد أحدهم بعد سنوات طويلة من محاولته للتخلص من الكراهية والأنانية من يلتفت إليه سوى بومة تأوي كل مساء إلى شرفته.
في القصة الأولى "منديل أزرق جميل" التي أخذت المجموعة اسمها، يتمسك السجين الذي لا نعرف اسمه بالأمل المستمد من وجود منديل أزرق جميل في جيبة بدلة السجن، وعندما يكتشف أن المنديل لم تقدمه إدارة السجن يزيد شعوره بالثقة والامتنان لصديقه السجين السابق الذي ترك المنديل في جيب البدلة، ..ويظل يحتفظ بالمنديل طوال حياته كما نلاحظ في قصص أخرى؛ إذ إنه يكون هو ويظل بلا اسم أيضا بطل قصة "الحذاء" ثم قصة "مصنع النسيج" التي يموت في نهايتها بلا اسم، ويأخذ صديقه عيسو المنديل من جيبه، ويسجل اسمه "فارس" ويدفنه ويصلي عليه وحده.
عيسو هو أيضا يظل وحيدا في ذكرياته عن المدرسة وفي قصة صيد الثعالب وكيف ترك الصحافة ليعمل حارسا مفضلا العزلة والوحدة على مشاركة مع المجموع لا يجد فيها ذاته ولا يشعر فيها بالانتماء والمشاركة.
يعرض المؤلف تجارب ذاتية يقدمها بصراحة على أنها تخصه، أو تشبهه كثيرا، وهو في ذلك لم يكن مختلفا عن عيسو أو فارس الذي لم يكتسب اسما إلا يوم وفاته على نحو يرجح أنه يشبه كثيرا شخصيات قصصه، كما الحال في القصص الأخرى التي تعكس الشعور بالعزلة، مثل الحارس ونجمة الشمال وسبيل الحوريات التي تروي ما حصل للدرويش الذي ظل يسير في الصحراء أربعين سنة باحثا عن الحكمة واسم الله الأعظم، لكن حين أدركه لم يعد يعرف ماذا يفعل، فيعود متذكرا نصيحة أبيه قبل أربعين سنة ويحاول أن يجنب الناس ما حاول أبوه أن يجنبه إياه، ..ويفشل بطبيعة الحال، وكأن التيه مسألة حتمية لكل من يشغله السؤال أو يداهمه عدم اليقين!.
ومن الجدير ذكره، أن إبراهيم غرايبة باحث وكاتب صحفي، صدر له عدد من الكتب والدراسات في مجالات الفكر الإسلامي، والعمل الاجتماعي، والتنمية والإصلاح، وفي الأدب أصدر رواية "السراب"، و"الصوت"، و"جزيرة العنقاء" رواية للناشئة.