لسان الجائحة: غرابة اللفظ وألفة المعنى

طرحت جائحة " كورونا " أو " كوفيد 19 " عدة مسائل لسانية في المستويات الدلالية والتداولية. وبالفعل، أصبح الفضاء العمومي والخصوصي يتداول بلسان جديد ومتجدد؛ حيث بدأت ألسنة الجمهور، منذ اجتياح الوباء، تتواصل وفق معجم مستحدث غير مألوف، باللفظ والمنظوم ومعانيه، أو بألفاظ قديمة معبأة بدلالات جديدة، بإسناد معاني لم تكن معروفة لمفاهيم قديمة. وهذا ما نتج عنه توطن معجم غير مألوف في المجال التداولي، بكل الألسنة واللغات.

الغالب على تناول الدارسين لهذه الظاهرة ومشتقاتها هو انحصارها في الإعمال العلمي الدقيق والمتخصص للمصطلحات المرتبطة بالجائحة، وتقريبها للجمهور بالشرح والتفسير والتمثيل. وفي هذا السياق ظهرت معاجم جامعة للألفاظ التخصصية، ويمكن أن نصادف في الثلاث أشهر الأخيرة من 2020 ظهور مختصرات وقواميس لألفاظ الجائحة ذات الرواج الكبير، الألفاظ التي لها وثيرة تداولية كثيفة وذات معامل مهم في سلم معايير الأهمية. وفي أضعف الحالات نجد مؤسسات تهتم بإغناء القاموس المعتمد بالألفاظ الجديدة والتي ولدت من رحم الجائحة. وإذا كان هذا المشهد قد استأثر باهتمام اللغات الأجنبية، كالفرنسية والألمانية والانجليزية...، فإن المغرب شهد مؤخرا، في نهاية ماي 2020، ميلاذ معجم ( انجليزي – فرنسي – عربي ) يخص كوفيد 19. هذا العمل أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو)، عبر جهازها المختص، مكتب تنسيق التعريب بالرباط، مؤخرا، حيث تم تقديم سردي ومصطلحي جديد تحت عنوان "معجم مصطحات كوفيد -19"، وذلك بغية توحيد المصطلحات المتعلقة بفيروس كورونا المستجد على المستوى العربي ويشتمل هذا المعجم الذي يقع في 84 صفحة من القطع المتوسط، على 188 مدخلا باللغات العربية والفرنسية والانجليزية، علاوة على فهرس مصاحب باللغتين العربية والفرنسية. ويدعي مؤلفوه أنه " يتوخى رصد أبرز المصطلحات المتعلقة بفيروس كورونا المستجد ومرض (كوفيد-19) من المقالات العلمية، والمواقع المتخصصة، والمجلات الطبية، وكذا تصنيفها وفق المنهجية المعتمدة في وضع المعاجم الموحدة، حيث يضع بين يدي الباحث المصطلحات باللغة العربية مع مقابلاتها الإنجليزية والفرنسية مشفوعة بشرح مقتضب للمعنى "، كما يتوخى المسرد وضع معجم متخصص بين يدي المهتمين بالمجال الصحي والوبائي يمكنهم من استعمال أداة مصطلحية موحدة.

لكن رغم هذه المجهود الذي يضيف لبنة أساسية في حقل الترجمة والمعجم، والذي لا يمكن جحود فوائده، فانه وسم بالتقصير في نقل المصلحات الأكثر تداولا سواء في المحال العلمي والصحي التقني نفسه، أو في الفضاء العمومي، أي اللسان التداولي الشعبي للجائحة وما يلازمها في مجالات أخرى، كأنواع التواصل الذي هيمن على المرسل والمتلقي، أو المفاهيم الاقتصادية الجديدة، أو الألفاظ السوسيولوجية والسيكولوجية، وحتى السياسية ذات الارتباط الوثيق بالجائحة، أو ما يرتبط بأساليب العيش في ظل الجائحة... فمعجم الأليسكو اتصف بخاصيتين حالتا دون توسيع أفق المتلقي في الألفاظ المنقولة بالترجمة، والمضامين المقربة للمعنى.

تتمثل الصفة الأولى في اعتماد الطريقة الأبجدية ( الألفبائية ) في تصنيف الألفاظ عوض تناول المصطلحات حسب المجالات المعرفية.

وتنجلي الخاصية الثانية من خلال جمود هذا المعجم على الأبعاد الصحية والمرضية والعلاجية والدوائية... لجائحة كورونا، علما أن المعجم تغافل، وغفل، في هذا المجال، عن الانفتاح وتوسيع الاحتضان لمفاهيم جديدة، أو مفاهيم ذات دلالات جديدة.

ولما كنا نقر بأهمية مثل هذه المقاربات وانعكاساتها الايجابية سواء كم حيث إغناء اللغة أو الرصيد اللغوي الراهن، أو في توعية الجمهور حول لسان الجائحة وتجنبه سوء التأويلات التي يمكن أن تترتب عن عدم ضبط آليات التواصل الجديدة.

وسعيا للتكامل مع هذه المجهودات، سأحاول في هذا القول إدراج بعض المصلحات التي ولجت السوق اللغوية للجائحة، وامتلكت تأشيرة التجوال بكل الألسن، ومن هذه الألفاظ نجد التي تحصلت على بطاقة الإقامة، وتلك التي لازالت تتسكع في فضاءات التواصل – الواقعية والافتراضية، أي الألفاظ إلي هي في انتظار أن يحرز على المشروعية في القواميس الرسمية.

- " الغبي الكوفيدي" Covidiot: ويقصد الشخص الذي لا يلتزم باحترام التوجيهات الخاصة بالجائحة والذي له تأويلات وتمثلات خاطئة في التعامل مع كوفيد19، فلا يلتزم بالحجر، ويلهت وراء المواد الغذائية، وينشر المعلومات والأخبار الزائفة، إنه مكون للرعاع والغوغاء الكوفيدي.

- " التباعد الاجتماعي "Distanciation sociale : ويقصد بع أتخاذ الاحتياطات للوقاية من ولوج العدوى للشخص السلبي أو الإيجابي، وذلك باحترام اجراءات السلامة، كحواجز السلامة أو مسافة الأمان، أو تحاشي التلامس الفزيائي. وللإشارة، من المتداولين من يرفض هذه المسكوكة مفضلا " التباعد الجسدي، على اعتبار أن البعد يبقى حاضرا بالتواصل الإفتراضي، وعن بعد.

" الحجر – الطوق – العزل ": هذه الحدود تم اخراجها من الثلاجة اللسانية وإعمالها في سياق الجائحة الجديد، هذه الكلمات التي كانت تنتمي الى عهد جوائح سابقة، كا لطاعون مثلا، عادت الى الواجهة بوثيرة مرتفعة، لكن معانيها أصبحت أوسع، فلم يعد " الحجر الصحي " هو الاربعينية، بل أصبح يمدد إلى زمن أكبر يتجاوز الشهران، ومنه "التزام المنزل"، الذي يُطلق عليه أيضاً "الاحتماء بالمنزل"، إلى الحالات التي لا يُسمح فيها لأحد بمغادرة منزله، عدا قضاء بعض الضروريات مثل الذهاب إلى متجر البقالة أو الصيدلية. وفي معظم الأماكن، يُسمح بالخروج للتمشية أيضاً، ما دام الناس يبتعد بعضهم بعض بمسافة متر ونصف المتر. كما يُسمح للعاملين في الوظائف الأساسية بالذهاب إلى عملهم. و يضاف إليه مفهوم تمديد الحجر بحسب خطورة الجائحة. ويمكن أن نشير إلى أن " رفع الحجر الصحي " ظهر بدون تاريخ، فهو لم يكن مستعملا، علما أن طريقة تنفيذ غير متفق بشأنها، فقد يكون جزئيا أو كليا، فوريا أومتدرجا، مطلقا أو نسيا..

لا يختلف الأمر عن " الطوق الصحي " الذي يفيد معنى تطويق بعض البؤر، والذي يمكن أن يصل الى تطويق المدن. وهذا االفظ ليس مستعملا بكثافة في الجائحة، لمنه استبدل بمصطلح " حالة الطوارئ الصحية,

ويبقى لفظ " العزل الصحي " موسوما بالاشتراك في المعنى، والضبابية في الإحالة. فهو يتعلق بعزل المصاب أو محتمل الإصابة عن غيره من الأصحاء لضمان راحته التامة حتى التعافي، وللتأكد من عدم انتقال العدوى إلى أي شخص آخر. هذا العزل لا يكون بالضرورة في المشافي المخصصة للعزل، بل قد يحدث منزليًا إذا كانت أعراض المرض بسيطة، وقد يحدث في غرفة مشفى إذا كانت الأعراض متوسطة لكن تحتاج متابعة طبية، وقد يحدث في أسرة الرعاية المركزة لو تدهورت الحالة الصحية واستلزم الأمر متابعة طبية عن قرب.

- تتبع المخالطين: مفهوم يلازم كل النشرات الإخبارية، وهو الذي يخيف المتلقي بمجرد سماعه، وهو يرتبط بحد جديد هو " البؤرة الوبائية "، إذ عندما تتأكد حالة إيجابية يتم حصر المعاشرين للمصاب، والقيام بتشخيصهم. وهذه العملية صعبة، حيث تستنفر جميع المتدخلين، ومن ذلك مثلا المخالطين في العمال أو القرابة.

- فترة الحضانة: هي مقدار الوقت بين الإصابة بفيروس وظهور الأعراض. وفترة الحضانة الخاصة بفيروس كورونا تتراوح بين يومين و14 يوماً، ونحو خمسة أيام في المتوسط. وقد ينشر الأشخاص المصابون المرض قبل ظهور الأعراض عليهم، وهو ما يزيد من أهمية تدابير الاحتواء مثل الحجر الصحي والتباعد الجسدي.

- خقي الأعراض asympoatique: هو المصاب الذي لا تظهر عيه أعراض كوفيدية، إنه " مصاب صامت " بالعدوى. مصاب لا تظهر علامات سريرية لهذه العدوى (حمى ، صعوبات في التنفس ، سعال)... بالتأكيد فرغم خفاء أعراضه ، لكنه يظل معديًا. بدون نية ولا معرفة بذلك.

- " السوداوي الكوفيدي" Mélancovid: ويحيل إلى الشخص الذي تولدت عنه إضطرابات مرضية بسسب الجائحة، حيث هذا المصاب، وحتى غير المصاب، تصبح له نظرة سوداوية حادة، بل يصحب ذلك ذهان الخوف والفوبيا، مما يترتب عنه أشكال من الملل ennui، والضجر النفسي alysosie، وتتنوع هذه الاضرابات عند المصابين الذي ينتظرون العلاج، من التشخيص الى التنفس الاصطناعي، مرورا بالترج عبر أماكن العلاج.

- " الإستمراية البيداغوجية " la continuité pédagogique : هذا المصطلح الذي عرف إعمالا متواردا في زمن الجائحة، والذي أصبح بفضل العرف اللغوي والنقص البيداغوجي مألوفا، رغم أنه يضمر معاني متضاؤبة. فهو يختلف هن " استدامة التعلم " التي جاء بها القانون الاطار 51/17، هذه الاستدامة التي تعني بقط محاربة الهدر المدرسي، وخلق الشروط لضمان الزامية التعليم. كما تختلف الاستمرارية عن " استدامة التعلم " التي روج لها نفس القانون والتي تعني تدارك مافات من التعليم بسبب مغادرة المدرسة قبل نهاية التعليم الالزامي، وهوما يعرف ب"التربية غير النظامة". ورغم هذا الاختلاف، فإن المسكوكة اللغوية " الاستمرارية البيداغوجية " تشارك الألفاظ السابقة في معنى " التعلم مدى الحياة ". ويقصد بها، في إطار التجابير الإحترازية، التوقف الاضطراري عن الدراسة، وإن الدروس الحضورية ستعوض بدروس عن بعد تسمح للتلاميذ والطلبة والمتدربين بالمكوث في منازلهم ومتابعة دراستهم عن بعد. كما يقتضي وضع وتفعيل خطة الاستمرارية البيداغوجية، الإقدام على تعبئة فرق ومجموعات للإنتاج الرقمي وإنتاج الدروس المصورة وتفعيل المنصة الإلكترونية TelmidTice لتقدم دروس حسب الأسلاك والمستويات والمواد الدراسية. كما أطلقت عبر قنوات تلفزية وطنية برامج تتضمن حلقات تعليمية ودروس وفق تدبير يومي مضبوط وشامل، كما دعت إلى إحداث أقسام افتراضية وفق ما توفره منصة Microsoft Teams من خدمات الممارسات التفاعلية لفائدة المتعلمات والمتعلمين، وما توفره، كذلك، من خدمات لاستمرار عمليات التأطير والمواكبة لفائدة مختلف المتدخلين والفاعلين في الشأن التربوي.

- " ضمان أكسجين "، هو إجراء مغربي بامتياز، يسعى إلى مساعدة المقاولة المتضررة من انعكاسات الجائحة، بمنح قروض تشروط تنظيمية – تفضيلية، وتسهيل شروط الاستفادة أو الاسترداد. فالمقاولة المغربية، كغيرها في العالم، "تتنفس تحت الماء، إنها تغرق، تغرق"..

- " الأخبار الزائفة " fake newsK infodémies : وهي الشائعات التي لازمت تفشي الجائحة، سواء تعلق الأمر بالطبعة المختبرية للفيروس أو طريقة انتشاره أو علاحه أو لقاحه, ولقد اجتاحت المجال التواصلي مجموعة من هذه الإخطار والتي وجدت لها زبناء يروجنها. ولعل خطورة هذه المعلومات الوبائية الزائفة استنفرت منظمة الصحة العالمية التي مافتئ مديرها يلح على أن محاربة الآراء الفارغة والإشاعات الكاذبة تعتبر جزءا من محاربة كوفيد19.

- " لجنة اليقظة " و" خلايا اليقظة ": هذا الإصطلاح منتوج مغربي خالص، فاللجنة يقصد بها " لجنة اليقظة الاقتصادية " المحدثة لدى وزير الاقتصاد والمالية، والتي تضم في عضويتها الوزارات الفاعلة في المجال الاقتصادي وبعض المؤسسات غير الحكومية العاملة في الميدان. وتبين أن هذه اللجنة صلاحيات في تجبير الجائحة واتخاذ القرارات الاقتصادية المصيرية, أما خلايا اليقظة، فتحدث في باقي المؤسسات المركزية والجهوية والقليمية وحتى المحلية، ومن خلايا التتبع والتي تضم في هيكلتها ( الصحة والأمن، وحتى المجتمع المدني)

هذه بعض الألفاظ التي ولدتها الجائحة والتي بدأت تتوطن في المجال التدولي لكل الألسن، ومنها الكثير التي أصبح الناس بتكلمون بها ويتواصلون. من ذلك:

- التصفيق على الأطر الصحية، أو على المتعافين، أو عنج كل مغرب شمس

- طريقة التواصل عن بعد، باستخدام الزوم، أو ما يماثله....ومفاهيم أخرى تسترعي الإنتباه، وتدعو للنظر.

 

أضف تعليقك