"كثبان" يعيد تأثيث المكان وينهض على السينوغرافيا

"كثبان" يعيد تأثيث المكان وينهض على السينوغرافيا
الرابط المختصر

أعاد عرض "كثبان" تأليف وإخراج الدكتور فراس الريموني، تأثيث مكان اداء الممثلين وفرقة المهابيش المشاركة فيه، ونهض على مختلف عناصر السينوغرافيا مساء امس الاثنين في ختام فعاليات ليالي مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي بدورته الثانية في منطقة الكهيف بالامارة.

و يستهل عرض "كثبان" مشاهده بلوحة احتفالية تؤدى فيها الوان من القصائد والغناء التراثي الاردني لفرقة المهابيش الفلكلورية المتموضعة في خيمة رئيسة ضمن حلقة تشكلت من 12 خيمة بشكل دائري يحيل الى مسرح الحلقة او الدائرة في الوقت الذي تموضع الجمهور جلوسا في الخيام الــ11 الاخرى ليكون مكان اللعب والاداء في المساحة التي شغلت منتصف الدائرة، ما تلبث ان تنضم الى شخصيتي فتاة وشاب ادى ادوارهما صبا الشكرجي واياد الريموني، الى مقدمة الخيمة الرئيسة في اداء تراثي راقص متسقا مع ايقاعات المهابيش وعزف الربابة المصاحبة للفرقة الفلكلورية .

ويتحدث العرض عن احتفالية نابعة من موروثات البيئة الاردنية ما تلبث ان يشقها دخول شخصية التاجر المتنقل(الدواج) الذي ادى دوره الفنان عمران العنوز باقتدار، من احدى جنبات الخيم الاخرى مناديا على ما لديه للبيع ومن ضمنها سندات تسجيل ارض "كواشين" واوطان واسلحة ثم يشاركهم الفرح والغناء، ليتلو ذلك شبه تعتيم ومؤثرات صوتية لهدير الريح والعواصف وازيز الرصاص ودوي الانفجارات ومؤثرات لاضاءة بيضاء متقطعة وسريعة بوصفها بريق الرعد والانفجارات، في الوقت الذي تتحرك الشخصيات الثلاث في اداء يعبر عن الهلع والخوف، ما تلبث ان تتوقف لينبعث من بؤرة الحيز المكاني مؤثر دخاني كثيف يتلوه خروج 5 شخصيات كانت مدفونة في الرمال بشكل دائري بوصفها امواتا تبعث من جديد لتتحدث عن حكاياتها، ثم يتم الانتقال الى المشاهد الاخرى حيث كل شخصية تؤدي مونولوجا تتحدث فيه عن تجربتها وما عاشته في ظل الراهن العربي وما يجتاح بعض اقطاره من قتل وتدمير، حيث تستحضر فيه الشخصية الفلسطينية والعراقية والسورية من خلال للهجات التي يؤديها عدد من المشاركين في العرض.

في العرض الذي حمل احالات الراهن العربي وقدوم لاجئين عرب الى الاردن هاربين من معاناتهم في اقطارهم التي تعيش القتل والتدمير وتعاطف المجتمع الاردني بكل قطاعاته مع اشقائهم، وفق فيه المخرج الريموني بتوظيف هذه الدلالات من خلال اداء فرقة المهابيش المتميز الذي كان بالامكان تعزيز حضوره داخل العرض، ومحمولات القصائد الشعبية المغناة بمصاحبة ايقاعات المهابيش وشجي الربابة.

كما وفق المخروج في توظيف عدد من عناصر السينوغرافيا في حمل المضامين التي تعزز من ايصال الرسائل وخلق التواصل مع المتلقي والجمهور فيما يتعلق بالراهن العربي وتداعياته وطرح التساؤلات حول ما يجري، ومنها الاضاءة المتغيرة والمؤثرات الصوتية والدخان وعدد من الاكسسوارات ومنها الدمية والازياء والقبور التي خرجت منها بعض شخصيات العرض.

ورغم ان اداء الشخصيات الست في مونولوجاتها والذي جاء متماثلا حيث بدا كأن كلا منهم يقدم اداء مونودراميا متطابقا مع الاخر، الا ان النص المنطوق الذي تنوع بين اللهجة المحكية الشعبية الاردنية والمحكيات العراقية والسورية والفلسطينية والفصحى جاء محملا بالمضامين والمعان البليغة في مفرداتها، ومنها على لسان البائع المتجول الذي يحمل اخبارا ما يجري بسبب تنقلاته بين القرى والقبائل "يا سامعين الصوت معنا بواريد وفرود وفشك للبيع معنا عنبر ومسك ومعانا امل وفرح، ومعانا الم حزن وكفن ومعانا ساعة الزمن"، الا انه لم يخلو خطابه من الوعظ والمباشرة في عدد من العبارات " يا سامعين الصوت توحدو لا تسمعو للغريب تكاتفوا تعاضدوا لا ترحلو لا تشربو من الماء العكر "، ومونولوج "نوايا تدور بسرعة الريح افقدتنا الاتجاهات ومسحت الحدود" على لسان شخصية الفتاة العراقية التي ادتها صبا الشكرجي باتقان" و"من يجمع الاشلاء المتناثرة، من يجمع سنابلك يا حقلي" على لسان احدى الشخصيتين التي اداهما الوجه الجديد المتميز محمود الزغول وادى لوحة باللهجة السورية يستحضر فيها حكاية الطفل السوري الغريق "ديلان" أثارت اعجاب الجمهور الكبير.

علاوة على مونولوجات اخرى اداها باقي فريق العرض ومنها "اتجول في الوطن العربي وليس معي الا دفتر يرسلني المخفر الى مخفر ويرميني العسكر الى عسكر وانا لا احمل في جيبي الا عصفورا ولكن الضابط يوقفني يريد جوازا للعصفور" و"الغربة في الوطن قاسية كقساوة الحكام ولكن الغربة خارجه جريمة كبرى".

عرض "كثبان" الذي جاءت اخر لوحاته بان تتراكم اجساد شخصياته فوق بعضها البعض في بؤرة الحيز الدائري مكان اللعب المسرحي مشكلين كثيب من الاجساد البشرية التي انهكتها وقتلتها الحروب والصراعات والعنف السائد في عديد من الاقطار العربية، حمل دعوات لوقف هذا العنف ومحاربة الافكار الظلامية والارهاب والعودة الى تلاقي ابناء الامة العربية وتكاتفهم وتلاحمهم لمواجهة ما يحيكه الغريب الخارجي لهم من مؤمرات ومكائد، وختم مشاهده بشبه تعتيم تظلله اضاءة حمراء علوية على وقع مؤثر غنائي بموسيقا ذات ايقاع هادئ وحزين باللهجة اللبنانية يتحدث عن وطن شهد حربا وقتلا للاطفال.

كما شارك في العرض محمود الجراح ويزيد العتوم واحمد حافظ واحمد ابو صيام.

أضف تعليقك