كتاب الدم "فجأة تغير كل شيء"
عن دار بيجز للنشر والتوزيع صدر النتاج الثالث للكاتب والإعلامي “أغيد شيخو” تحت اسم “فجأة تغير كل شي”، هذا العنوان الذي اختاره الكاتب ليعبر عن حياة السوريين أثناء الأحداث في البلاد جاء متماشياً مع الأحداث التي يرويها أبطال كتابه، إذ كانت هذه العبارة هو الرابط المشترك بين جميع من إلتقاهم وحاولهم ليعبروا عن الحالة النفسية والجسدية التي وصلوا إليها جراء الأحداث، فخلال 3 سنوات استطاع “شيخو” لقاء العديد من السوريين في الداخل والخارج وإجراء مقابلات معهم ليروي كل واحد منهم حدثاً غيّر حياته بالكامل خلال الأزمة السورية، فنجد في الكتاب من تعرض للتهديد والإعتقال بالإضافة إلى تعرض البعض الآخر للإختطاف والإغتصاب إلى جانب حالات كثيرة حاول الكاتب من خلالها تلخيص ما عاشه الناس بين عامي 2014 و 2017 وهي المدة الزمنية التي استغرقها “شيخو” لإلهاء كتابه التوثيقي هذا.. حول أهمية هذا الكتاب يقول “شيخو” لتركيا بوست : تحدث الكثير من الأمور التي قد لا يصدقها عقل أثناء الصراعات في البلدان، بضعها تبقى خفية لا يعلم بها أحد والبعض الآخر يستطيع أبطالها الخروج أحياء مما عاشوه ليكونوا شهود عيان على ما يحدث، هؤلاء هم أملنا الوحيد في إظهار الحقائق دائماً، فكلما استطعنا تدوين وتوثيق هذه القصص كلما زاد فهمنا للواقع ومحاولة الإحاطة به، لذلك يعتبر كتابي هذا جزء يسيراً مما يجب علينا جميعاً أن نفعله”.. وإلى جانب الأهمية التوثيقية التي يحملها الكتاب فهو يجيب من خلال القصص الحقيقية التي يرويها أصحابها على الكثير من الأسئلة حول سبب تشرذم المجتمع السوري واختلاف الآراء فيه بالإضافة إلى رؤية ووجهة نظر كل طرف عمّا تعيشه البلاد كون الكاتب حاول الجمع في نتاجه هذا بين مختلف الآراء والإتجاهات الفكرية على اختلافها، ويمكن اعتباره جسراً آخر لغير السوري لإستيعاب كل تلك الفوضى باسلوب بعيد عن وسائل الإعلام التقليدية التي تركز في غالب الأحيان على عدد الضحايا دون التركيز على خلفية كل واحد منهم. مقدمة الكتاب أتى هذا الكتاب ليعبّر عن الناس ومعاناتهم التي عاشوها في سورية بعيداً عن وسائل الإعلام التقليدية التي ما برحت تسلط الضوء على أعداد القتلى والضحايا دون التركيز على خلفية كل واحدٍ من هؤلاء الضحايا، هنا، الناس هم من تحدثوا عن معاناتهم قبل أن يتغيّر كل شيء في حياتهم وبعد أن تغيّر.. "بدأ هذا المشروع الصغير عام 2014 عندما قرر شيخو الخوض في معاناة الناس وهم في قلب دارهم، أناس لم تستطع الكاميرات أن تشوّه براءتهم، فكان ذلك في السنة نفسها عندما تم إطلاق برنامج "قصة حدث" الإذاعي عبر "راديو ألون" الذي كنت مديراً لبرامجها، لم أتحدث في الحلقات أبداً وإنما كنت متابعاً مثلكم تماماً، فقط كان الضيف يتحدث عمّا عاشه في وطنه وفي غربته غائصاً أحياناً كثيرة فيما يسرد دون الإكتراث لوجودي، إذ كان حجم المعاناة أكبر من أن يبقيه في الواقع الذي هو فيه، لذلك، وفي كلّ سردة، كان يسافر بذاكرته إلى نقطة البداية، حيث تغيّر كل شيء ولم يعد العالم كما عرفوه بعدها، هم وإن ذكروا أحياناً المسبب لما حدث لهم إلاّ أن الحادثة بحد ذاتها كانت دائماً أكبر من التركيز على من سببها، وقد حاولت أن أكون حيادياً دائماً في الموضوع وألاّ يكون للسياسة والكيانات دور في هذا الكتاب وإنما أن يكون كياناً إنسانياً خالصاً يعتبر الإنسانية فوق كل شيء، ولكن رغم ذلك لم أستطع إلاّ أن أذكر وأكتب كل ما نطق به أصحاب هذه القصص حتى وإن خرجوا أحياناً عن السياق، فالأدب والفن كمان الإعلام، رسالة ويجب علينا المحافظة على أمانتها، لذلك كان هذا الكتاب." يقول في مقدمة كتابه "بعد التهجير الذي تعرض له السوريون والقهر والحرمان الذي فرض عليهم اللجوء إلى بلدان الجوار، فرض عليهم ذلك الجوار أيضاً أشياء كثيرة وعبئاً لم يكونوا مستعدين له، وهم من ظنّوا أنهم تخلصوا من كل العبء بعد خروجهم، الكثير من الأسئلة بدأ الناس بطرحها عليهم وبالأخص في "تركيا" ولكن معظمهم لم يستطع الإجابة عليها بحكم اللغة أحياناً وإختلاف التفكير والرؤية حول الواقع السوري المتشرذم أحياناً أخرى؛ لعل هذا الكتاب يجيب على الكثير من هذه الأسئلة، كـ: لماذا هرب السوريون من بلدهم ولم يحاربوا العدو، لماذا هم هنا ولا يعودون إلى وطنهم، هل هذه أنانية منهم في ترك البلد للسفاحين الذين استباحوها طولاً وعرضاً، لماذا يختار السوريون أوربا المسيحية على واقعهم المسلم وهل هروبهم من مسؤوليتهم في الدفاع عن وطنهم يمكن أن يضمد جرح الوطن..؟؟" مثل هذه الأسئلة تعرض لها السوريون بشكل يومي في شوارع "تركيا" حيث أعيش الآن، ولكن إعادة وتكرار الإجابات نفسها على مدى أربع سنوات لم يكن بالأمر السهل، فكان هذا هدفاً آخر في إصدار هذا الكتاب، ولعلّ القصص الإنسانية التي يحملها في طياته تجيب على بعض هذه الأسئلة وإن لم تكن الإجابات واضحة ومباشرة تماماً.. في هذا الكتاب حاول شيخو الحفاظ على التنوع في القصص والأماكن قدر الإمكان، ففيه سنرى قصصاً من "حمص ودمشق وحلب" وأيضاً قصصاً من "درعا وإدلب وعفرين" وأيضاً كان للمقيمين في تركيا نصيب من هذه الصفحات، معظمهم الآن لم يعودوا مقيمين في المكان نفسه إذ بعد الإنتهاء من توثيق قصص بعض المتواجدين في ريف دمشق حاولت التواصل معهم مجدداً ولكن لم يبق لهم أثر، البعض أيضاً استطاع الوصول إلى حلمهم المنشود، أوربا، والبعض وصلني خبر وفاتهم دون إمكانية التأكد من ذلك.. هذا التشكيل ربما يخلق تنوعاً وإحاطة أكبر بما يحدث هناك، فما يحدث أكبر من أن يكون أرقاماً لعدد الوفيات نراها بشكل يومي عبر شاشاة التلفزة، إذ أنّ وراء كل رقم حكاية، قصة، عائلة، أب وأطفال وزوجة، حبّ ينتظر وأصدقاء لم يعودا إلى الآن لكنّ المنتظرين لم يملّوا جلوسهم على عتبة المنازل..